نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقارير مسهبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقارير مسهبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وطرحت سؤالاً مثيراً للاهتمام: «هل نظام ما بعد 1945 الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على العالم سيتفكك هو أيضاً؟».
نأمل أن يعني ذلك تفكيك اثنتين من المؤسسات الحكومية الأكثر قوة وتدميراً التي ظهرت إلى الوجود في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية: حلف الأطلسي (الناتو)، ودولة الأمن القومي الأمريكية. والمفارقة هي أن هاتين المؤسستين هما اللتان أدتا في النهاية إلى الاستفتاء البريطاني حول «بريكست» ولو أن النخب السياسية ووسائل الإعلام الرئيسية لن يعترفوا بذلك أبداً.
وأشارت «نيويورك تايمز» إلى واقع أن «أعداداً ضخمة من اللاجئين اندفعت إلى خارج سوريا والعراق. وقد ساهم في التعجيل بتنظيم الاستفتاء البريطاني».
ولكن ما الذي كان وراء أزمة اللاجئين الكبرى هذه؟
الجواب: كان ذلك عمليات دولة الأمن القومي الأمريكية لتغيير أنظمة في الشرق الأوسط.
وماذا كان مسؤولو الولايات المتحدة و«الناتو» يعتقدون - أن يبقى الناس ببساطة حيث هم لكي يتمزقوا إرباً تحت سيل القنابل التي كانت تلقى فوقهم، نتيجة لبرنامج الاغتيال الأمريكي أو العنف الشامل للحروب الأهلية التي نتجت عن عمليات الولايات المتحدة و«الناتو» لتغيير أنظمة؟
أنا أتساءل عما إذا كان أولئك الذين يتحسرون ويشتكون من نتيجة الاستفتاء حول «بريكست» يدركون أنه:
لو لم يكن هناك أي غزو أمريكي واحتلال للعراق، ولا تغيير للنظام في ليبيا، ولا تدخل وقصف أمريكي وأطلسي في سوريا، ما حدثت أزمة اللاجئين الكبرى هذه في أوروبا، وبالتأكيد ما صوتت أكثرية البريطانيين ل «بريكست».
إن «الناتو»، مثله مثل دولة الأمن القومي الأمريكية، هو مؤسسة حكومية أفرزتها الحرب الباردة لتكون مهمتها الظاهرية حماية أوروبا الغربية من هجوم قد يشنه الاتحاد السوفييتي، الذي كان شريكاً وحليفاً لأمريكا وبريطانيا في الحرب العالمية الثانية.
ولكن كما يعلم الجميع، الحرب الباردة انتهت قبل أكثر من 25 سنة. وهنا يطرح سؤال تلقائياً: لماذا لم يتم حل حلف الأطلسي عندما انتهت الحرب الباردة؟
إن ما تريد الصحيفة الإيحاء به هو أن «الناتو» لا يزال ضرورياً اليوم من أجل حماية أوروبا الغربية (والآن أوروبا الشرقية أيضاً) بمواجهة العدوانية الروسية، تماماً كما كان في حقبة الحرب الباردة.
ولكن هناك خطأ في هذا التصور، وهو أمر لا تريد الصحيفة ولا نخب المؤسسة السياسية التركيز عليه ، ألا وهو أن «الناتو» ومؤسسة الأمن القومي الأمريكية هما اللذان فجرا الأزمة مع روسيا حول أوكرانيا. بعد أن انتهت الحرب الباردة، لم يكتف «الناتو» بقرار استمرار وجوده، بل بدأ يدمج في بنيانه بلدان أوروبا الشرقية التي كانت في السابق أعضاء في حلف وارسو. وعندما وصلت عملية التوسع إلى أوكرانيا، قرر «الناتو» إدماج ذلك البلد أيضاً، وكاد «الناتو» ينجح في ذلك بفضل انقلاب موالٍ لأمريكا حمل كل بصمات عملية ناجحة لتغيير نظام قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سي آي إيه». وإدماج أوكرانيا في «الناتو» كان سيعني إقامة قواعد أمريكية ونشر قوات ومدرعات وصواريخ أمريكية على حدود روسيا، وكذلك سيطرة الولايات المتحدة على القاعدة الروسية الحيوية في ميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.
وما كان من الممكن أبداً أن تسمح روسيا بحدوث ذلك، ما أدى إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا وتفاقم الأزمة الأوكرانية.
ولكن اليوم، ماذا تقول لنا نخبة المؤسسة السياسية ووسائل الإعلام الرئيسية؟ يقولون إن «الناتو» هو الطرف البريء، وهو قوة الخير في العالم، وليس مؤسسة فاسدة انقضى عهدها وأصبحت مهمتها إثارة أزمات بهدف تبرير استمرار وجودها.
والأمر ذاته ينطبق على مؤسسة الأمن القومي الأمريكية التي أنشئت هي أيضاً من أجل شن حرب باردة ضد الاتحاد السوفييتي، والتي غيرت بنية الحكومة الأمريكية جذرياً ونحو الأسوأ.
هناك أمر مؤكد هو الحرب الباردة انتهت قبل أكثر من ربع قرن. وبدلاً من تفكيك دولة الأمن القومي بعد أن فقدت عدوها الرسمي مع نهاية الحرب الباردة، وجهت دولة الأمن القومي هذه أنظارها نحو الشرق الأوسط، وأخذت تثير اضطرابات من خلال عمليات غزو واحتلال، وفرض عقوبات، وتدخلات وعمليات تغيير أنظمة.
لقد آن الأوان لكي يقوم الأمريكيون بمحاسبة نفس حقيقية، آن الأوان لإحداث تغييرات جذرية للموروثات عن الحرب العالمية الثانية. وحل كل من «الناتو» ودولة الأمن القومي سيكون بداية عظيمة.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة