في الوقت الذي يسائل فيه ترامب أهمية حلفاء أميركا، يجب أن نعترف أن للرجل نقطة تستحق الاهتمام، إذ ليست هناك مشاركة كافية في تحمل الأعباء.
في الوقت الذي يسائل فيه دونالد ترامب أهمية حلفاء أميركا، يجب أن نعترف أن للرجل نقطة تستحق الاهتمام، إذ ليست هناك مشاركة كافية في تحمل الأعباء. وبصورة أوضح، فإن الولايات المتحدة تنفق 3% من ناتجها القومي على قواتها المسلحة بينما بقية أعضاء الناتو ينفقون ما متوسطه 1.4% من إجمالي نواتجهم القومية حتى بعد الاتفاق الذي قضى رسميا بإيصال الهدف إلى 2%. عواقب حال كهذه لن تخرج عن المتوقع، ففي حرب أفغانستان أرسلت الولايات المتحدة 100 ألف من عسكرييها إلى المهمة في حين لم ترسل دول الناتو مجتمعة سوى 35 ألفا.
وأيا تكن نواقص حلفاء أميركا فإنه من غير المقنع النظر إليهم بوصفهم عالة على البلاد. فالمتأمل يرى أنهم ليسوا امتيازا لأميركا فحسب، لا بل إنهم يشكلون ملمحا رئيسا من قيادة واشنطن العالمية. روسيا والصين تتمتعان بحلفاء يوصفون بالشركاء الأمنيين على شاكلة بيلاروسيا وكوريا الشمالية، بينما أميركا لديها ما يقرب من الستين حليفا، معظمهم من بين القوى الاقتصادية والتقنية الأبرز في العالم. فثلثا إجمالي الناتج العالمي، ومثلهما من الإنفاق العسكري الدولي توجد ضمن التحالف الأمني الغربي الواسع بقيادة الولايات المتحدة. وهو الأمر غير المسبوق في التاريخ البشري، خاصة إذا ما علمنا أن تحالفا كهذا لم يكن نتيجة تهديد جليٍّ ومتفق عليه.
ترامب يبدو واضحا في موقفه من الناتو. فهو يريد فصم عراه، كما يرغب في الابتعاد عن الحلفاء الآسيويين، والانسحاب من الشرق الأوسط. وما علمتنا إياه إستراتيجية أميركا بعد الحرب الثانية هو أن عدم التدخل في شؤون الآخرين لم يكن مجديا، بل إنه قاد إلى حروب عالمية. ترامب، بهذا المعنى، يقف على النقيض، مما يعطي أميركا قوتها في السوق العالمية والنظام الأمني الدولي. ومع تدهور الأحوال في أوروبا اليوم، بات لزاما مراجعة الأسس المتعلقة ببنية التحالف غير المتوازي ومعرفة ما إذا كان بإمكانها الوفاء بالغرض.
ليس من الضروري أن يتشابه الحلفاء. فعلى الرغم من أن الحلفاء الأوروبيين لا يستثمرون بالقدر المأمول في مشاريع دفاعية مشتركة، إلا أننا نجد حلفاء شرق أوسطيين وآسيويين يقومون بنشاط استثماري أفضل في هذا الجانب. إذ ينفق الحلفاء من الشرق الأوسط أكثر من أعضاء الناتو على نحو ملحوظ، وتدخل كوريا الجنوبية إلى القائمة بإنفاق يقارب الـ2.5%، أما أستراليا فتستثمر بنحو 2%، إضافة إلى ذلك، يسير الواقع الفعلي لإنفاق الولايات المتحدة على الضد من الرائج عنه. فواشنطن لا تبدد أموالها على الدول الحليفة المقتدرة التي يتمركز فيها جنودها. تحليلات مؤسسة راند وتقديراتنا تشير إلى أن إبقاء القوات الأميركية في دول صناعية مهمة يكلف أقل من 10 مليارات دولار سنويا، مما يشكل نسبة تقل عن 2% من الميزانية الدفاعية، كما أن نصف هذه المليارات الـ10 أو أكثر منه بقليل تدفعه الدول المضيفة.
نكتب هذا لنقول إن القوة العسكرية والإنفاق ليسا المقياسين الوحيدين لمساهمات الحلفاء. ومن الجدير بالذكر والتذكر أن الحلفاء "الأثرياء" ينفقون من ثرواتهم الوطنية أكثر منّا على إعادة توطين اللاجئين والمساعدة في تنميتهم. حلفاء الناتو أيضا ملتزمون بأكثر مما نفعل مع مهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بأكثر من 100 ألف جندي خلال العقود المنصرمة. صحيح أن جنود الولايات المتحدة فاقوا نظراءهم الأوروبيين في أفغانستان، إلا أن الأخيرين عانوا فقد 1000 جندي من صفوفهم، وواصلوا المهمة الصعبة لخمس عشرة سنة. زد على ذلك أن دول الناتو تحملت النصيب الأكبر من أكلاف ومخاطر تطبيق العقوبات على روسيا بسبب تدخل موسكو في أوكرانيا، نظرا لحجم التبادل التجاري الكبير بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، والذي تضرر بفعل العقوبات. ولا مقارنة بين ما تكبده الاتحاد الأوروبي وأميركا بعد اتخاذ الخطوة العقابية هذه. الحال نفسه يسري على العقوبات المفروضة على إيران والدور الأوروبي الجوهري في تطبيقها.
ومنذ تأسيس أميركا نظامها التحالفي عقب الحرب العالمية الثانية، لم تندلع الحروب البين - دولية إلا بفعل أنظمة "محايدة" أو معادية. كوريا الشمالية هاجمت كوريا الجنوبية (...)، والعراق هاجم إيران والكويت. أما الصين وفيتنام فقد ألقتا بثقليهما فوق جواريهما خلال العقود الأولى من الحرب الباردة، ناهيك عن أن فلاديمير بوتين يعيد رسم حدود القارة العجوز بعد عقود من ضرب الاتحاد السوفييتي الستار الحديدي على أوروبا.
هناك بالطبع وجاهة في النقد الموجه للحلفاء الذين لا يشاركون الولايات المتحدة أعباءها، وبعضه قيل وشاع عالميا على ألسنة راسمي السياسات الخارجية، على أن الذين أشهروا علامات استفهامهم حول القيمة الأساس للحلفاء والانخراط في ما وراء البحار ذهبوا بعيدا إلى حدِّ أن شوهوا الصورة الكلية، ناسين أن هذه التحالفات ساعدت واشنطن على دعم النظام الأمني العالمي الذي قلص من انتشار الحروب بين الدول، ولم يقتطع إلا 3% من إجمالي الناتج المحلي.
خطة ترامب الرامية إلى الانسحاب من التحالفات ستكون وبالاً على الأميركيين، وترامب نفسه قد يعتبر أمننا العالمي موضع استثمار جيد له، لكن ذلك لن يتحقق إلا عبر منظومة أميركا التحالفية.
نقلًا عن صحيفة الوطن أون لاين
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة