يصعب كثيراً الدفاع عن المجزرة التي ارتكبها المجند السابق ميكا جونسون في مدينة دالاس الأمريكية.
يصعب كثيراً الدفاع عن المجزرة التي ارتكبها المجند السابق ميكا جونسون في مدينة دالاس الأمريكية. لقد أودى الرجل بحياة خمسة أشخاص لا يعرفهم ولا يعرفونه ولا تربطه أو تربطهم به صلة وليس له معهم عداوات سابقة، وليس متأكداً حتى ما إذا كانوا من الذين يقتلون السود في شوارع الولايات المتحدة أو الذين يرفضون ذلك. قتلهم فقط لأنهم من البيض الذين يلبسون زي الشرطة الأزرق.
ومهما يكن حجم الغضب الذي استبد به أو درجة الإثارة التي شعر بها وسط حالة الغليان والغضب العارم التي سادت وما زالت تسود من جراء تكرار قتل مواطنين سود برصاص الشرطة في مدن أمريكية بعينها ، وهما الدافع لارتكاب تلك الجريمة الشنعاء، فإن التاريخ لن ينظر إلى جونسون باعتباره بطلاً من أبطال مكافحة العنصرية، بل يصنفه «داعشياً» صغيراً ينشر الحقد والكراهية ويستهتر بحياته وحياة الآخرين.
وعندما كانت العنصرية في الولايات المتحدة في أوج قوتها وعنفوانها وسطوتها وكامل غطرستها وتحت الحماية القانونية الكاملة، تصدى لها أبطال حقيقيون على رأسهم مارتن لوثر كنغ ومالكوم إكس وغيرهما. قادوا كفاحاً قاسياً وطويلاً وتحملوا عناءه ومشقاته حتى حققوا النصر للإنسانية كلها، دون أن يلجأوا إلى السلاح ويشعلوا حرباً يموت فيها الأبرياء.
إن العنصرية في أمريكا هي واقع تاريخي لا يمكن نكرانه، ولا أحد ينكره على أي حال، وهي لا تزال موجودة وحية في أعماق الإنسان المعاصر أبيض كان أو ملوناً، لكنها اليوم أضعف تأثيراً في سلوكيات الإنسان وأقل إيذاء.
لكن يصعب أيضاً الجزم بأن حوادث إطلاق النار التي وقعت خلال السنوات الماضية وراح ضحيتها عدد كبير من السود، كانت بدوافع عنصرية. يصعب الجزم بذلك لأن المجتمع الأمريكي هو بطبيعته مجتمع عنيف ويسهل فيه امتلاك الأسلحة الفتاكة ، فهي تباع في المحال مثلما تباع علب السجائر وزجاجات الكولا أو الهمبرغر.
كما أن هناك مدناً بعينها تنتشر فيها عصابات الموت، وهي مدن مرعبة وخطرة والقتل فيها مجاني. ورجال الشرطة في مثل هذه المدن قد يصابون بالخوف والفزع وقد يتسرعون في ردود فعلهم وقد يرتكبون الأخطاء التي يروح ضحيتها أبرياء. وفي مثل هذه الأجواء لا بد من وجود حوادث قتل تسبب فيها رجال شرطة سود أو بيض لكن التقارير لا تشير إليهم.
إن ما يحدث في أمريكا هو شيء مؤسف ولا شك، لكن الخوف من الموت يظل خوفاً من الموت ولكن لا يمكن إنكار أن هناك عنصرية في الولايات المتحدة بأي حال.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة