الساحل الأفريقي 2020.. انقلاب مفاجئ و"صيد ثمين"
ما بين تحديات وإنجازات، شهدت منطقة الساحل الأفريقي خلال 2020 أحداثا جمة كان أبرزها "انقلاب مالي" و"مقتل زعيم القاعدة في بلاد المغرب".
وبينما كان العالم في حالة بيات جراء أزمة كورونا، كانت المنطقة محط أنظار قادة العالم حيث تعددت مؤتمرات الدعم والمساندة الدولية التي تعكس قوة الإصرار والالتزام الدولي بأمن واستقرار الساحل الأفريقي.
تمثلت في قمة "بو" الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2020 إلى قمة نواكشوط يونيو/حزيران من نفس العام، مرورا بسلسلة زيارات متعددة ومنتظمة لمبعوثين دوليين استقبلتهم موريتانيا التي تتولى الرئاسة الدورية للتجمع، الذي يضم إلى جانبها كلا من مالي والتشاد وبوركينافاسو والنيجر.
وأكدت جميعها الدعم الدولي لجهود بلدان المنطقة في حربها ضد الإرهاب ومساعيها لتحقيق التنمية.
فيما كان أبرز التحديات "الانقلاب العسكري" في دولة مالي، حيث فرض الحدث نفسه على المنطقة في عام 2020، وبفضل جهود إقليمية ودولية، قادتها "الإكواس" انتهت بمرحلة انتقالية بقيادة مدنية، وأزيحت مخاطر التوتر التي كانت ستهدد الأمن الهش في المنطقة.
صيد ثمين
وفي 5 يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية مقتل زعيم ما يعرف بـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" الجزائري عبدالمالك درودكال، بمنطقة "تساليت" الواقعة شمالي مالي.
وذكرت وزارة الدفاع أن العملية العسكرية نفذتها قوات فرنسية بالتنسيق مع قوات من دول المنطقة، وتمت في 3 يونيو/حزيران.
ويعد الإرهابي عبد المالك درودكال من أخطر وأقدم الإرهابيين في منطقة شمال أفريقيا والساحل، ويؤكد خبراء أمنيون أن تصفية الرقم الأول في تنظيم القاعدة بأفريقيا يعد ضربة قوية للتنظيم الإرهابي.
واعتبروا أن مقتل زعيم ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، لا يشكل فحسب ضربة لقدرات التنظيم، بسبب فقد شخصية بحجم القائد، بل ربما يفكك التحالفات التي نسجها التنظيم مع بعض الحركات المتشددة الأخرى.
وأشار الخبراء إلى أن غياب العقل المدبر لهذا التحالف الذي تم عام 2017 بين القاعدة في بلاد المغرب وعدد من تلك الحركات من شأنه أن يكون البداية لتفكك هذا التحالف الذي يضم عددا من الحركات المحلية المتطرفة.
ونوهوا إلى أن مقتل درودكال الذي كان يعارض دعوة حكومة دولة مالي مؤخرا إلى فتح حوار مع الحركتين الممثلتين للفولان والطوارق، ربما يفتح أفقا جديدا لإحلال السلام والمصالحة في شمال مالي، وإنهاء حمل السلاح ضد الدولة المركزية في ماكو.
قمم دولية
واستهلت بلدان الساحل وشركاؤها الدوليون جهود مواجهة الإرهاب خلال عام 2020 بعقد قمة "بو" التي دعا لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يناير/كانون الثاني 2020.
وأسفرت القمة السداسية التي جمعت ماكرون بقادة بلدان الساحل الخمس عن اتفاق لتعزيز "قوة برخان" بغية الحفاظ أكثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، بموافقة زعماء البلدان الخمسة.
و"عملية برخان" هي عملية عسكرية جارية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، التي بدأت في 1 أغسطس/آب 2014، وتتألف من 3000 من القوة الفرنسية ومقرها الدائم في نجامينا عاصمة تشاد.
وأكد الرئيس الفرنسي على دور "قمة بو" في تعزيز شرعية وجود القوات الفرنسية بالمنطقة وحض الحلفاء الأوروبيين على التحرك، داعيا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفعيل قوات أفريكوم الموجودة في المنطقة والقيام بدور أكبر في هذا المجال.
وفي شهر يونيو/حزيران 2020، احتضنت العاصمة الموريتانية، نواكشوط ثاني قمة خلال هذا العام لبلدان المجموعة لتقييم نتائج قمة "بو" الفرنسية.
وشهدت القمة مشاركة أوسع من خارج رؤساء بلدان الخمس وفرنسا، لتشهد تواجد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إلى جانب مشاركة – عبر الفيديو- لكل من المستشارة الألمانية أنجيلا مركل، ورئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، بالإضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل.
وقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، في كلمته خلال افتتاح الجلسة، إن "الحضور المباشر للقادة رغم المشاغل وظروف أزمة كورونا يجسد قوة الالتزام الدولي تجاه الأمن في المنطقة".
ونبه الغزواني إلى ضرورة التصدي لمخاطر الأزمة الليبية على أمن الساحل، مشيرا إلى أن هذه الأزمة تعد "أحد أسباب تدهور الأمن في المنطقة التي تغذي الإرهابيين بالسلاح والذخيرة".
وطالب الرئيس الموريتاني بالإلغاء المباشر لديون بلدان المجموعة من أجل "توفير الدعم المعتبر للخطط الوطنية لهذه البلدان المعدة لتجاوز أزمة كورونا المتعددة الأبعاد".
وتعهدت الدول الغربية المشاركة في القمة بتقديم الدعم لدول الساحل خلال القمة التي انعقدت في موريتانيا، لمكافحة الإرهاب وتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد على الملف الأمني بالمنطقة.
ورأى مراقبون أن هذه القمة استثنائية في دلالاتها وتوقيتها، كونها أول تجمع دولي يستضيف قادة ووفودا مشاركة، في ظل إجراءات بلدان العالم الاحترازية ضد انتشار الوباء والتي فرضت إغلاقا للأجواء والمطارات.
وأكدوا على أن توقيت القمة في هذه الظروف الاستثنائية أيضا يوجه رسالة أخرى إلى كل من المجتمع الدولي ودول المجموعة وكذا الحركات الإرهابية مفادها أنه رغم انشغال العالم بأزمة كورونا، وما فرضته على العالم من إعادة ترتيب للأولويات فإن استعادة الأمن في المنطقة يبقى الأهم والأكثر إلحاحا.
انقلاب مالي
وفي 19 أغسطس/آب الماضي، أعلن رئيس مالي استقالته من منصبه وحل البرلمان والحكومة، وذلك بعد اعتقاله على يد عسكريين متمردين، في انقلاب أدانته الأسرة الدولية.
وأثار الانقلاب العسكري ردود فعل وإدانة دولية إلى جانب تحذيرات من فوضى جديدة داخل دولة هي مركز القتال ضد التهديدات الإرهابية المتنامية في الساحل.
وفي 20 سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن المجلس العسكري في مالي، تعيين وزير الدفاع الأسبق با نداو، رئيسا انتقاليا للبلاد.
وسيتولى الوزير السابق منصب رئيس الدولة خلال أشهر عدة تسبق عودة المدنيين إلى الحكم.
بوصلة تحرك دولي ضد الإرهاب
وخلال العام 2020 كانت العاصمة الموريتانية نواكشوط، محط زيارات متزامنة لمسؤولين دوليين جعلت من البلد الأفريقي محورا تتقاطع فيه جهود مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل، وغرفة عمليات تنسيق الحرب على هذه الآفة.
وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية أحمد بن عبدالعزيز قطان أجرى زيارة إلى موريتانيا، بحث خلالها مع الرئيس محمد ولد الغزواني دعم المملكة لمساندة مجموعة بلدان الساحل الخمس لمحاربة الإرهاب.
وقبل ذلك، التقى ولد الغزواني المبعوث الفرنسي الخاص إلى منطقة الساحل، فريدريك بونتمر، والأخير يتولى أيضا مهمة الأمين العام لتحالف الساحل، الذي يضم مجموعة دولية على أساس مقاربة متعددة لحل قضايا المنطقة.
ونقلت الوكالة الرسمية للأنباء في نواكشوط عن المبعوث الفرنسي قوله: "إن الزيارة جاءت بصفة موريتانيا رئيسا دوريا لمجموعة الخمس في الساحل الأفريقي، ولأنها تحتضن مقر الأمانة الدائمة لهذه المجموعة".
وأضاف أن لقاءاته في موريتانيا مكنته من "استعراض الوضع الإقليمي وبرنامج عمل مجموعة الساحل والتحديات التي تواجهها".
وعبر المسؤول الفرنسي عن "الارتياح" لما وصفه بـ"مستوى التعاون المتميز بين باريس ونواكشوط من جهة، وكذلك بين فرنسا ومجموعة دول الساحل الخمس من جهة أخرى".
وحل بنواكشوط، لنفس الهدف، كريستوفر هاميش، المنسق المساعد لمحاربة التطرف العنيف بالخارجية الأمريكية، الذي ناقش "القضايا الملحة المتعلقة بمكافحة الإرهاب"، حسب بيان للوزارة.
كما شملت محادثات المسؤول الأمريكي مشكلة انتقال الإرهابيين الأجانب إلى مناطق في غرب أفريقيا، والدور الذي تلعبه الحكومات والمجتمع المدني بالمنطقة لمكافحة الإرهاب.
ومطلع سبتمبر/أيلول 2020، استقبلت موريتانيا بيتر فام، المبعوث الأمريكي الخاص إلى منطقة الساحل، في مستهل جولة له ببلدان المنطقة، بحث خلالها سبل عودة الاستقرار في مالي، والتحديات الأمنية بالمنطقة.
وشدد فام، في تصريحات للوكالة الموريتانية، أعقبت لقاءه مع ولد الغزواني، على منع ما وصفها بـ"التداعيات التي قد تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في مناطق أخرى من غرب أفريقيا".
واعتبر أن "الهدف من الجهود الدبلوماسية الأمريكية في منطقة الساحل هو مساعدة حكومات غرب أفريقيا على التعامل مع انعدام الأمن، واحتواء انتشار العنف وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
وأشار إلى مهمته كأول مبعوث أمريكي لمنطقة الساحل، ما يعكس التزام واشنطن تجاه المنطقة، من أجل تحقيق أهداف من بينها تحسين التنسيق مع الشركاء الدوليين والإقليميين والمنظمات الدولي.
زيارات المسؤولين الدوليين إلى موريتانيا التي تمحورت حول ملف الأمن بالساحل تزامنت مع احتضان نواكشوط كذلك للمؤتمر الوزاري الثامن للمجموعة، الذي استهدف تقييم خطط عمل المجموعة وإنجازاتها.
وترأست موريتانيا خلال 2020 تجمع بلدان الساحل الأفريقي الخمسة، التي تضم إلى جانبها كل من مالي والتشاد والنيجر وبوركينا فاسو.
وتم إنشاء التجمع الإقليمي الذي يستهدف التنسيق المشترك حول قضايا الإرهاب والأمن، في 2014، بمبادرة من رؤساء بلدان المنطقة التي تواجه تحديات أمنية وتنموية مشتركة.