ليبيا ستكون الضيف الأبرز والمغلوب على أمره على مائدة اللئام في العام الجديد لأنها شهدت تصعيداً عنيفاً لم يرحم المدنيين
نستقبل عام ٢٠٢٠ بكثير من الخوف والرعب من المجهول القادم على متن أكوام من الهموم والأزمات والحروب والاضطرابات وتداعيات تركة ثقيلة خلفها عام ٢٠١٩ المنصرم الذي شهد أحداثاً كبرى ألقت بأثقالها المتفجرة على المنطقة العربية، وعلى بعض دولها بشكل خاص.
ليبيا ستكون الضيف الأبرز والمغلوب على أمره على مائدة اللئام في العام الجديد؛ لأنها شهدت تصعيداً عنيفاً لم يرحم المدنيين، ولم يفتح ولو كوة أمل بإيجاد حل ناجع يرسم طريق السلام.
وبكل أسف، فإن لعبة الأمم قد وجدت ساحة مفتوحة على الأرض الليبية، مستخدمة كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة بلا رحمة ولا احترام لمبادئ الشرعية. وقد زاد في تأجيج نار الحرب التدخل التركي السافر الذي كان خفياً في البداية بتغذية المليشيات بالأسلحة والعتاد والمقاتلين إلا أنه أصبح معلناً ورسمياً في نهاية العام ليؤجج نار الحرب، ويأخذ ليبيا وشعبها إلى المجهول الذي لن يحمل إلا الدمار والدم والنار الحارقة والمدمرة.
هذه البانوراما المختصرة لتركة العام المنصرم الغارقة في الدم والدموع ندعو الله أن يتغير شكلها في عام ٢٠٢٠ لتشمل قضية فلسطين وتتحقق المصالحة وتتحرر الأراضي من محاولات لتثبيت شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وبينها الضفة الغربية والقدس الشريف، ومعها الجولان السوري المحتل الذي عانى العام المنصرم
ولهذا ستكون ليبيا هذا العام هي الموقع الأول الذي سيثير المخاوف ويفجر قنابل عديدة تمتد إلى دول الجوار إلا إذا تمكن الجيش الوطني الليبي من حسم المعركة والوصول إلى العاصمة طرابلس بأسرع وقت ممكن، وإذا أخذت الأمم المتحدة والدول الكبرى المعنية موقفاً حاسماً من التدخل التركي الذي بدا بإرسال مرتزقة إلى أتون الحرب.
والمعروف أن ليبيا تحولت إلى ساحة للصراع بعد الرئيس معمر القذافي بتدخل دولي مع غطاء ثوري ليبي، واستقر الوضع قليلاً حتى كشرت كل الأطراف عن أنيابها لصيد فريسة ثمينة وهي النفط والغاز الليبي، وتركت الولايات المتحدة الغنيمة لشركائها الأوروبيين فيما امتعضت روسيا وخرجت من الباب لتدخل من النافذة وتبدأ بلعب دور فاعل.
ومع الأيام تحولت الأزمة إلى حرب قبلية ليبية وعربية وإقليمية ودولية، تقف الأمم المتحدة مكتوفة الأيدي أمامها وتطرح خطط السلام والمشاريع التي تبقى حبراً على ورق. والأمل كل الأمل أن نشهد تحركاً سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد ومن دم العباد.
أما في العراق فالجديد جاء من الشعب الأبي الذي ثار بكل شجاعة على القمع الكاسح والفساد الجارف ونهب أمواله، وعلى التدخلات في شؤونه الداخلية ومحاولات الهيمنة عليه خاصة من إيران التي لم تخف مطامعها، وواصلت الحديث عن السيطرة عليه وضمه للإمبراطورية الفارسية المزعومة. ولا ننسى أن النفط العراقي هو الهدف الأول للطامعين.
وحتى الآن لا يزال الشعب العراقي صامداً بكل أطيافه السنية والشيعية رغم هجمات المليشيا الطائفية الموالية لإيران. ولهذا فإن الكل ينتظر نتائج هذه الانتفاضة بدعم من المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني، ومعرفة تأثيرها على الحكومة الجديدة لتحسم الأمور؛ إما لصالح الشعب أو لقمعه وسلب سيادة العراق.
أما في سوريا فقد تم العام المنصرم بسط سيادة الدولة على الأراضي السورية التي كانت خاضعة للمنظمات المعارضة وبعضها مدعوم دوليا بينما تخضع مناطق أخرى لاحتلالات من إيران إلى تركيا، إضافة إلى سيطرة الأكراد على مناطق أخرى في الشمال. ولم يبق من بؤرة متفجرة إلا إدلب التي يوجد فيها عشرات الألوف من المسلحين، وبينهم آلاف المقاتلين من جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي. وقد أخذت المعركة بعداً استراتيجيا ودوليا، إذ إن تركيا لديها مراكز مراقبة على تخومها، ولها سيطرة على معظم المقاتلين. وكان قد تم إبرام اتفاق بين روسيا وتركيا على وقف الهجوم على إدلب لكن الرئيس بوتين أمر بالمشاركة في الغارات والهجمات التي يشنها الجيش السوري، حيث يجري قضم الأراضي تدريجياً ليحدث شرخاً في العلاقات الروسية التركية بانتظار حسم المعركة خلال النصف الأول من العام الجديد.
وتبقى الأحداث التي وقعت في الجزائر، فقد عمت المظاهرات الشعبية الشاملة وحققت نجاحا بتنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وإسقاط شكلي للنظام ووفاة ضابط الإيقاع الجنرال أحمد قايد صالح بعد أن أمن على وطنه ورعى انتخاب رئيس جديد وقيام حكومة جديدة لم تلق قبولاً من بعض المتظاهرين.
أما لبنان فقد شهد موجة مظاهرات لم يشهد لها مثيلاً في تاريخه، لكنه لم يحقق إلا نصف ما جناه الجزائريون بالاعتراف بشرعية تحركهم واستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف حسن دياب بتشكيل حكومة مصغرة لا تلبي كل مطالب المواطنين لكن الأزمة نقلت معها إلى عام ٢٠٢٠ تركة ثقيلة ووصول البلاد إلى حافة الإفلاس وحجزت المصارف أموال المودعين.
وهكذا سيبقى الوضع معلقاً وخطيراً، وسيكون مصير لبنان على "كف عفريت" بانتظار الحسم بين الحل الحاسم والفوضى الشاملة.
أما على صعيد دول الخليج فقد تحقق خلال العام المنصرم عدة إنجازات، وبينها التقارب والتنسيق عبر مجلس التعاون وخارجه باستثناء قطر التي لم تلتقط المبادرة بدعوتها إلى القمة الأخيرة، فأرسل رئيس الوزراء لينوب عنه ما تسبب بانتكاسات لجهود المصالحة على أمل أن تنجح هذا العام ليطوي صفحة أليمة .
في المجمل، فإن الاستقرار قد عّم في الخليج رغم التحركات الإيرانية والصراع الدولي والصواريخ الإيرانية على منشآت لشركة أرامكو السعودية. وكان الحدث الأبرز طرح اسم شركة أرامكو العملاقة للاكتتاب. فيما شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة نهضة شاملة، وأعلنت عن عودة قواتها من اليمن بعد أن أكملت مهمتها. في وقت تم فيه حصار المليشيات الحوثية في مناطق شمالية وسط أحاديث عن جهود حثيثة لإنهاء الحرب .
هذه البانوراما المختصرة لتركة العام المنصرم الغارقة في الدم والدموع، ندعو الله أن يتغير شكلها في عام ٢٠٢٠، لتشمل قضية فلسطين وتتحقق المصالحة وتتحرر الأراضي من محاولات لتثبيت شرعية الاحتلال الإسرائيلي وبينها الضفة الغربية والقدس الشريف، ومعها الجولان السوري المحتل الذي عانى العام المنصرم.
وأختم مع الأمل والدعاء بأن يشكل العام ٢٠٢٠ بداية أيام الفرج والسلام والخير للعرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة