لا تزال الأدوات الإعلامية القديمة تناضل لتحجز لها مقعدا بعدما انسحب عنها جمهورها نحو المواقع الإلكترونية
لا تحدث مراحل التحول في لحظة وحدة، سنّة البشرية والحياة أن تتدرج الأحوال في تبدلها، يغيب قديم ليبزغ ما بعده، ويحلّ الجديد تدريجياً حتى يتلاشى سابقه والنماذج كثيرة.
ويبدو الإعلام في هذه الحالة مزيجاً غريباً، إذ لا تزال الأدوات القديمة تناضل لتحجز لها مقعدا، نعني بذلك التلفزيون والراديو والصحافة الورقية، التي انسحب عنها جمهورها نحو المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.
ربما من غير المنصف أن نقارن جهود المؤسسات الإعلامية بكوادرها وأدواتها بما يتيسر لأي فرد عبر مواقع التواصل، لكنها مقارنة ضرورية ونتائجها صادمة، لأن المسافة تتسع بين الحاجة إلى ملامسة الإعلام للقضايا المهمة واليومية، بأدوات أكثر حداثة، تتناسب مع رؤى الأجيال الجديدة، وتصل إليهم بصوتهم وعقلياتهم، إذ صارت الخيارات الجماهيرية واسعة في انتقاء الطرق التي يحصلون عبرها على المعلومة والخبر.
تبقى هذه المسألة ضرورة استراتيجية ينبغي النظر إليها باعتبارها كبرى أولويات المؤسسة الإعلامية؛ لئلا يؤول مصيرها إلى الإغلاق وتسريح الموظفين، كما حدث في مؤسسات كان لها الصوت الأعلى في الإعلام.
ثمة مشكلة جوهرية، ربما لا تدركها المؤسسات بشكل واضح: مجرد نقل محتوى الوسيلة التقليدي إلى حسابات السوشيال ميديا لا يصنع فرقاً، صناعة محتوى جديد ومتخصص هو الهدف، وهو المطلب الذي يجب على وسائل الإعلام التركيز عليه، بدلا من الإصرار على أهمية استقطاب الجماهير إلى الأداة التقليدية، رغم أن هذا ليس سيئاً، لكن قراءة تاريخية متبصّرة في مسار الإعلام العالمي وتحولاته خلال العشرين عاماً الأخيرة ستؤدي بالضرورة إلى هذه النتيجة.
ولو ألقينا نظرة على بعض التجارب الريادية لاهتدينا، مثلا، بتجربة صحيفة نيويورك تايمز العريقة، التي ضاعفت عدد مشتركيها في النسخة الورقية عن طريق تطوير نسختها الإلكترونية، بواسطة حل مبتكر أسهم في خلق عادة جديدة لدى القراء عبر تخصيص محتوى رقمي يصل إلى المشترك، واستطاعت الصحيفة بذلك الدمج بين الأداتين الحديثة والتقليدية واستقطبت قارئاً لكل منهما.
كذلك فعلت المجموعة العربية الرائدة MBC حين خصّصت جانباً من محتواها المرئي عبر منصتها الإلكترونية التي استقطبت ملايين المشتركين في العالم العربي، ما دفعهم إلى استثمار المزيد في صناعة محتوى مخصص بعيداً عن الشاشة.
تبقى هذه المسألة ضرورة استراتيجية ينبغي النظر إليها باعتبارها كبرى أولويات المؤسسة الإعلامية لئلا يؤول مصيرها إلى الإغلاق وتسريح الموظفين، كما حدث في مؤسسات كان لها الصوت الأعلى في الإعلام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة