السودان يبتر أذرع الإخوان الإعلامية انطلاقا من "الأندلس"
عبدالحي يوسف مالك قناة "طيبة" لديه خبرة متراكمة في التحريض وزرع الفتن بدأ في توظيفها حاليا لنفخ الروح في التنظيم البائد
يواصل السودان المضي قدما في عمليات الإصلاح السياسي واقتلاع جذور النظام الإخواني بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير قبل نحو 8 أشهر، حيث جاء قرار غلق شركة "الأندلس" للإنتاج الإعلامي والتوزيع المحدودة اتساقا مع المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
وأصدر وزير الثقافة والإعلام في السودان فيصل محمد صالح، أمس الإثنين، قرارا يقضى بإيقاف بث شركة الأندلس للإنتاج الإعلامي والتوزيع، التي تبث عبرها قناة طيبة الفضائية المملوكة للإخواني المتطرف عبدالحي يوسف.
وعزا صالح قراره إلى أن "الشركة تسمح من خلالها ببث أكثر من 10 قنوات غير مرخصة من السلطات السودانية".
وجاء في القرار "استنادا للوثيقة الدستورية لسنة 2019 فإن عملية البث الإذاعي والتلفزيوني شأن اتحادي وبموجب أمر تأسيس الهيئة العامة السودانية بأن عملية امتلاك منصات البث الفضائي حق حصري لها داخل البلاد، كما لا يمكن القيام بأي شراكة مع أي جهة بخلاف الهيئة".
واستند القرار إلى خطاب سابق للهيئة العامة السودانية للبث والخاص بتوفيق أوضاع منصة شركة الأندلس الذي توصلت فيه إلى أن تقوم الأخيرة بالتنازل عن ملكية أجهزة لصالح الهيئة، والتعويض وتحويل المنصة من موقعها الحالي إلى هيئة البث.
10 أبواق للخراب
ويترأس مجلس إدارة شركة الأندلس يوسف عبدالحي الذي يعد واحدا من أبرز القيادات الإخوانية في السودان التي تعرف محليا بجماعة الهوس الديني، وهو مثار جدل الأوساط السودانية هذه الأيام بعد البيعة المزعومة له.
ويضم مجلس الإدارة خال الرئيس المخلوع الطيب مصطفى وشقيقه علي حسن البشير والمدير العام للشركة هو ماهر سالم، فلسطيني الجنسية.
وتأسست تلك الشركة بشكل مشبوه وقامت بإدخال منصة كاملة للبث الإذاعي والتلفزيوني إلى البلاد في عام ٢٠١٣ رغم حظر هذا الأمر بموجب القانون السوداني الذي يحصر حق استجلاب منصات البث إلى الهيئة القومية للبث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية.
واضطر وزير الإعلام وقتها أحمد بلال عثمان إلى السماح والتصديق لمنصة شركة الأندلس بعمل المنصة بعد تلقيه تعليمات من الرئيس المعزول عمر البشير، بعد أن أثر عليه شقيقه علي وخاله الطيب مصطفى.
وتنطلق من المنصة ١٠ قنوات إحداها منها في الداخل وهي "طيبة الفضائية" والأخريات تبث في عدد من البلدان الأفريقية منها إثيوبيا ونيجيريا وليبيا باللغات الأمهرية والهوسا.
وتشمل أسماء قنوات شركة الأندلس: إفريقيا ١، وإفريقيا ٢، وإفريقيا ٣، وإفريقيا ٤، وقناة ترتيل، وقناة التصالح، وأخرى تدعى قناة درر، فضلا عن فضائية الجامعة المفتوحة، وبلال، وفضائية التفوق، بالإضافة إلى إذاعة طيبة المرئية.
وتبث تلك القنوات محتوى متطرفا تحت ذريعة الدعوة الإسلامية، كما توجد قناة تبع المنصة تبث في سوريا وتتبنى أفكارا داعشية.
كما تبث هذه القنوات عبر القمر "سهيل سات"، ومقرها حي كافوري الراقي شمال الخرطوم الذي تسكنه العائلة الحاكمة سابقا "البشير وإخوانه".
تعمل هذه المنصة خارج سيطرة الهيئة القومية للبث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية، ولا يخضع محتواها للرقابة بفضل النفوذ الذي تتمتع به سابقا لذلك تم إيقافها بقرار من وزارة الإعلام أمس.
تسببت هذه القنوات في إشكالات للحكومة السابقة، حيث اعترضت إثيوبيا والجيش الليبي على هذه القنوات التي تبث محتوى متطرفا ومناهضة لها.
ويقود السودان حاليا مجلسا سياديا وحكومة انتقالية قامت بحل جميع النقابات والاتحادات المهنية التي كان يسيطر عليها نظام الإخوان الإرهابي طوال 3 عقود ماضية، وتجميد وحجز حساباتها وأرصدتها بالمصارف وإغلاقها بقوات الشرطة بعد طرد فلول الحركة الإسلامية السياسية المعزولة، ما حظي بترحيب واسع من القطاعات المهنية والعمالية في البلاد.
وطوى السودانيون في عام 2019 صفحة مؤلمة من الحكم الإخواني الذي امتد لثلاثين عاما عاشوا خلالها أنواعا من الانتهاكات الإنسانية؛ بدءا من الاعتقالات والتعذيب وصولا إلى القتل، واستشرفوا عهدا جديدا نحو التحول الديمقراطي.
واقتلع السودانيون النظام الإخواني من الحكم بواسطة ثورة شعبية بدأت شرارتها في مدينة عطبرة شمال السودان، قبل أن تتوسع لتشمل كل مدن البلاد، وبعد خمسة أشهر توجت بانحياز الجيش للمحتجين في 11 أبريل/نيسان الماضي وعزل البشير من السلطة.
ويملك عبدالحي يوسف خبرة متراكمة في التحريض والتطرف وزرع الفتن داخل السودان وخارجه التي بدأ في توظيفها حاليا لنفخ الروح في تنظيم الإخوان البائد في السودان من خلال تعرية الحكومة الانتقالية.
ويواجه المتطرف عبدالحي وهو من المقربين للرئيس المعزول عمر البشير بلاغا حررته منظمة "زيرو فساد" (غير حكومية) بتهمة الثراء الحرام.
وتتهمه المنظمة بحصول شركته على إعفاءات جمركية وضريبية طوال الفترة الماضية، الأمر الذي مكنه من تحقيق أرباح طائلة وهو ما يندرج تحت بند "الثراء الحرام والمشبوه" في القانون السوداني.
وفي أبريل/نيسان الماضي، دعت هيئة محامي دارفور في السودان إلى مقاضاة من وصفته بـ"المتكسب بالدين" الإخواني عبدالحي يوسف؛ على خلفية دوره في مخطط لإثارة الفوضى الشاملة وإحداث البلبلة والفتنة الجنائية بالبلاد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدمت كذلك وزيرة الشباب والرياضة بالسودان ولاء البوشي بلاغا جنائيا ضده بعد أن اتهمها بـ"الكفر والردة" نتيجة تبنيها دوري كرة القدم للسيدات الذي زعم يوسف حرمته.
ويمثل عبدالحي يوسف وأتباعه آخر أوراق النظام المعزول لإرباك المشهد وزعزعة الاستقرار، بعدما فشلت مخططاته الخبيثة كافة في إجهاض الثورة الشعبية والحيلولة دون اكتمال التغيير.
وعقب توالي البلاغات ضده، جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مبايعته في ساحة مسجد "خاتم المرسلين" بضاحية جبرة جنوبي الخرطوم عقب صلاة جمعة، حيث التف فلول نظام البشير في السودان حوله، وبايعوه ليكون "أميرا للمسلمين" - على حد وصفهم - في مشهد يتطابق مع نهج تنظيم داعش الإرهابي.
وأثارت المبايعة قلق الشارع السوداني إزاء عودة الممارسات الإرهابية للعلن، وسط مطالب واسعة للسلطات بضرورة التصدي لهذه التحركات وحسمها لكونها تقود للفوضى.
ويعتقد مراقبون أن الإخوان يرغبون في تحريك هذه الجماعات المتطرفة لإيصال صورة سلبية للخارج، مفادها أن السودان لا يزال يضم إرهابيين، بهدف الحيلولة دون صدور قرار أمريكي برفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما يتبعه من مكاسب سياسية واقتصادية للبلاد.
تحرك المتطرفون جاء بحسب ما أعلنوه للتضامن مع عبدالحي يوسف في قضيته مع وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي التي دُون بلاغ ضد تكفيرها، بسبب إطلاق دوري كرة قدم نسائية لأول مرة في تاريخ البلاد.
وحظيت البوشي بتضامن رسمي وشعبي واسع، إزاء حملة التحريض والتكفير التي تعرضت لها من المتطرف عبدالحي يوسف، الشيء الذي قابله الإخوان ببيعة داعشية للإرهابي يوسف "أميرا للمسلمين"، وسط إشارات مبطنة بجاهزيتهم للقيام بأي أعمال إرهابية.
خطة لزعزعة الاستقرار
وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن ما تقوده الجماعات المتطرفة بزعامة عبدالحي يوسف، يتم بتدبير من تنظيم الإخوان الارهابي ممثلا في حزبي المؤتمر الوطني التابع لعمر البشير، والشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي، من أجل زعزعة استقرار السودان.
وأضاف إبراهيم لـ"العين الإخبارية" أن عبدالحي ينتمي لتنظيم الإخوان الإرهابي، وهو ذات التنظيم بمسمياته المتعددة، جبهة الميثاق والدستور والجبهة الإسلامية وصولا للحركة الإسلامية بحزبيها المؤتمرين الوطني والشعبي، وأوكل له النظام البائد مهمة تكوين جماعة سلفية متشددة لاستقطاب منتسبي التيار السلفي التقليدي من أجل خدمة سلطة الإخونجية.
وأكد المحلل السياسي، في تصريحاته السابقة، أن "وضع اسم السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب كان بسبب قيام سلطة الإخوان باستقطاب وإيواء الجماعات الإرهابية، وربما هدف التنظيم البائد بتحريك المتطرفين عكس صورة سلبية عن البلاد تؤثر على أي قرار إيجابي من واشنطن بشأن العقوبات المفروضة على الخرطوم".
وتابع "قد تؤثر تحركات الجماعات الإرهابية على استقرار البلاد، وتزداد المخاوف من أن تؤدي لتعبئة صغار العقول نحو اتجاهات متطرفة، لذلك يجب على الحكومة التعامل بجدية مع هذا الملف، لأنه مخطط إخواني منظم ولم يكن مجرد تصرف عفوي عابر".
بدوره، يرى المحلل السياسي السوداني عمرو شعبان أن عبدالحي يحاول استغلال ذات الخطاب الديني العاطفي الذي ظل يتبناه نظام الإخوان البائد، وذلك من أجل الحفاظ على مصالحه ولكن شعب السودان أصبح أكثر وعيا بهذه الألاعيب ولن ينجر وراءها مجددا.
وأضاف: "نحن في دولة مؤسسات ولن تترك كلمة من عبدالحي وكل جماعة الهوس الديني تمر دون محاسبة كما كان يحدث في السابق، فسيجدون عقابهم على كل ممارسات التكفير والتطرف".
aXA6IDMuMTMzLjE0OC43NiA=
جزيرة ام اند امز