الجزائر في 2019.. عام سقوط نظام بوتفليقة
الحراك الشعبي واستقالة بوتفليقة وسجن كبار رموز نظامه وانتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد ووفاة قائد الجيش.. أبرز أحداث 2019 بالجزائر.
انتهى عام 2019 بسقوط نظام عبدالعزيز بوتفليقة في الجزائر الذي حكم البلاد لمدة 20 سنة كاملة، بعد احتجاجات ضخمة اندلعت ضد الفساد ومحاولة الرئيس الأسبق الترشح لولاية خامسة.
- بوتفليقة.. 20 عاما في رئاسة الجزائر تنتهي باستقالة مثيرة
- عبدالمجيد تبون.. رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق يخلفه في حكم الجزائر
عام الأحداث التاريخية في الجزائر، بل عام "الزلازل الشعبية والسياسية والقضائية" التي أسقطت أركان نظام بوتفليقة وزجت به إلى السجون في مشهد لم يتعود العالم على رؤيته في هذا البلد العربي والأفريقي، هكذا وصف جزائريون عام 2019.
وفي هذا العام عاشت الجزائر على مدار أسابيعه وأشهره تدافعاً غير مسبوق في الأحداث، في ظل الحراك الشعبي الذي كان "قوة غيرت المعادلة السياسية وأعادت صياغة المشهد السياسي وأسقطت أقنعة تيارات كانت تتاجر بهمومه على رأسها الإخوان"، كما يقول مراقبون.
وأيضاً دخل الجيش الجزائري التاريخ من أوسع أبوابه، بعد أن قرر مرافقة مطالب الحراك وحماية المتظاهرين، واقتلاع ما يمكن اقتلاعه من جذور جناحي الدولة العميقة التي كان يسميها قائد أركان الجيش الراحل قايد صالح بـ"العصابة"، وأنقذ البلاد من مؤامرات خارجية بتنفيذ أيادٍ داخلية.
ووضع الدستور بوصلته لإخراج البلاد من عنق زجاجة صنعها النظام السابق على مقاس "أي محاولات لسحب البساط من تحت فساده".
ووصف خبراء في تصريحات لـ"العين الإخبارية" عام 2019 بـ"سنة المخاضات العسيرة والتحولات الكبرى على الجزائر" والمنعطف الحاسم نحو التغيير، حيث بدأ بخلع رئيس وانتهى بانتخاب جديد، ورحيل حامي التغيير.
وعلى مدار الـ12 شهرا، ترسخت كلمات ومصطلحات كانت الأكثر تداولاً في الشارع الجزائري ولدى الأوساط السياسية والإعلامية، أبرزها: "الحراك الشعبي، عبدالعزيز بوتفليقة، المؤسسة العسكرية، أحمد قايد صالح، العصابة، سجن الحراش، محكمة سيدي أمحمد، الانتخابات الرئاسية، عبدالمجيد تبون".
ولاية بوتفليقة الخامسة
من هنا بدأت إرهاصات التغيير في الجزائر، فبعد إعلان موعد الانتخابات الرئاسية في 18 أبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 10 فبراير/شباط الماضي ترشحه رسمياً لولاية خامسة، وهو على كرسي متحرك.
غادر بعدها بوتفليقة البلاد إلى جنيف "لإجراء فحوصات طبية روتينية" لمدة 4 أيام، لكن غيابه طال عن البلاد، حيث مكث 15 يوماً هناك، تضاربت خلالها الأنباء حول وضعه الصحي الذي كان متردياً أصلا، ليعود بعدها إلى الجزائر.
الحراك الشعبي
واستقبل بوتفليقة ومن رشحه لولاية خامسة، ملايين الجزائريين بالشوارع، ليس ترحيباً به، بل مطالبين برحيله مع نظامه.
وانتقلت شرارة رفض ولاية بوتفليقة الخامسة من محافظة إلى أخرى بعد أن اندلعت بمحافظة خنشلة في 19 فبراير/شباط الماضي، حين قام محتجون بتمزيق لافتة كبيرة بها صورة بوتفليقة، حيث كان ذلك المشهد كافياً لكسر حاجز الخوف لدى ملايين الجزائريين.
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، خرج قرابة 20 مليون جزائري في جميع البلاد في سابقة لم تشهدها من قبل، مرددين شعارا واحدا وهو "لا للعهدة الخامسة"، التي اعتبروها استفزازاً لهم ونقطة أفاضت كأس صبرهم على نظام "عاث في البلاد فساداً".
تلك الاحتجاجات دفعت الرئيس الجزائري الأسبق في 11 مارس/آذار إلى العدول عن الترشح لعهدة خامسة، لكنه ألغى انتخابات 18 أبريل/نيسان، وقرر التمديد لولايته الرابعة "سنة أخرى" ليتم خلالها تعديل الدستور وتنظيم حوار وطني "جامع"، كما قام بتعيين نور الدين بدوي، رئيساً للوزراء.
قرار بوتفليقة اعتبره جزائريون -حينها- محاولة التفاف على مطالبهم لإنقاذ النظام، وقرروا التصعيد بمظاهرات مليونية رفعت سقف مطالبهم إلى رفض "التمديد للرابعة" والمطالبة برحيل النظام.
وعلى إثر ذلك دخلت البلاد في حالة من الترقب والغموض، وسط إصرار شعبي على رحيل النظام، في مقابل "مراوغة حاشية بوتفليقة"، لكن بعد 6 أسابيع من مظاهرات مليونية، رضخ بوتفليقة "لأمر واقع الشعب والجيش".
في مساء 2 أبريل/نيسان الماضي، عقدت قيادات الجيش الجزائري أكبر اجتماع طارئ لها منذ أكثر من عقدين برئاسة قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، حيث أعلن "انحيازه التام وغير المشروط لمطالب الحراك"، ودعا إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تقر بشغور منصب رئيس البلاد، واصفاً إياها بـ"القرار الذي لا رجعة عنه".
وبعد أقل من ساعتين، أعلن بوتفليقة تخليه عن الحكم بعد 20 سنة من رئاسة البلاد، حيث بات أطول الرؤساء حكماً، وأتبعها برسالة اعتذار "مؤثرة" للجزائريين.
الجيش يرافق ويحاسب
ورغم ذلك فلم يترك الجزائريون الشارع وحافظوا على مظاهراتهم السلمية كل جمعة من كل أسبوع، مؤكدين أن "استقالة بوتفليقة لا تكفي، بل مطالبهم هي "رحيل كل من سار ونفخ في نظامه".
وأصر الجزائريون على التغيير الجذري للنظام وسياساته، وطالبوا برحيل ومحاسبة رموز نظام بوتفليقة، وعاهدوا بلادهم بأن لا يبرحوا ساحاتهم حتى "يزلزل الحراك الأرض من تحت نظام بوتفليقة".
وبعد تولي رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح رئاسة البلاد مؤقتاً تطبيقاً للمادة 102 من الدستور التي تجيز له تولي قيادة البلاد بالنيابة في حالات وفاة رئيس الجمهورية أو استقالته أو عجزه، لم يهدأ الشارع الثائر.
وبات شوارع ومدن الجزائر تصدح بهتافات وشعارات واحدة "رحيل الباءات الأربع"، فاستقال على إثرها رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وتبعه رئيس البرلمان معاذ بوشارب، وبقي رئيس البلاد المؤقت ورئيس الوزراء، وألغي معها ثاني موعد لانتخابات الرئاسة كان مقرراً في 4 يوليو/تموز.
وبينما كان المتظاهرون يطالبون بالتغيير الجذري، كان الجيش الجزائري "يفي بتعهداته"، بعدم إراقة الدماء كما تعهد قايد صالح، كما نجح الجيش والأجهزة الأمنية في حماية المظاهرات المليونية التي اندلعت بجميع البلاد طوال 10 أشهر.
نظام مسجون
وبعد أقل من شهر من استقالة بوتفليقة، فُتح القضاء الجزائري تحقيقات مع كبار رموز نظام بوتفليقة، بتهم التآمر على الدولة والجيش وقضايا فساد "لا تعد ولا تحصى".
كما تحرك الجيش والقضاء لـ"إنقاذ البلاد من عصابة وقوى غير دستورية" حكمت أكثر من 3 عقود، كما ذكرت قيادة الجيش.
وبعد كشف ملفات الفساد صُدم الجزائريون لهول الأرقام والأموال المنهوبة والمهربة، وللأسماء الكبيرة التي كان يقولون إنها "كانت تَسجن ولا تُسجن".
وفي سابقة لم تشهدها الجزائر طوال تاريخها، شهد عام 2019 وجود "نظام كامل في السجن"، على رأسهم السعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، الذي كان يوصف بـ"رئيس الجزائر الفعلي من وراء الستار منذ 2013".
كما تم سجن رئيس جهاز المخابرات الأسبق الفريق محمد مدين الذي كان يوصف أيضا بـ"صانع الرؤساء"، بالإضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، صدرت في حقهم أحكام بالسجن بين 12 سنة و15 عاماً.
وبلغ عدد المعتقلين على خلفية قضايا فساد أكثر من 50 شخصية عسكرية وأمنية وسياسية ومالية، بينهم 12 وزيراً وأكثر من 15 رجل أعمال مقربين من بوتفليقة، فضلاً عن 18 مسؤولاً عسكرياً وأمنياً.
انتخاب الرئيس الثامن
وقررت السلطات الجزائرية إنهاء العام ومعه الأزمة السياسية بانتخاب رئيس جديد، حيث حددت 12 ديسمبر/كانون الأول موعداً لانتخابات الرئاسة، بآليات انتخابية جديدة رأت فيها ضماناً لنزاهة الانتخابات.
فتم استحداث "السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات" بعد أن صادق البرلمان على مشروع قانونها، التي سحبت بساط تنظيم ومراقبة الانتخابات للمرة الأولى من وزارتي الداخلية والعدل والإدارات المحلية.
ومن أصل 22 مرشحاً محتملاً، لم يجتز اختبار الشروط القانونية للترشح لمنصب الرئيس إلا 5 مرشحين كما حددتهم سلطة الانتخابات والمجلس الدستوري، وهم المرشح المستقل عبدالمجيد تبون، ورئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، وعز الدين ميهوبي الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي، وعبدالعزيز بلعيد رئيس جبهة المستقبل، والإخواني عبدالقادر بن قرينة رئيس ما يعرف بـ"حركة البناء".
وأحدثت تلك القائمة صدمة في الشارع الجزائري، وعدوها "خمسة وجوه من نظام بوتفليقة" و"ولاية بوتفليقة الخامسة بخمسة وجوه من نظامه"، لينقسم بعدها الشارع بين رافض لها، ومتريث ومؤيد.
وجرت تلك الانتخابات في موعدها ودون تأجيل، وسط مظاهرات رافضة لها في العاصمة ومحافظات أخرى، فتوجه المقتنعون بالحل الديمقراطي إلى صناديق الاقتراع، واختار الرافضون الشوارع لإيصال موقفهم.
وشهدت البلاد أول مناظرة تلفزيونية من نوعها للمرشحين الخمسة لانتخابات الرئاسة، بثت عبر وسائل الإعلام المحلية.
ومع تصاعد حالة الاحتقان التي استبقت الموعد الانتخابي، سجلت الانتخابات نسب مشاركة غير متوقعة بالمقارنة مع دعوات مقاطعتها وصلت إلى 41%.
وأفرزت نتيجة صناديق الاقتراع عن فوز عبدالمجيد تبون، كثامن رئيس للجزائر، ليتسلم مهامه ويدخل قصر "المرادية" الجمهوري بتحديات وصفها المراقبون بـ"الألغام" التي يتعين على تبون تفكيكها أبرزها الحراك الشعبي والوضع الاقتصادي وطبول الحرب التي تقرع في ليبيا.
رحيل أسد الجزائر
وعقب انتخاب الرئيس الثامن بأيام، وفي يوم 23 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فاق الشارع الجزائري على هول صدمة الوفاة المفاجئة للفريق أحمد قايد صالح، بعد عام من تحمل مسؤولية ثقيلة ودقيقة وخطرة، حافظ خلالها الجيش الجزائري على أمن واستقرار البلاد، ورافق الحراك وأصر على بوصلة الدستور لإخراج البلاد من أزمتها.
ووقف الجيش الجزائري بقيادة الراحل قايد صالح "سداً منيعاً أمام مخططات وأجندات مشبوهة خارجية بتنفيذ عملائهم في الداخل" وفق ما ذكره المتابعون.
وعلق جزائريون على موته قائلين: "بعد أن سلم الأمانة لرئيس منتخب أخذ الله أمانته"، وأقيمت أول مراسم جنازة رئاسية وعسكرية لقائد عسكري، حيث كانت مهيبة وتاريخية وقياسية في عدد الجماهير التي حضرت لتوديعه.