وداع تاريخي لقايد صالح "صخرة دفاع الجزائر"
جنازة أحمد قايد صالح توصف بأنها "الأكبر في تاريخ الجزائر"، فمن قصر الشعب مروراً بالطرق الرئيسية، اصطف مئات آلاف لتوديع "صخرة دفاع الجزائر"
وصفت جنازة الراحل أحمد قايد صالح رئيس الأركان الجزائري بأنها "الأكبر في تاريخ الجزائر"، فمن قصر الشعب حيث ألقيت آخر نظرة على الراحل، مروراً بالطرق والشوارع الرئيسية، اصطف مئات الآلاف لتوديع "صخرة دفاع الجزائر".
وعند وصول الموكب إلى ساحة أول ماي بقلب العاصمة، اقتحم آلاف الجزائريين الموكب وساروا وراءه بشكل عفوي، بينما كان في انتظاره عند مقبرة العالية حشود غفيرة من المشاركين في الجنازة.
ومنذ جنازة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في 27 ديسمبر/كانون الأول 1978، لم تشهد البلاد جنازة مماثلة حيث احتشد مئات الآلاف للمشاركة في الجنازة وسط ترديد هتافات: "الله أكبر قايد صالح"، و"ارتاح ارتاح يا قايد صالح سنواصل الكفاح" وبعضهم حمل صوره والأعلام الوطنية.
وبحسب مراقبين، فإن الجنازة الأكبر في التاريخ من حيث الحضور ستكون لقائد عسكري، وليس لرئيس البلاد، بعد عقود من "مواقف الجزائريين المتوجسة من الجنرالات المتسببين في أزمة التسعينيات" والذين أطلق عليهم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة "كبرانات فرنسا" أو "ضباط فرنسا" الذين عملوا في الجيش الفرنسي خلال احتلاله للجزائر، والتحقوا بالجيش الجزائري بعد استقلال البلاد عام 1962.
وعُرف عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة "حُلمه" بأن "يموت رئيسا وتقام له جنازة شعبية ورسمية كبيرة كالتي أجريت للرئيس الراحل هواري بومدين"، لكن الأحداث التي شهدتها البلاد قلبت كل الموازين، بحسب خبراء سياسيين.
وبحسب مراقبين، فإن حصول قايد صالح على هذه الجنازة المهيبة يرجع لجهوده منذ توليه قيادة الجيش في 2004، من مكافحة للإرهاب، وتطوير للجيش الجزائري بشكل جعله ضمن أقوى الجيوش في العالم، بالإضافة إلى دوره في مرافقة الأزمة السياسية بحنكة وإنقاذ الجزائر من جحيم عشرية سوداء جديدة، وأتون حرب أهلية كُشفت خيوطها على مدار الأشهر الـ10 السابقة".
وبينما خرج الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة من الباب الضيق، بعدم حكم البلاد باسم "مرشح الإجماع"، في إشارة إلى "إجماع أجنحة النظام ومباركة فرنسا" وفق شهادات مسؤولين سابقين في مذكرات منشورة، بعد ترشيحه لولاية خامسة وهو على كرسي متحرك.
ويقول الجزائريون إنه منذ رحيل بومدين، لم تظهر في الجزائر شخصيات تحظى "بإجماع واحترام شعبيين كبيرين" أو لم يكتب لها الاستمرار في مهامها مثل الرئيس الأسبق للمجلس الأعلى للدولة المغدور محمد بوضياف، الذي اغتيل على المباشر في يونيو 1992، والرئيس الأسبق اليامين زروال الذي قلص ولايته الرئاسية عام 1998 ودعا لانتخابات مسبقة جاءت بعبدالعزيز بوتفليقة رئيسا الذي حكم 20 سنة.
ويقول المتابعون إن تاريخ 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، سجل حدثاً تاريخياً جديداً بالجزائر، من خلال أكبر جنازة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي وافته المنية يوم الإثنين الماضي إثر نوبة قلبية أنهت مشواراً عسكرياً فاق نصف قرن.
وأصبح الجزائريون منذ إعلان وفاته، يطلقون عليه تسمية "بطل الجزائر" و"واحد من زعمائها التاريخيين"، و"العسكري الذي كُتب له أن يجاهد من أجل وطنه وأمته أربع مرات".
وكانت الأولى خلال الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954 – 1962)، والثانية خلال الحربين العربية–الإسرائيلية في 1967 و1973، ثم الحرب على الإرهاب عندما كان قائداً للقوات البرية سنوات التسعينيات، ثم خلال الأشهر الـ10 من 2019 في قيادة بلاد ثائر وحماية المتظاهرين الجزائريين ومجابهة العصابة وفلولها من جناحي الدولة العميقة، كما كان يصر قايد صالح على تسميتها.
ووقف سداً منيعاً مع المؤسسة العسكرية أمام المؤامرات الخارجية التي تورطت فيها بعض الدول الغربية، ودولة عربية "محسوبة على الأشقاء" لكن دورها في الجزائر أثبت بأن نظامها كان "شقيقاً للشيطان" كما يقول الجزائريون، ووفق معلومات دقيقة وحصرية حصلت عليها "العين الإخبارية" من مصادر أمنية جزائرية.
وبرحيل قايد صالح، تكون الجزائر خسرت ما يصفه المراقبون بـ"صخرة دفاع الجزائر وحامي حدودها وأمنها"، بعد ضغوط الأشهر الـ10 من عمر الأزمة السياسية التي أنهكت قلبه، وتعهد بعدم إراقة الدم الجزائري فيها، وشاءت الأقدار أن يكون هو الراحل الأول في أزمة لم تكتمل فصولها.
غير أن كثيراً من الجزائريين لم يفقدوا الأمل في تجاوز بلادهم مرحلة الخطر بعد رحيل قايد صالح، شعارهم في ذلك أن "قايد لم يرحل إلا بعدما أوصل سفينة الجزائر إلى بر الأمان، واستردّ الله أمانته بعدما سلم هو الأمانة لرئيس منتخب".
لكن المؤكد بحسب كثير من العارفين بحقيقة ما حدث طوال أشهر 2019 وما قبلها، أن ما قام به قائد الجيش الجزائري الراحل أحمد قايد صالح جعله يستحق لقب "قاهر العصابة والإخوان والأنظمة والدوائر المشبوهة التي تقف وراءهم"، بعدما أفشل الجيش الجزائري كل مخططاتهم المشبوهة، كما كشفته الأحداث السابقة وما ستكشفه الأيام المقبلة.
aXA6IDE4LjIyNS4xNDkuMTU4IA==
جزيرة ام اند امز