عبدالمجيد تبون.. رئيس وزراء بوتفليقة الأسبق يخلفه في حكم الجزائر
الرئيس الثامن للجزائر يعد من الجيل الثاني للثورة التحريرية، وارتبط اسمه بمشاريع السكن والصراع مع رجال أعمال.
أعلنت، الجمعة، السلطة المستقلة للانتخابات بالجزائر عن حسم المرشح المستقل عبدالمجيد تبون نتائج انتخابات الرئاسة من الدور الأول على حساب بقية المرشحين الأربعة.
- مصادر لـ"العين الإخبارية": عبدالمجيد تبون يتصدر نتائج رئاسية الجزائر
- مرشح رئاسي بالجزائر لـ"العين الإخبارية": الانتخابات ستنقذ البلاد
وبهذه النتيجة يصبح تبون ثامن رئيس يحكم الجزائر منذ استقلالها في 5 يوليو/تموز 1962، بعد كل من: أحمد بن بلة (1962 – 1965)، هواري بومدين (1965 – 1978).
والشاذلي بن جديد (1979 – 1992)، ورئيسيْ المجلس الأعلى للدولة الراحليْن محمد بوضياف (يناير 1992 – يونيو 1992)، وعلي كافي (1992 – 1994)، اليامين زروال (1994 – 1999)، عبدالعزيز بوتفليقة (1999 – 2019).
ويخلف عبدالمجيد تبون الرئيسَ السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي أجبرته مظاهرات ضخمة على الاستقالة بعد 20 عاما من حكم البلاد، كان يعتزم تمديدها لربع قرن بترشحه لولاية خامسة.
ويعد الرئيس الجديد للجزائر من الوجوه التي برزت أكثر في عهد الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، من خلال مناصب وزارية، أبرزها وزارة السكن.
كما أنه "أقل رؤساء الوزراء بقاء على رأس الحكومة" بعد إقالته التي أثارت الكثير من الجدل عام 2017.
مناصب تبون التي تقلدها في حقبة بوتفليقة دفعت المراقبين إلى وصفه بـ"ابن النظام الجزائري".
وهو ما أكده الرئيس الجزائري في مقابلة مع "العين الإخبارية" عندما علق على علاقته ببوتفليقة قائلاً: "خدمت الدولة الجزائرية لقرابة 50 عاماً ولم أخدم نظاماً بعينه".
لكن الرئيس الثامن للجزائر يأتي في ظروف لم يصادفها بقية الرؤساء السابقين في بدايات حكمهم، أبرزها "عدم اعتراف آلاف المحتجين بالعملية الانتخابية برمتها ونتائجها".
وكانت انتخابات 12 ديسمبر/كانون الأول أول استحقاق رئاسي يجرى على وقع انقسام غير مسبوق بين معارض اختار الشارع ليصدح بما يراه "تكريساً لتجذر النخب التي حكمت البلاد منذ استقلالها مع تغيير في واجهة النظام فقط" على حد قولهم.
وبين من اختار صناديق الاقتراع بعدما رأى في الانتخابات "إنقاذاً لبلادهم من شؤم الفراغ الدستوري والمراحل الانتقالية وبداية للتغيير الذي انطلق منذ فبراير/شباط الماضي" كما يقولون.
من هو عبدالمجيد تبون؟
ولد عبدالمجيد تبون في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1945 بقرية "بوسمغون" في بلدية "المشرية" التابعة لمحافظة النعامة الحدودية مع المغرب.
وينحدر من أصول أمازيغية ومتأثر بالنهج الصوفي، وأصبح واحداً من أتباع "الطريقة التيجانية" منذ صغره كما هو الحال في تلك القرية، وهي التي سمحت له بحفظ القرآن الكريم خلال فترة دراسته.
ويعد تبون واحدا من السياسيين الجزائريين المحسوبين على "الجيل الثاني للثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي"، وممن تخرجوا في "المدرسة الوطنية للإدارة" عام 1969، بعد أن تخصص في الاقتصاد والمالية، ليكون ذلك أول رئيس يحكم الجزائر بخلفيات اقتصادية أكثر منها سياسية أو عسكرية.
وينتمي سياسياً إلى حزب "جبهة التحرير" الذي كان يوصف بـ"الحاكم" في عهد بوتفليقة، دون أن يتولى مناصب فيه.
كما تقلد عددا من الوظائف السياسية والبرلمانية والوزارية، عاصر خلالها جميع رؤساء الجزائر باستثناء أحمد بن بلة، حيث شغل بين الفترة 1977 حتى 1982 منصب أمين عام لعدد من الولايات الجزائرية.
ثم محافظاً لثلاث ولايات من 1983 إلى 1989 وهي تيزيوزو (شرق) التي سجلت أدنى نسبة مشاركة في انتخابات الرئاسة الأخيرة، وأدرار (جنوب) التي شهدت أكبر نسبة تصويت في الاقتراع الرئاسي.
بالإضافة إلى تيارت (غرب)، قبل أن يدخل الحكومة للمرة الأولى وزيراً منتدباً مكلفاً بالجماعات المحلية التابعة لوزارة الداخلية عام 1991 في حكومة سيد أحمد غزالي لمدة عام واحد، ليخرج إلى التقاعد المسبق بطلب منه، كما تذكر سيرته الذاتية ولأسباب مجهولة.
غاب تبون بعد ذلك عن المشهد، حتى مجيء عبدالعزيز بوتفليقة الذي حكم الجزائر في أبريل/نيسان 1999، ليعينه وزيراً للاتصال (الإعلام) لمدة 6 أشهر ثم وزيراً منتدباً مكلفاً بالجماعات المحلية حتى 2001، لينتقل إلى وزارة السكن والعمران في حكومة علي بن فليس لمدة عام واحد.
وتباينت الروايات حول أسباب غيابه عن المشهد السياسي آنذاك، حيث أعلنت الرئاسة الجزائرية بأن بوتفليقة كلفه بـ"مهام خارج البلاد" دون توضيح طبيعتها.
لكن وسائل إعلام فرنسية وبعض الصحف المحلية قدمت رواية أخرى، تتعلق بمشروع السكنات المدعمة من الدولة الذي أعده الوزير عبدالمجيد تبون، قائلة إنه بات في الوقت نفسه "خطراً على شعبية بوتفليقة الذي كان يستعد للترشح لولاية ثانية".
وأشارت إلى أن بوتفليقة هدف من خلال المشروع الذي أثار غضبا شعبيا عارما "تحييد" أكثر الشخصيات التي كان بإمكانها منافسته خاصة بعد تحول حليفه السابق علي بن فليس إلى خصمه السياسي الأول.
عاد عبدالمجيد تبون إلى الحكومة من بوابة وزارة السكن والعمران في سبتمبر/أيلول 2012 في حكومة عبدالمالك سلال لمدة 5 أعوام تزامناً مع تبني الحكومة سياسة "شراء السلم الاجتماعي".
وأضيفت له حقيبة التجارة بالنيابة في 2017 بعد وفاة الوزير الأسبق بختي بلعايب.
وفي 25 مايو/أيار 2017 عينه بوتفليقة رئيساً للوزراء خلفاً لسلال ليصبح رئيس الحكومة رقم 17 في تاريخ الجزائر تزامناً مع مرور 17 عاماً على عمله في النظام الجزائري.
تبون ومعضلة السكن
تعيين عبدالمجيد تبون على رأس وزارة السكن والعمران، تزامن مع الوعود الانتخابية التي قدمها بوتفليقة للجزائريين عشية انتخابه سنة 1999 بـ"إنشاء 5 ملايين سكن"، والتي عدها سياسيون جزائريون بارزون في ذلك الوقت "ورطة للنظام" بحكم الوضع الاقتصادي الهش الذي كانت تعاني منه البلاد في تلك الحقبة.
تكفل "الوزير" تبون حينها بمشروع جديد لامتصاص تزايد حاجة الجزائريين للسكن في ذلك الوقت، والمتمثل في "سكنات عدل"، تساهم فيها الدولة بـ30% من قيمتها لصالح المستفيد منها، بينما يدفع المستفيد قيمة السكن على أربعة مراحل، تكون الأخيرة على "شكل أقساط إيجار" يتم تسديدها على مدار 25 عاماً، عرفت بـ"سكنات عدل".ومع عودته إلى الوزارة ذاتها في 2012، وجد مشروعاً مجمداً كما صرح للإعلام المحلي لأسباب بقيت مجهولة، حتى إن كثيراً ممن سجلوا فيها: "ماتوا قبل تسلمهم مفاتيح سكنات طال انتظارها".
غير أن الظروف الاقتصادية لم تكن كالتي كانت مع بدايات حكم بوتفليقة، إذ قرر تبون إعادة بعث المشروع مستفيداً من الطفرة المالية التي حققتها الجزائر بعد ارتفاع أسعار النفط.
لتعلن وزارة السكن عن إعادة بعث المشروع، وإطلاق الجزء الثاني منه "عدل 2"، في حين لا توجد أرقام مضبوطة لعدد المستفيدين من تلك السكنات.
وفي عام 2016 منحه الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وسام الاستحقاق الرئاسي لـ"مجهوداته في قطاع السكن" كما ذكرت الرئاسة.
ويرى المراقبون أن إعادة بوتفليقة لوزيره السابق لم تكن إلا لامتصاصا لغضب الشارع وتزامناً مع بدء ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي".
ففي ذلك الوقت تبنت حكومة عبدالمالك سلال سياسة "شراء السلم الاجتماعي"، ولم تجد أمامها لـ"إبعاد شبح الثورة الشعبية" سوى مشروع السكنات الذي كان بإمكانه تهدئة الشارع الذي بدأ في تلك الفترة يتذمر من حكم بوتفليقة للبلاد.
إقالة مثيرة للجدل
دخل عبدالمجيد تبون التاريخ كـ"أقصر رؤساء الوزراء بقاء في الحكومة" في تاريخ الجزائر بأقل من 3 أشهر، بعد تعيينه في 24 مايو/أيار 2017، ثم إقالته في 15 أغسطس/آب من العام ذاته، وخلفه أحمد أويحيى، دون أن تذكر الرئاسة الجزائرية أسباب ذلك.
غير أن مؤشرات التصدع بين رئاسة الحكومة والرئاسة الجزائرية بدأت تظهر مع الأيام الأولى لتولي تبون رئاسة الوزراء، عقب إعلانه أمام نواب البرلمان بأن برنامج حكومته يرتكز على "فصل المال عن السياسة"، والتي عدها المتابعون "اقترابا من المنطقة الحمراء"، خاصة مع حديثه للمرة الأولى عن خسارة الجزائر نحو 70 مليار دولار في مشاريع وصفها بـ"الفاشلة".
صراع مع رجال أعمال
كان أول القرارات التي اتخذها تبون، فتح تحقيق في مشاريع علي حداد رجل الأعمال المثير للجدل والنافذ والمقرب من عائلة بوتفليقة، قبل أن تصدر الرئاسة الجزائرية بياناً نددت فيه بما أسمته "تحرشاً برجال الأعمال"، والذي قُرئ على أنه توبيخ لرئيس الحكومة.
لم يشفع لتبون قربه من الرئيس الجزائري المستقيل وحصوله على وسام استحقاق جمهوري منه، في البقاء على رأس الحكومة، بعد دخوله في صراع معلن مع رجال الأعمال المقربين من شقيق بوتفليقة ومستشاره الخاص السعيد بوتفليقة الذي كان يوصف بـ"حاكم الجزائر الفعلي".
وبعد مرور 3 أعوام عن حادثة إقالته التي أثارت الكثير من الجدل، كشف تبون للإعلام الجزائري بعد ترشحه لانتخابات الرئاسة عن أسرار تلك الإقالة السريعة.
واتهم شقيق بوتفليقة ورئيس الوزراء الأسبق أحمد أويحيى بالوقوف وراءها، بعد أن "استشعروا خطره على مصالحهم" على حد تعبيره.
ويبدو أن ذلك، يعد من أبرز الأسباب التي دفعت المرشح المستقل عبدالمجيد تبون للتركيز في برنامجه الانتخابي على ما أسماه "القضاء على الفساد واجتثاث العصابة"، بينما تباينت قراءات المراقبين لذلك الخط الانتخابي.
بين من عدها محاولة "لاستقطاب وتذكير من تعاطفوا معه في حادثة إقالته المثيرة وإبعاد شبهة الانتماء لنظام بوتفليقة"، وبين من أعطاها قراءة أخرى، تضمنت "رسائل تطمين للجيش وللحراك بمواصلة الحرب على الفساد وإحداث القطيعة مع ممارسات النظام السابق".
النجل.. النقطة السوداء
ويعد عبدالمجيد تبون أول رئيس للجزائر يدخل القصر الجمهوري بـ"قضية شبهة فساد" يتابع فيها نجله، والمتعلقة بـ"شبهة تبييض الأموال" في قضية رجل الأعمال كمال شيخي الملقب بـ"البوشي" (نسبة إلى مهنته الأساسية لحام) والذي يعتبر المتهم الرئيسي في فضيحة حجز 701 كيلوجرام من الكوكايين صيف 2018.
وأعيد فتح قضية نجل تبون بالتوازي مع الحملة الانتخابية الأسبوع الماضي، حيث استمع قاضي التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد بالعاصمة لأقوال نجله في شبهات تبييض أموال، ولا يزال موجوداً في سجن الحراش.
غير أن تبون نفى كل التهم الموجهة لنجله، واتهم رموز نظام بوتفليقة بـ"الانتقام منه بولده"، ولم يخف حسرته عندما كان يجيب عن الأسئلة التي تحرجه في كل إطلالة إعلامية عن علاقة نجله بقضايا فساد تفجرت أخبارها منذ استقالة بوتفليقة
وأرجع أسباب ذلك إلى "وقوفه ضد أركان الفساد خلال توليه حقيبتي السكن والتجارة بالنيابة، ثم رئاسة الحكومة".
وأكد أن دخوله في صراع مع مقربين من بوتفليقة بسياسة فصل المال عن السياسة، جعلته "يدفع الثمن غالياً"،.
واحتفظ بموقفه بـ"براءة نجله"، رغم أنه تعهد باحترام العدالة، بينما يرى متابعون أنها تبقى سابقة في تاريخ الجزائر، لا يمكن التكهن بـ"مدى سلبيتها على مشواره الرئاسي".