آسيا ترصد الفرص والمخاطر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي
تشهد السياسة الخارجية الأمريكية في الولاية الثانية للرئيس، دونالد ترامب، تحوّلاً جذرياً يعكس بوضوح توجهات حركة "ماغا".
إذ لا تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي صدرت الأسبوع الماضي، مجرد تحديث للاستراتيجيات السابقة، بل انقطاعاً عن الإجماع التقليدي الذي ميّز السياسة الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب مجلة "فورين بوليسي".
وعلى الرغم من أن مدى انعكاسها العملي على سياسات ترامب المستقبلية لا يزال غير واضح، تعكس الاستراتيجية بلا شك، التحولات الفكرية الداخلية في الولايات المتحدة، وتوضح كيف ترى الإدارة الثانية منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتحالفاتها وكيف تتعامل مع صعود الصين.
كما تعكس الاستراتيجية بوضوح روح القومية لحركة "ماغا" التي تمزج بين الانكفاء على الداخل، وترسيخ الهوية الوطنية، إذ لا تستند إلى أيديولوجيا تقليدية، بل تحرّكها فكرة بسيطة: ما ينفع أمريكا، أو "أمريكا أولاً".
وتدعو الاستراتيجية إلى تقليص الطموحات العالمية للهيمنة الأمريكية والتركيز على المصالح الوطنية المحدودة التي ترتكز على إعادة البناء الداخلي، وهو ما يمثل تحولاً مرحباً في عواصم أجنبية اعتادت على التوجيهات الأمريكية في الماضي.
آسيا
بالنسبة لآسيا، تضع الاستراتيجية منطقة الإندو-باسيفيك في قلب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية خارج نصف الكرة الغربي، مؤكدة على استمرار واشنطن في منع هيمنة أي قوة واحدة على المنطقة، وهو موقف طالما رحبت به عواصم آسيوية قلقة من صعود الصين.
بالإضافة إلى ذلك، تتعامل الاستراتيجية مع آسيا باحترام استراتيجي ملحوظ مقارنة بنقدها اللاذع لأوروبا.
ووفق "فورين بوليسي"، فإن غياب المؤسسات فوق الوطنية في آسيا، يجعلها أكثر توافقاً مع رؤية "السيادة الوطنية" التي تتبناها الإدارة الأمريكية.
المخاطر والتحديات في الاستراتيجية
رغم الترحيب بمبادئ السيادة وعدم التدخل الواردة في الاستراتيجية، تظل آسيا على وعي برغبة التدخل الأمريكي الناتج عن القوة وليس المبدأ، إذ أظهرت تهديدات ترامب لجنوب إفريقيا ونيجيريا أن الميل الأمريكي للعقاب والضغط ما زال حاضراً، وفق فورين بوليسي.
بل يمكن أن تتحوّل السياسة التجارية الأمريكية إلى أدوات ضغط، إذ أظهر طلب ترامب من اليابان وكوريا الجنوبية استثمارات ضخمة وشروطه على صفقات ماليزيا وكمبوديا خلال قمة الآسيان أن التعامل بالصفقات قد يتجاوز حد التعاون إلى الابتزاز الاقتصادي.
وفي ملاحظة أخرى للمجلة، تثير الاستراتيجية القلق حول التوازن بين المصالح الاقتصادية والالتزامات الأمنية تجاه الصين. فالانخراط الاقتصادي العميق مع بكين قد يحدّ من قدرة واشنطن على الرد على أي تهديد أمني، في حين أن صعود القوة العسكرية الصينية يزيد المخاطر ويحفّز الحلفاء على النظر في خيارات دفاعية متطرفة.
وخلصت المجلة إلى أن آسيا تمتلك، على عكس أوروبا، هامشاً زمنياً أكبر للتكيف مع التغييرات في السياسة الأمريكية، لكنها تواجه تحديات أعقد، خاصة مع صعود الصين.
ومع إعادة الولايات المتحدة تعريف دورها الدولي، يتعين على الدول الآسيوية تبني استراتيجية قائمة على الاعتماد على الذات، وتقوية القدرات الوطنية، وتنويع الشراكات، وبناء تحالفات مرنة.