هذا العمل الوطني الراقي في رسالته الوطنية، المبدع في أداء ممثليه، المتميز في نسبة المشاهدة، هو عمل وطني بامتياز
ها هو شهر رمضان الكريم قد انفض، وانفضت معه المسلسلات التي كانت تجمع الأسر والعائلات لدقائق معدودة ثم سرعان ما تنفض تلك التجمعات العائلية، إلى أن يحين موعد المسلسل في اليوم التالي.
ولا شك أن هذه المسلسلات والبرامج كان منها ما هو مفيد وذو رسالة اجتماعية ووطنية هادفة، ومنها ما كان غثاً وذات رسالة سلبية تسعى في تدمير أركان المجتمع.
ولعل من المسلسلات الوطنية الهادفة والتي حملت طابعا وطنيا خالصا بامتياز هو مسلسل "خيانة وطن" والذي أبدع فيه مؤلف رواية "ريتاج" الدكتور حمد الحمادي، وزادها رونقا كاتب قصة المسلسل ومخرجها والممثلون الذين أبدعوا في أدائهم، وكأنما كان الجميع يتسابق لإظهار ما لديه من عطاء تجاه قضية جوهرية تحمل الحب والولاء لهذا الوطن الغالي.
ولن ندخل هنا في التفاصيل الفنية لهذا العمل الوطني، إلا أنني أجيز لنفسي ولغيري أن أتناول هذا العمل الراقي من عدة أوجه تربوبة واجتماعية يمكن استثمارها كإحدى نتائج هذا العمل الوطني، والذي أعتقد جازما بأن كاتب الرواية وكاتب القصة والممثلون أرادوا إيصال رسالة واحدة مشتركة بأن الوطن هو الأغلى بين كل مشاعر المرء وأحاسيسه.
وإذا أجزنا لأنفسنا الخوض في الحديث عما بعد مسلسل خيانة وطن، أو فلنقل ما بعد بعد ... خيانة وطن، فإننا قد نخرج بعدة قراءات متنوعة بعد هذا العمل الفني.
أولا: الحاجة الملحة والقوية إلى استمرار إنتاج مثل هذه الأنواع من الأعمال التي تضيف قيما اجتماعية ووطنية راقية إلى قيم المجتمع وتعزز مفاهيم تعزيز الولاء والانتماء لهذا الوطن.
ثانيا: ضرورة تبني الكتاب والمبدعين الإماراتيين أصحاب الفكر النيّر والحس الوطني بالمساهمة في إثراء الساحة الثقافية والفنية بإبداعاتهم الفكرية بما يعزز مفاهيم إنسانية راقية.
ثالثا: الحاجة إلى برامج توعوية موجهة إلى الأهالي والأسر بضرورة مراقبة الأبناء ومتابعتهم وتعزيز مفاهيم الوالدية الإيجابية وعدم إهمال الأبناء والتأكد من أصدقائهم ومعارفهم.
رابعا: كشفت أحداث المسلسل أن الفكر المنحرف أول ما يبدأ في منهجيته الخبيثة تجاه مؤسسات الدولة ورموزها الوطنية ومحاولة التقليل من إنجازات الدولة، وعليه فإن إبراز جهود الدولة المختلفة والترويج الإعلامي المناسب لها هو أفضل وسيلة للرد العملي على هذه الخطط الخبيثة.
خامسا: يتبين من أحداث المسلسل مدى تغلغل أصحاب الفكر المنحرف في إيصال رسائلهم الخبيثة عن طريق المناهج الدراسية السابقة والتي تم تضمينها بعض الأفكار الهدامة التي كانوا يروّجون لها، حيث إن التعليم والأسرة كانا محور اهتمامهم.
سادسا: الحاجة إلى خلق آليات تواصل أكثر فعالية مع الجمهور وبشكل واضح وبسيط، وعلى الرغم من أن جهود وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المختصة بالدولة لها آليات تواصل معلنة لكننا هنا ندعو إلى مزيد من الترويج والتسويق لقنوات التواصل هذه.
سابعا: الحاجة إلى إيجاد برامج وطنية متخصصة في إعداد قيادات اجتماعية لها الولاء الكامل لهذا الوطن وترابه وعدم ترك الساحة الاجتماعية لأصحاب الفكر المنحرف الذين عاثوا في الأرض فسادا دون أن يراعوا إلا ولا ذمة تجاه الوطن وقادته، استغل هذا الترك أصحاب الفكر العفن لبث سمومهم، واستجلبوا إلى الدولة خيلهم ورجلهم وللأسف أصبحوا هم يقررون ماذا يريد المجتمع وفق مرئياتهم الباطلة لكن جهود الدولة حالت دون تحقيق مآربهم.
ثامنا: نعتقد أن العمل الفني قد بين ظلامية هذا الفكر العفن وكشفه على مصراعيه، مما نتج عنه قبول مجتمعي للإجراءات الرسمية التي اتخذتها الدولة تجاه هذه الفئة المنحرفة وما تتخذه من إجراءات وقائية حماية لأمن الوطن وأمن المجتمع، مما يوجد أرضية مستقبلية خصبة لدى المجتمع لاستمرار الرسائل التوعوية بهدف مشاركة أفراد المجتمع في تحمل المسؤولية الوطنية تجاه أمن الوطن.
تاسعا: كشفت لنا أحداث المسلسل وإن كانت بعض أحداثه غير حقيقية إلا أننا نعتقد أنها قريبة جدا من الواقع، وهي موالاة غير الحاكم الشرعي لهذا الوطن، وعليه نرى أن يتم إبراز طاعة ولي الأمر الشرعي بشكل أكثر صراحة ودون تحرج من أحد، حيث إن طاعة ولي الأمر الشرعي هو أمر شرعي طاعة لله ورسوله وفيها استقرار المجتمع وفيها تمام الولاء والانتماء للوطن.
عاشرا: نرى كذلك أن يتم الإبراز الإعلامي لشرعية نظام الحكم في دول الخليج وأنها متوافقة تماما مع الشريعة الإسلامية طالما تحقق الأمن والاستقرار، وهذا ما هو متوفر بفضل الله ورحمته، وهذا الأمر (أعني نظام الحكم الوراثي في دول الخليج) من الأمور التي يتغنى بها أهل الفتن ويحاولون إثارة القلاقل من خلالها، ونحن نقول إن الذي ندين به أمام الله عزوجل أن نظام الحكم في دول الخليج هو نظام شرعي تماما ومتوافق مع الشريعة الإسلامية، وهذا يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية ولن نلتفت إلى أصحاب الأهواء والفتن .
الحادي عشر: ضرورة الإبراز الإعلامي ليقظة رجال أمننا البواسل في أجهزتنا الأمنية المختلفة والذين يواصلون الليل بالنهار وحرَّ الصيف ببرد الشتاء ومبتغاهم الرئيسي الحفاظ على أمن هذا الوطن ومكتسباته، و لا شك أن جهود أجهزتنا الأمنية بارزة وواضحة للعيان، ولكن الذي نعنيه هو إبرازها بشكل أكبر وأشمل خاصة فيمن تسول له نفسه المساس بأمن هذا الوطن، وأن أجهزتنا الامنية له بالمرصاد على مدار الساعة، ولعله من الواجب الأخلاقي والوطني هنا أن نشيد بهؤلاء الرجال والجنود المجهولين الذين لا يعرفهم الإعلام ولا يعرفهم الناس، ولكن يكفيهم شرفا أن يعرفهم رب الناس وهم يخدمون وطنهم وولاة أمرهم بكل صدق وتفانٍ.
الثاني عشر : وأخيرا أن ما نعتقده بأن هذا العمل الوطني الراقي في رسالته الوطنية، المبدع في أداء ممثليه، المتميز في نسبة المشاهدة، هو عمل وطني بامتياز تعود ملكيته الفكرية للإمارات وأهلها، وبالتالي فإن الحديث عن هذا العمل ليس تعديا على حقوق أحد بقدر ما هو مشاركة وجدانية مع منتج إماراتي نفخر به جميعا.
وأخيرا نقول كما يقول مؤلف الرواية؛ ويبقى الوطن يساراً جهة القلب.
حفظ الله الوطن في يسار صدورنا وجميع كياننا ووجداننا وفي كل ذرة، من أحاسيسنا.
* نقلا عن مدونة الدكتور إبراهيم الدبل
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة