نصائح "بسيسو" عن الكتابة للطفل: ابتعِد عن الوعظ واستعِن بالصور وتمارين الإبداع
سفير فلسطيني يقدم إرشادات للكتابة في مُؤلَف جديد
الكاتب الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو يقدم إرشادات تفصيلية لأدباء الأطفال، في كتاب يحمل اسم «أدب الأطفال.. بين كتابة الإنشاء وإنشاء الكتابة»
يتمتع مصطلح «أدب الأطفال»، خارج الدوائر الأكاديمية، بمعنى شائع وبسيط إلى حدٍّ كبير؛ فمن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى إلى المدارس والوثائق الحكومية، من المفهوم أن المصطلح يشير إلى المواد التي تُكتب لكي يقرأها الأطفال والشباب، وينشرها ناشرو كتب الأطفال، وتُعرَض وتُخزَّن في الأقسام الخاصة بكتب الأطفال أو اليافعين بالمكتبات العامة ومنافذ بيع الكتب، ومن وقت لآخر، تُطرح أسئلة عديدة بشأن ملاءمة مادةٍ ما لجمهورٍ من صغار السن من عدمها، من حيث الأسلوب والمحتوى والمادة المقدمة..
في كتابه الجديد «أدب الأطفال.. بين كتابة الإنشاء وإنشاء الكتابة» الصادر عن دار ابن رشد بالقاهرة، يسعى الكاتب الفلسطيني الدكتور عبد الرحمن بسيسو إلى مقاربة الخصائص والسمات الخاصة التي تتطلبها الكتابة للأطفال، وتمايزها في الآن ذاته عن الكتابة في باقي فروع الأدب أو مجالات الكتابة العامة، وعبر أربعة أقسام تقع في 110 صفحات من القطع الصغير، يدرس بسيسو هذه السمات العامة والمحددات التي تؤطر الكتابة للأطفال.
في المجمل تبدو مادة الكتاب وكأنها إجابة مفصلة عن السؤال الإشكالي القديم: كيف نكتب للأطفال؟ وتأتي تفصيلية الإجابة عبر أقسام الكتاب الأربعة، خصص الثلاثة الأولى منها للملاحظات والخطوط الإرشادية للكتاب الذين يتصدون للكتابة للأطفال، وأتى القسم الرابع ليقدم "تمارين كتابية إبداعية".
وفي حديث أجرته معه "رويترز"، كشف بسيسو الذي يتولى منصب سفير السلطة الفلسطينية لدى سلوفاكيا، عن اختياره الكتابة عن أدب الأطفال تحديدا، قائلا "المسألة تتعلق بإعادة إنهاض الوعي الذي يتطلب بناء الانسان العربي، وهذا يتطلب إنهاض الطفل"، ويرى الكاتب أن أدب الطفل فرع من الأدب بمعناه الواسع وبشتى أشكاله وتجلياته"، إلا أنه فرع متميز يتسم بخصائص نوعية تميزه عن غيره"... وفي رأي الكاتب، فإن الكتابة الموجهة للطفل يجب أن تكون "رشيقة رقيقة غير مترهلة"، وتكون موجهة نحو هدف محدد، وألا تبتعد عن السياق، لأن الطفل "لا يقبل على الحديث الغامض المموه والخالي من المعنى".
ومن وجهة نظر الكاتب، فإن من المفيد لكاتب أدب الطفل أن يمكث بعض الوقت مع أطفال من المرحلة العمرية التي يكتب لها، مشيرا إلى أنه لكي تكتب حوارا مقنعا للطفل "ليس لك إلا أن تصغي لأطفال يتحاورون أو لأطفال يحاورن أشخاصا أكبر منهم سنا أو أصغر، كي تلتقط خصائص طرائقهم وأساليبهم في الكلام، وكي تلاحظ كيف تعكس هذه الطرائق والأساليب سمات شخصياتهم".
ويقول بسيسو الذي بدأ العمل في الكتاب في 1988: إن "ما نص عليه الكتاب طبق عمليا في عدد كبير من القصص المصورة التي صدرت عن مؤسسة فرح لثقافة الطفل التي أنشأتها في 1986"، مشيرا إلى أن مشاركته في المجلس الأعلى للطفولة ولجنة الطفولة في الجامعة العربية وعمله مع الأطفال في الهلال الأحمر الفلسطيني؛ هو ما دفعه للكتابة عن أدب الأطفال.
وعن أقسام الكتاب وتنوعها ما بين النظري والتطبيقي قال الكاتب الذي تعلم في مصر، والحاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في النقد الأدبي: "بعد اتفاق أوسلو وجدت أن الساحة الفسلطينية أصبحت متاحة للتعامل مع أطفال فلسطين، وأعطيت ورشات عمل في جامعة بيرزيت عدة مرات ومركز شؤون المرأة ومؤسسات ثقافية أخرى معنية بالطفل، وحضر الورشات ما بين 200 و300 من الكتاب الناشئين الفلسطينيين".
ويشدد الكاتب على أن الأطفال "يرفضون النزعة التعليمية التي لا تمس إلا سطح الأشياء.. كما أنهم يرفضون المبالغة القائمة على التزييف، لأن في ذلك إرهاقا لهم واستخفافا بعقولهم وبملكاتهم التخيلية"، ويرى بسيسو أن الكاتب المبدع لا يبث رؤيته" عبر المباشرة والتلقين، وإنما يبثها من خلال العلاقات الفنية الأسلوبية والبنائية والدلالية للعمل الفني".
وعن تأخر إصدار الكتاب الذي بدأ كتابته في 1988 قال الكاتب: "للأسف الشديد لم ينشر لأني لم يكن لدي ثقة أن هناك قراء في العالم العربي، ففضلت الاحتكاك المباشر مع من سيكونون كتابا في المستقبل للأطفال، "ونتيجة إلحاح نشرت الكتاب لكن لست متفائلا، لا أريد شيئا من الكتاب إلا أن يصل إلى الناس، أتمنى أن يهتم الناس بما هو موجود في الكتاب ليس الكاتب".
ويرى الكاتب الذي عمل مذيعا ومحررا وكاتبا في إذاعة صوت فلسطين وكاتبا في مجلة فلسطين الثورة؛ أن "نجاح الكاتب في نقل القيم التربوية إلى حيز الفن، وتمكنه من تقديم عمل فني متماسك ومنسجم على مختلف المستويات، هو ما يدفع الطفل إلى تلقي هذا العمل بحماسة وشوق".
ويوجه الكاتب النصح للكتاب ويقول: إنهم لكي يكونوا مبدعين فعليهم إتقان حرفتهم التي هي الكتابة، محددا أدوات "صندوق عدة" هذه الحرفة بأنها هي "الكلم (أي الكلمات من أسماء وأفعال وحروف) والنحو والصرف وأدوات أخرى هي علوم البلاغة والبيان وعلم الأسلوب ونظريات علم الجمال والنقد".
كما يحذر بسيسو كاتب أدب الطفل من الانزلاق نحو "هاوية الوعظ والإرشاد، ولنستبعد تماما منظور الشخص الراشد عندما نكتب من وجهة نظر طفل أو طفلة، صغيري السن محدودي التجربة"، ويرى الكاتب أن أفضل الكتب بالنسبة للأطفال "تلك التي تعرض أمام أبصارهم وعقولهم وضمائرهم كيفية تعامل الشخصيات مع الأوضاع الصعبة أو الحالات الإشكالية التي تواجهها، وتشعر أنها مطالبة بإيجاد حل للأزمات الناجمة عنها، أو بعبور طريق يفضي إلى تجاوزها".
ويقول الكاتب: إن "الكتب المصورة هي أكثر أنواع الكتب رواجا وفاعلية.. وأكثرها حيوية وإمتاعا بالنسبة للطفل، وربما أيضا للكبار الذين يحتفظون في أعماقهم بالطفل الذي كانوه".
أربع خطوات لإبداع قصة لكتابٍ مصور للأطفال يحددها بسيسو، تبدأ باختيار فكرة القصة وتحديد موضوعها، وفي هذا يقول: إن أفضل قصة مصورة هي "تلك التي تأتي فكرتها من واقع الحياة اليومية التي يعيشها الطفل"، والخطوة الثانية هي خلق الشخصيات وتصميم الحبكة، مشددا على أن هوية الشخصية وطبيعة حضورها في النص هو مرجع أهميتها لا مصدر الشخصية، وثالث خطوة هي كتابة المسودة الأولى للقصة القصيرة، ويجب أن تكون كلمات القصة "تحمل صورا مرئية واضحة وجلية"، فالأطفال يستوعبون ما يرونه وما يشعرون به فحسب.
وآخر هذه الخطوات هي مراجعة المسودة الأولى وتدقيقها وتحريرها؛ منبها إلى أن القصة لا تحتاج إلى ما هو أكثر من ألف كلمة في المتوسط، ويجب ألا تتجاوز ألفي وخمسمئة كلمة كحد أقصى.