"السنع".. "إتيكيت" شعبي يحتفي برمضان والعيد
"مبارك عليكم الشهر"، "عساكم من عوادة"، "كل عام وأنتم بخير"... عديدة تلك العبرات التي نطلقها بتلقائية للتواصل مع الآخر للتهنئة
"مبارك عليكم الشهر"، "عساكم من عوادة"، "كل عام وأنتم بخير"... عديدة تلك العبرات التي نطلقها بتلقائية للتواصل مع الآخر للتعبير عن مشاعر إمتناننا وتقديرنا له، أو لتهنئته بمختلف المناسبات الدينية والإجتماعية، وهي العبارات ذاتها التي تدخل في صميم "السنع" الإماراتي الأصيل الذي نظم معهد الشارقة للتراث ورشه عنه إختصت في تناول التصرفات والأقوال الشعبية المتداولة في المناسبات العامة.
"السنع" وكما هو معروف محليا يمثل التصرفات المهذبة والجميلة أثناء التواصل مع الآخر، ومن خلال الإلتزام به يمتلك صاحبه مفتاح وسر التعامل الناجح مع غيره من الناس. فإذا أردت أن تكون مقبولا من قبل الوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه وجب عليك معرفة القواعد الأساسية المتمثلة في العبارات والممارسات السلوكية اليومية.
يمكن القول أن "السنع" مرادف للـ "بروتوكول" أو الـ "الإتيكيت" الشعبي المتمثل في التعامل الراقي، فهو فن الخصال الحميدة إبراهيم سند الباحث الخليجي في مجال التراث الشعبي مقدم ورشة "السنع" بمعهد التراث تحدث للعين في هذا الصدد قائلا: "إن إقامة ورشة "السنع" خلال ليالي رمضان لأمر جيدا، فلايوجد في العام أفضل ولا أبرك من هذا الشهر للتحابي والتآخي بين الناس قولا وفعلا، وهذا هو "السنع" في صميمه، ففي الأجواء الرمضانية تكثر العلاقات والزيارات الإجتماعية والتواصل بين الناس، ونركز اليوم على موضوع "السنع" للأننا أحوج من ذي قبل لتداول تلك المصطلحات الشعبية التي بات بعضها في غياهب النسيان، حيث تعاني كثير من الأقوال الشعبية الإندثار وقلة الإستعامل، ومن خلال ورشة "السنع" نحاول التنقيب والبحث عن هذا الموروث الشعبي الراقي ومعاودة إحياءة لدى الشباب".
لمجتمع الإمارات طقوس وخصال مميزة تفرده، فالكرم والجود وحسن الضيافة مسائل لا هوداة فيها على هذه الأرض الطيبة، خاصة خلال شهر رمضان المباركوأيام العيد، حيث يكثر التزاور بين الأهل والأقارب، وتشيع العزائم والولائم بين الناس، ممارسين بذلك سلوكيات وأقوال إجتماعيا شائعة تتضمن التفوه بعض العبارات وتقديم بعض الأكلات، حتي أن اللباس يدخل في هذا الصدد كنوع من "السنع" وهو ما تحدث عنه سند: "يعرف عن الخليج العربيحسن إستقابل الضيف وإكرامه، وهذا جزء أصيل في "السنع".هنا في الورشة نقوم بتعريف نماذج هذا التقاليد الإجتماعية بشكل علمي مدروس، حيث نشرح هذا السلوك المعرفي الإنساني وعلاقته بمختلف العلوم الإنسانية الأخرى، فـ "السنع" يتكامل مع علم الفراسة وعلوم "البرتوكول" والإتيكيت" رغم أنه ثقافة شعبية، ويعودالشخص على أن يرصد كل ما هو متغير وجديد من حوله، وأن يعكس كل ما يراه ويستقبله في عبارات إيجابية ترفع من الروح المعناوية للمتحدث أمامه، وهو ما يبث طاقة جيدة ويحسن التواصل ويقارب ما بين الناس من خلال الكلام والتعبير الجميل".
لقد عكف على تقديم هذه الورشة مدرب محترف متخصص في الجمع الميداني لمواد التراث الغير مادي، حيث أختص سند في تدوين المأثورات الشعبية، وعلى مدار 5 أيام قدم الباحثمدخل الدراسات لعلم المأثورات الشعبية والأقوال الشـعبية المتداولة بالتعرض لمواضيع إجتماعية الكولادةوالزواج والأعياد والولائم والسـفر وشـهر رمضان والترحيب بالضـيوف، إضافة إلى الأقوال الشـعبية المتعلقة بالزينة وارتداء الحلي والمجوهرات والملابس الجديدة و العطور. مقدما بذلك تعريفاتفصيليا لمفهوم "السنع" في الإمارات والخليج والمعاني المحلية المختلفة لذات المصطلح، ليأتي اليوم الثاني بمجموعة من الأقوال التي تحضر في مناسبات مختلفة وكيفية إستقبال وتحية الناس من خلال الإنصات والإستماع والنظر، أما اليوم الثالث فكان العمل فيه ميدانيا، حيث قام المتدربين والمتدربات بجمع ميداني لأبرز الأقوال والتصرفات الشعبية وتدوينها، ليأتي اليوم الرابع ويتم أستعراض ما تم جمعه في اليوم السابق، ويتم إختتام الورشة خامس الأيام، هذا ما أطلعنا عليهد.محمد حسن عبد الحافظ المدير الأكاديمي في معهد الشارقة للتراث مضيفا في ذات الصدد: "لقد حدث تبادل معرفي وفكري وتراثي في هذه الورشة الثرية بالفلكلور الشعبي بين المتدربين ومدربهم وأستفاد الجميع بالتعرف على بعض الإختلافات والمفردات الجديدة ، حتى أن المدرب أبدى إستفادته من الورشة وما تم جمعه ميدانيا من أقوال ورصد للتصرافات في المناسبات المختلفة".
مريم جمعة عبدالله ترباوية متقاعدة وتعمل في مجال بحث وتدوين التراث الشعبي الشفهي كانت واحدة من المتدربات التي تحدثت للعين: "لقد كانت عنوان الوراشة الدافع الأول لحضوري، فكلمة "السنع" مصطلح يدخل في كافة تفاصيل حياتنا وعاداتنا وبيئتنا، وقد وجدتها فرصة للوقوف على الجانب الإكاديمي لبعض ممارساتنا الإجتماعية ومحاولة نشر هذه العادات والتقاليد الشعبية بشكل مدروس وعلمي لدى الأجيال المستقبلية، وأنا كتربويه أعي قيمة هذه الممارسات في خلق جيل متمسك بأصوله وهويته، وأرى أننا في عصر يحتاج فيه أولادنا أن يعرفوا أكثر عن معاني الأصالة والقيم النبيلة التي سادت في مجتمع الإمارات، وكيف أن سلوكنا النابع من ديننا الحنيف شكل كافة مناحي حياتنا، بداية من إستيقاظنا وحتى النوم، فـ "السنع" منظومة متكاملة من التعامل والتلفظ مع النفس والآخر في محيطك وبيئتك".
"السنع" باب كبير للخلق الحسن، فالسلوك الذي يصدر على شكل تصرفات وفعل لا يمكن فصله عن "السنع"، فإحترام الصغير للكبير وتقبله لرأسه وتقديره له، وعطف الكبير على الصغير وتدليله له من الأمور التي تدخل في هذا المنهاج الإجتماعي. إن "السنع" برنامجا تدريبيا وترببويا يهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية والشـعور بالانتماء عن طريق التعرف على الموروثات الشـعبية ودورها في الترابط والتماسـك الاجتماعي، وترسـيخ القيم والأعراف الأصيلة والمتوارثة أباً عـن جـد، وتعريف جيل الشـباب بالمبادئ والأنماط السـلوكية المسـتمدة من العادات والتقاليد، وتصحيح بعض المفاهيم والقيم السـلوكية الدخيلة، والاهتمام والعناية بالجيل الجديد، وتوجيهه نحو اتباع الأساليب الحديثة في التنشئة الاجتماعية.
aXA6IDMuMTQ1LjU3LjQxIA== جزيرة ام اند امز