تركيا والغرب.. 6 محاور للمواجهة بعد محاولة الانقلاب الفاشل
فشل محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا يفتح باب التساؤلات حول تأثيرها على علاقات تركيا الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا
يبدو أن تبِعات الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، لم تنته بعد ولا يقتصر تأثيرها على الداخل التركي، بل يمتد تأثيرها إلى علاقات تركيا الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتشير التحذيرات الغربية إلى احتمالية وقوع مواجهات عديدة مع الإدارة التركية، تخوفًا من الوضع السياسي التركي الراهن لارتباط تركيا باتفاقيات ومعاهدات عديدة مع دول الاتحاد الأوروبي.
وشهدت تركيا يوم الجمعة الماضي مواجهات عنيفة بين قوات الانقلاب والشرطة سقط فيها 208 قتلى وأكثر من1400 جريح، بعد فشل الانقلاب.
وترصد بوابة "العين" الإخبارية 6 محاور للمواجهة المتوقعة بين تركيا والغرب.
تسليم كولن.. هل يدمر العلاقات مع واشنطن؟
بعد مطالبات السلطات التركية من الولايات المتحدة تسليم السياسي المعارض فتح الله كولن، الذي اتهمته السلطات التركية بأنه متورط في الانقلاب الفاشل، تسلك العلاقات التركية الأمريكية اتجاها أكثر تعقيدًا، خاصة بعدما اعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن الدولة التي ترفض وتمتنع عن تسليم كولن، تصبح غير صديقة لتركيا.
ويعيش فتح الله كولن في منفاه الاختياري في بنسلفانيا.
ورغم أن الولايات المتحدة قالت إنها لم تتلق أي طلبات بتسليم كولن، وإنها على استعداد لتقديم المساعدة للسلطات التركية، ولكن كل ما تريده الإدارة الأمريكية أدلة حقيقية وليس ادعاءات، وهو ما ردت عليه أنقرة بالمطالبة رسميًا بتسليمه.
ولا يعرف بعد ما الذي قد تؤول إليه التطورات في ملف تسليم كولن، لكن المؤكد أن ثمة توترًا سيخيم على العلاقات التركية الأمريكية، في ظل تباعد في ملفات أخرى كالحريات وحقوق الإنسان، والالتزام بمكافحة داعش، وأخيرًا ملف اللاجئين، وكلها عناصر توتر مشتركة بين أمريكا وتركيا من ناحية، وبين أوروبا وتركيا من ناحية أخرى.
الحريات.. خط مواجهة حتمي
الحريات، هي خط آخر من خطوط المواجهة بين أوروبا وأمريكا، وبين تركيا، لا سيما مع اتخاذ الأخيرة إجراءات تعسفية، بدعوى التطهير بعد مرحلة الانقلاب الفاشل، والمتوقع أن تكون على حساب الحريات، فيكفي أن السلطات التركية أوقفت أكثر من 7500 شخص، من بينهم 103 جنرالات وقادة من أسلحة مختلفة ومن مختلف أنحاء البلاد منذ يوم الجمعة.
واللافت في هذه الاعتقالات أنها امتدت إلى صفوف القضاة وكبار الموظفين المشتبه في علاقتهم بكولن، حيث أقالت السلطات 8777 شخصا من موظفي الداخلية بينهم 30 مسؤولا كما أقالت 30 حاكما إقليميا وأكثر من 50 من كبار الموظفين.
وبدأ هذا المنحى في إثارة قلق الغرب، خاصة أن محاولة الانقلاب من شأنها أن تمنح صلاحيات وسلطات أكبر لأردوغان، وستمكنه من قمع الحريات وخفت صوت الإعلام والمعارضة معًا، وهو ما توقعته الصحف الأمريكية، والبريطانية.
وقال أردوغان إن "عمليات الاعتقال والتوقيف والإبعاد التي طالت أعضاء السلك القضائي في عموم تركيا "ضرورية لكنها غير كافية".
وظهر قلق الغرب في دعوة جون كيري وزير الخارجية الأمريكية لحكومة أردوغان بالحفاظ على أعلى مستويات احترام القانون، وتشديد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيلروت على ضرورة "التزام اليقظة كي لا تدير السلطات التركية الظهر للديمقراطية، ووجوب حماية دولة القانون في تركيا".
كما شددت فيدريكا موغريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبيأيضا على "وجوب حماية دولة القانون"، فيما أشار وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون إلى أهمية "التزام السلطات في أنقرة ضبط النفس والاعتدال".
ويبدو أن هذه النبرة التي تحمل في طيّاتها مخاوف من تداعيات الحملة الأمنية العنيفة التي يشنها أردوغان بحق مسؤولين، مرشحة للتصاعد خلال الأيام المقبلة، بل وتنذر بمواجهة مع أمريكا وأوروبا، ستكون محتدمة وحتمية.
الإعدامات.. تبدد حلم الانضمام لأوروبا
"في الديمقراطيات لا يمكن تجاهل مطالب الشعب، هذا حقكم، وهذا الحق ستتم دراسته دستوريًّا واتخاذ القرار بشأنه لدى الجهات المعنية. تخلينا حتى اليوم عن العواطف، واتخذنا قراراتنا بعد التفكير مليّة. والآن سنقدم على هذه الخطوة بنفس الطريقة وبغاية الإيجابية"، إلى هنا انتهى حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفتح الباب أمام إعادة عقوبة الإعدام في البلاد.
وجاء رد أردوغان تعليقًا على هتافات المشيّعين لجنازات ضحايا الانقلاب، المطالبة بإعادة عقوبة الإعدام لتنفيذها بحق الانقلابيين.
ودفع رد أردوغان للتساؤل ما إذا كان تركيا ستعيد تطبيق عقوبة الإعدام التي كانت ألغتها في 2004، وهو ما قد يباعد بينها وبين حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، الذي لا يقبل بأي دولة تطبق عقوبة الإعدام، مثلما صرح متحدث باسم الحكومة الألمانية.
ولن يكون الثمن إبعاد تركيا من حلم الانضمام للاتحاد فحسب، بل قد يدفع إلى تكريس صورة "الحاكم الديكتاتوري" لدى الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية التي تندد بما يمسّ حقوق الإنسان.
وربما يطرح تساؤلًا بهذا الشأن لدى اليونان نفسها، التي فرّ إليها 8 عسكريون أتراك، طالبين اللجوء السياسي بعد فشل محاولة الانقلاب، خشية تعرض حياتهم للخطر، فتركيا طالبت بتسليمهم في وقت تدرس فيه احتمالية تنفيذ عقوبة الإعدام، وهو ما قد يعجل اليونان تفكر مرتين قبل الإقدام على تسليمهم.
وفعليًا بدأ القضاء اليوناني بالأمس في التحقيق مع العسكريين الأتراك، بتهمة التسلل للبلاد بشكل غير مشروع، فيما بقي الموقف اليوناني الرسمي هو النظر في طلب "بسرعة" لكن في ضوء "كامل الاحترام" لنصوص القانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان، وفق ما صرح به رئيس الوزراء اليوناني لأردوغان أمس.
وقال وزير خارجية اليونان نيكوس كوتزياس لنظيره التركي إن السلطات ستضع في اعتبارها أن المعتقلين متهمون في بلدهم بخرق الشرعية الدستورية ومحاولة الإطاحة بالديمقراطية.
اللاجئون.. أين يذهبون؟
ومن أهم القضايا المشتركة بين تركيا وأوروبا أزمة اللاجئين، فبعد أن تم إبرام اتفاقيات في العام الماضي بين تركيا ودول الاتحاد لاحتواء الأزمة في مقابل تقديم المساعدات المالية المناسبة لتركيا، أصبح مستقبل العلاقات مجهولا في ظل التطورات السياسية الحالية التي تشهدها تركيا بعد فشل الانقلاب العسكري.
ولعل مخاوف البعض من تراجع تركيا عن اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي، قد يتسبب في أزمة حقيقية لأوروبا لاستقبال أعداد اللاجئين، في ظل تصريحات مفوضية الاتحاد أنه لا يوجد رضا كامل لجهود تركيا في ملف اللاجئين لاستمرار وصول أعداد كبيرة للدول الأوروبية.
مكافحة داعش.. تساؤلات حول الدور التركي
بعد فشل محاولة الانقلاب تراود أوروبا وأمريكا تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا سيبقى من اهتمامها مكافحة الإرهاب أم ستركز على أوضاعها الداخلية، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة، بل وربما تكون سببًا لإجراءات تقوّض من استخدام القوات الجوية الأمريكية لقاعدة أنجرليك في تركيا التي تنطلق منها مقاتلات وطائرات بدون طيار أمريكية لضرب تنظيم داعش.
وأغلقت تركيا مجالها الجوي في أعقاب محاولة الانقلاب، لكن سرعان ما أعادت فتح مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية، وسمحت للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة باستئناف عملياته الجوية ضد تنظيم "داعش"، من قاعدة أنجرليك.
لكن خطوة غلق المجال الجوي فتحت الباب أمام تساؤل عما إذا كانت تركيا شريكا حيويا في الحرب على تنظيم داعش في سوريا، وهو ما طرحه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت.
وأضاف أيرولت للقناة التلفزيونية الثالثة في فرنسا "هناك أسئلة تطرح وسنطرحها.. إنها (تركيا) حيوية بعض الشيء لكنّ هناك شكوكا أيضا.. دعونا نكون صادقين حيال هذا الأمر"، كاشفًا عن أنه سيثير المسألة خلال اجتماع للتحالف المناهض لداعش في واشنطن الأسبوع المقبل.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت تركيا ستشارك في هذا الاجتماع بعد محاولة الانقلاب أم لا، وما التأثيرات التي قد يحدثها الانقلاب في خطة المشاركين في محاربة التنظيم، خصوصا فيما يتعلق بتحديد دور تركيا.
العلاقات التركية الأوروبية.. مستقبل مجهول
ورغم المحاور السابقة في المواجهة بين الطرفين، لكن هذا لا يعني أن العلاقات أوروبا وتركيا كانت على خير ما يرام، صحيح أنه يوجد علاقات اقتصادية وتجارية قوية، لكن هناك توترا يخيم على العلاقات بين الطرفين، خاصة بعد انتقاد الاتحاد الأوروبي لأوضاع حقوق الإنسان وحريات الرأي والتعبير في مواقف عدة.
من بينها ما أبداه الاتحاد من قلق تجاه حرية وسائل الإعلام، بعد إلقاء القبض على "جان دوندار" رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت"، وانتقاده لسياسة أردوغان تجاه المؤسسات القضائية.
بالإضافة إلى ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مشكلة جديدة بين الطرفين، حيث أبدى بعض المسؤولين الأوروبيون رفضهم دخول تركيا بدلًا من بريطانيا، واعتبر بعض النواب في البرلمان الأوروبي أن تركيا تستغل التزامها بالمعاهدات والاتفاقيات كورقة ضغط على دول الاتحاد لتقديم المساعدات المالية لها، وإعفائها من تأشيرات الدخول لأوروبا. خاصة بعد تهديد أردوغان لبروكسل بوقف اتفاقية الهجرة.
وقال أردوغان بعد نتيجة استفتاء بريطانيا الشهر الماضي: "إن أوروبا لا تريدينا لأن الأغلبية مسلمة، وعلينا استكمال المفاوضات مع الاتحاد".