يرى محللون دوليون أن القوات الإيرانية في سورية وصلت إلى وضع شبيه بوضع القوات السوفياتية في أفغانستان في العام 1985
يرى محللون دوليون أن القوات الإيرانية في سورية وصلت إلى وضع شبيه بوضع القوات السوفياتية في أفغانستان في العام 1985، عندما عجز السوفيات عن تحقيق انتصار حاسم على «المجاهدين» الأفغان، مع فارق مهم، هو أن الإيرانيين لا يملكون خيار الانسحاب مثلما فعل السوفيات عندما بدأت خسائرهم تتصاعد وموازنتهم تتقلص.
ولهذا، يرى المحللون أنفسهم أن المنحى الحالي للهجوم الذي تشنه إيران وتوابعها في منطقة حلب سيستمر في التصاعد مستفيداً من الدعم الجوي الروسي، وسيشمل تطهيراً مذهبياً يؤدي إلى تدفق كبير وجديد للاجئين إلى كل من تركيا التي تم «تحييدها»، وإلى لبنان والأردن.
ومع أن هذا التحليل يحاول تبرير سعي واشنطن الحثيث للتوصل إلى اتفاق مع موسكو، باعتبار أنها تمسك بورقة التفوق الجوي، على «خريطة طريق» للحل قبيل انتهاء ولاية أوباما بأشهر، فإنه يصيب في توقعه استمرار معركة حلب وتصاعدها، لأن هدف الوجود الإيراني في سورية في المقام الأول ليس ضمان استمرار نظامها، بقدر ما هو حماية «حزب الله» في لبنان، ولأن انسحاب طهران سيعني فشلاً تاماً لمشروع فرض نفسها طرفاً مهيمناً في المعادلة الإقليمية، والذي بدأ مع وصول «آيات الله» إلى السلطة في 1979.
فالاتفاق الذي تحدث جون كيري عن التوصل إليه مع نظيره لافروف يندرج في مصاف التمنيات، مستنداً إلى مبدأ «تبادل الخدمات»، من دون أي ضمان بالتزام روسيا تنفيذ الجزء المتعلق بها، تماماً مثلما حصل في توافقات سابقة (بيانا جنيف 1 و2)، سرعان ما خرج الروس بتفسيرات لها تتباين مع التفسير الأميركي، ولم يأخذوا منها سوى الجزء الذي يصب في مصلحتهم ومصلحة حلفائهم السوريين والإيرانيين.
وجاء كلام كيري عن الاتفاق كأنه صادر عن مسؤول منظمة للإغاثة، ليقتصر على «تعزيز وقف الأعمال القتالية» و «تحسين إيصال الطعام والدواء والاحتياجات الإنسانية»، بالإضافة إلى «تنسيق العمل العسكري المشترك ضد جبهة النصرة وداعش».
وفي حين قدم الجانب الأميركي تنازلاً عملياً بإعلان التنسيق مع الروس في الحرب على «النصرة»، بعدما كان يتمنع عن ذلك بسبب تداخل مواقعها مع مواقع المعارضة المعتدلة، بقي الحديث عن معركة حلب في مجال «ضرورة
إنهاء محاولات حصار المدينة»، فيما هي باتت محاصرة بالفعل.
وهذا ما دفع الأوروبيين إلى محاولة لجم الاندفاعة الأميركية نحو «الحل الروسي» الذي يرفض أي نقاش حول مصير الأسد ونظامه ويمنح موسكو هامشاً واسعاً في تحديد مسار التطورات على الأرض.
فإدارة أوباما التي تسلم الراية قريباً إلى رئيس جديد، لن تقدم على أي تغيير مفاجئ في استراتيجية الاكتفاء بالحرب الجوية على «داعش» وتجنب أي ضغط على الجيش النظامي وطيرانه أو على حلفائه. والواقع أن الأميركيين ميالون كثيراً منذ البداية إلى الأخذ بحجج الروس التي تدعي أن رحيل الأسد سيعني انهيار ما تبقى من مؤسسات في سورية، وهي حجج تتقاسمها معهم إسرائيل التي لا تعارض استنساخ إيران لتجربتها في جنوب لبنان، عندما احتلت شريطاً حدودياً وحولته منطقة عازلة لحماية مناطقها الشمالية، لأن سجل النظام السوري في الجولان يطمئنها.
فالهدف الأساس للقوات الإيرانية حالياً إقامة شريط مماثل في سورية يشمل حلب بالطبع، ويحيط بلبنان من الشرق والشمال، تكون وظيفته، بالإضافة إلى منح العلويين «دويلة» أو «حكماً ذاتياً»، حماية «دولة حزب الله» القائمة في لبنان من «خطر الاجتياح السني». أما الروس فيرون في قيام هذا الشريط ضمانة لبقاء قواعدهم العسكرية، القديمة والمستحدثة، في سورية، فيما الأميركيون منهمكون بإقناع حلفائهم بأهمية أن يتلاءم توسيع الحرب على الإرهاب مع قائمة المطالب الروسية المرشحة للازدياد.
*نقلا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة