المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني.. لماذا يعد أكبر حدث سياسي منذ سنوات؟
تتجه الأنظار إلى العاصمة الصينية بكين التي تستضيف، الأحد المقبل، أعمال الدورة رقم 20 للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني كأهم حدث سياسي في البلاد منذ سنوات.
وتأتي أعمال الدورة العشرين وسط مساع للرئيس شي جين بينج إلى تأمين فوزه بولاية ثالثة كزعيم للحزب الحاكم ورئيس للبلاد حيث ألغى في 2018 حدود الولاية الرئاسية.
وتمثل مؤتمرات الحزب أهمية كبيرة في البلاد باعتبارها "غرفة عمليات" تتخذ فيها القرارات وترسم السياسات والخطوط العريضة الخاصة في الحزب والبلاد فيما يتعلق بالشأن السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
ويعد المؤتمر أهم وأكبر حدث سياسي على المستويين الحزبي والجمهوري، إذ تمثل نتائجه أهمية كبرى ليس بالنسبة لسياسات جمهورية الصين الشعبية، الداخلية والخارجية فحسب، وإنما أيضاً بالنسبة لصانعي السياسات في جميع دول العالم، في ظل استمرار الصعود المتنامي لبكين على الساحة الدولية.
ويعقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني كل خمس سنوات، لاختيار زعيم الحزب وكبار مسؤوليه. وتشير أغلب المؤشرات إلى أن شي جين بينج سيحصل على ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات خلال المؤتمر.
ومن المقرر أن يختار المؤتمر الأعضاء الجدد للجنة الدائمة والمكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي، كما يكشف عن المرشحين للمناصب العليا في الحكومة وبنك الشعب (المركزي) ووزارة المالية وهيئة الرقابة المصرفية والذين سيتم إعلان أسمائهم في مارس/آذار المقبل.
وهناك توقعات كبيرة بتقاعد نائب رئيس الوزراء الصيني القوي "ليو هي" ، وهو ما سيخلي منصبا سيكون من الصعب إيجاد شخص بنفس الخبرات الدولية التي يتمتع بها "ليو هي" لشغله.
ومن المحتمل أن تشير محددات السياسة التي يقرها المؤتمر إلى الاستمرارية والاستقرار والتمسك بالأهداف الواسعة القائمة، مع السعي لتحقيق نمو اقتصادي "عالي الجودة" والرخاء العام وتشجيع الصناعة والتكنولوجيا المحلية.
تحديات داخلية
يأتي انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني هذا العام، في ظل واقع تشوبه تحديات جمة تواجه الصين وحزبها الحاكم، بعضها داخلي.
وترتبط غالبيتها بما ترتب على انتشار جائحة كوفيد -19 من تداعيات على الاقتصاد الصيني منذ تفشي الجائحة في عام 2020 وحتى الآن. ولا تزال هناك تساؤلات حول فاعلية نهج الصين "صفر كوفيد"، الذي يتضمن إغلاق الأحياء والمدن والمناطق بأكملها نتيجة وجود حالة إصابة واحدة أو حالتين فقط، فقد أدّت عمليات الإغلاق إلى تعطل حركة الشحن وإعاقة سلاسل التوريد العالمية.
تقريران وتعديل دستوري
قدّم الرئيس الصيني والأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تقريراً بشأن أعمال الحزب إلى الجلسة الكاملة، وذلك بتكليف المكتب السياسي للجنة المركزية.
وبحسب البيان الختامي للجلسة المركزية "اعتمدت الجلسة الكاملة تقريرين، ستقدمهما إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، هما: تقرير اللجنة المركزية الـ19 للحزب، وتقرير عمل اللجنة المركزية الـ19 لفحص انضباط الحزب، بالإضافة إلى تعديل دستوري يغيّر بموجبه أعضاء في اللجنة المركزية الـ19 للحزب".
وسيتم تقديم الوثائق الثلاث إلى المؤتمر المرتقب لمراجعتها ومداولتها.
وأوضح الرئيس الصيني شي جين بينج خلال الجلسات ما تضمنته مسودة التقرير التي أعدتها اللجنة المركزية قبيل رفعها إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني.
بدوره، قدم عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ هو نينغ، إيضاحات بشأن مسودة التعديل الدستوري للحزب.
وبحسب بيان اللجنة، فإن "المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، قد تمكن من دفع التنمية، والحفاظ على الاستقرار المحلي، بالإضافة إلى تنفيذ فكر شي جين بينج حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وتوحيد قادة الحزب".
وأوضح البيان أنه "تم تحقيق منجزات رئيسية في قضايا الحزب والدولة، معتبراً أن المنجزات هذه، كانت نتيجة لجهود جميع أعضاء الحزب والشعب الصيني بأكمله".
وأشار البيان إلى أن "الجلسة قامت بتقييم عمل اللجنة المركزية التاسعة عشرة لفحص الانضباط للحزب"، مشيراً إلى أن "لجنة فحص الانضباط قد طبقت بحزم القرارات الاستراتيجية للحزب والمتمثلة في الإصلاح الذاتي والحوكمة الذاتية الشاملة".
وكان الحزب الشيوعي الصيني أجرى تعديلات على دستوره تضمنت إدراج أفكار ونظريات أمينه العام شي جين بينج، بما يعزز من سلطاته ونفوذه في مؤسسات الحزب والدولة بصورة غير مسبوقة منذ عهد الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج.
حملة تطهير
وخلال الأشهر الماضية، قاد الرئيس الصيني سلسلة واسعة ضمن عمليات التطهير في سياق حملته ضد الفساد التي يسعى من خلالها برأي محللين إلى توطيد سلطته.
وباشر شي حملته لدى وصوله إلى السلطة قبل عشر سنوات، واعدا بإسقاط "النمور" في إشارة إلى كبار القادة و"الذباب" في إشارة إلى صغار الموظفين، متهما إياهم بتقاضي رشاوى واختلاس أموال.
ومنذ ذلك الحين، أسفرت الحملة عن معاقبة ما لا يقل عن 1,5 مليون شخص بحسب الأرقام الرسمية، وحققت الصين تقدما في ترتيب منظمة الشفافية الدولية لمؤشر الفساد.
ومنذ مطلع 2022 صدرت عقوبات في حوالي 1110 قضايا، تطول واحدة منها النائب السابق لوزير الأمن العام سون ليجون وأخرى وزير العدل السابق فو زينهوا، وهما يقضيان عقوبة بالسجن مدى الحياة.
جيش أكثر احترافية
خلال 10 سنوات من حكم الرئيس الصيني شي جين بينج، نجح في بناء أكبر أسطول بحري عالميا وهيكلة أكبر جيش محترف وتطوير ترسانة نووية قادرة على إثارة قلق الخصوم.
وفي عام 2013، بات شي جين بينج القائد العام للقوات المسلحة حيث بدأت الإصلاحات. وقد بوشرت في سنوات التسعينيات برئاسة جيانغ زيمين الذي أعجب بالبراعة العسكرية الأمريكية خلال حرب الخليج وأزمة مضيق تايوان الثالثة.
وصرح المستشار الاستراتيجي ألكسندر نيل لوكالة فرانس برس "لكن فقط مع وصول شي جين بينج بدأت هذه الجهود تتحول إلى قدرات".
كان جيش التحرير الشعبي قد وضع للتو قيد الخدمة أول حاملة طائرات له، اشتراها من أوكرانيا ومقاتلاته وهي قاذفات من نوع J-15 مستوحاة من طائرة سوخوي السوفياتية.
تسجل الموازنة العسكرية الصينية ارتفاعا متزايدا منذ 27 عاما بحسب المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم.
توتر صيني غربي
وعلى رأس جدول أعمال السياسة الصينية، تأتي العلاقات بين واشنطن وبكين. وتتبنى الصين موقفا دفاعيا قويا في مواجهة الولايات المتحدة.
ففي المؤتمر التاسع عشر، تبنى الحزب الشيوعي الصيني سياسة التواصل مع العالم لكنه جعل حماية الأمن القومي أولوية سياسية.
ومن غير المحتمل تغيير اللغة المستخدمة في التعبير عن الموقف الدولي للصين، رغم أنه من المحتمل، أن يشدد على الخط الدفاعي للسياسة الصينية الخارجية.
كما أنه من المنتظر أن يشدد الحزب في مؤتمره القادم على استعداد الصين لاتخاذ مواقف صارمة بالنسبة للقضايا الاقتصادية والتجارية والأمنية مع الولايات المتحدة. وسيؤدي هذا إلى زيادة حدة التوتر بين أكبر اقتصاديين في العالم مع ما لذلك من تداعيات سلبية على الأسواق والثقة الاقتصادية وحركة التجارة.
وكذلك استراتيجية حلف شمال الأطلسي "الناتو" المناهضة للصين، والتي عكستها خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها الحلف خلال قمته في "مدريد" أواخر يونيو/حزيران 2022، والتي تنظر إلى الصين باعتبارها تشكل "تحدياً" لمصالح دول الناتو وأمنها.
الدلالات العامة للسياسة الصينية
وبحسب المحلل الاقتصادي شانج شو في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء فإن الدلالات العامة للسياسة الصينية التي يقدمها المؤتمر في صورة توجيهات عامة وليس نقاطا محددة، إلى جانب اختيار شاغلي المناصب الرئيسية في نظام الحكم الصيني ستحدد بدرجة كبيرة المسار الاقتصادي للصين خلال السنوات الخمس المقبلة.
وتترقب الدوائر الاقتصادية والمالية في العالم أي إشارة من جانب المؤتمر إلى أهداف النمو الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة، باعتبارها مؤشرا على السياسات الاقتصادية المنتظرة.
وفي المؤتمر الثامن عشر للحزب عام 2012 تعهد الحزب بمضاعفة إجمالي الناتج المحلي للصين خلال الفترة من 2010 إلى 2020، وهو الهدف الذي تحقق بالفعل.
بينما لم يعلن الحزب في المؤتمر التاسع عشر عام 2017 معدلات نمو مستهدفة. والآن وفي ظل حالة الغموض الشديد الذي يحيط بالاقتصاد الصيني نتيجة استراتيجية صفر إصابات كورونا من المحتمل ألا يعلن الحزب عن أهداف نمو محددة.
ومع ذلك يمكن للمراقبين تقدير المعدلات المستهدفة في ضوء استراتيجية التحديث الاشتراكية حتى 2035 والتي تستهدف مضاعفة إجمالي الناتج المحلي مقارنة بحجمه في 2020.
وللوصول إلى هذا الهدف تحتاج الصين إلى تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 7ر4% سنويا وهو ما يحتاج إلى إطلاق المزيد من حزم التحفيز.
في المقابل من المتوقع نمو الاقتصاد الصيني خلال العام الحالي بمعدل 3.1% مقابل 8.1% خلال العام الماضي، وهو ما يقل كثيرا عن المعدل المستهدف وهو 5.5% من إجمالي الناتج المحلي.
وفي ظل الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها القطاع العقاري الضخم في الصين، مع تعثر كبرى شركات العقارات وتراكم ديون القطاع وتوقف الكثير من العملاء عن سداد أقساط القروض، من المتوقع أن يشهد المؤتمر مناقشات رفيعة المستوى، ولكن من غير المحتمل أن تتراجع الحكومة الصينية عن المبدأ الحاكم لسياسة القطاع وهو أن "المساكن للسكن وليس للمضاربة"، والإشارة إلى استمرار إدارة قطاع التشييد لضمان التوازن بين العرض والطلب.
ويرى المحلل الاقتصادي شانج شو أن تباطؤ قطاع العقارات سيؤثر بشدة وبشكل سلبي على معدل نمو الاقتصاد الصيني، حيث من المتوقع أن يخفض معدل النمو بمقدار 0.3 نقطة مئوية.