قد يكون كلامي هنا مستغربًا، لكن انزعاجي من دونالد ترامب يقل كثيرًا عن آخرين ربما كانوا أكثر تحفظًا في لغتهم، لكنهم قد يزيدون تطرفًا.
قد يكون كلامي هنا مستغربًا، لكن انزعاجي من دونالد ترامب يقل كثيرًا عن آخرين ربما كانوا أكثر تحفظًا في لغتهم، لكنهم قد يزيدون تطرفًا عن ترامب في مواقفهم ومشاعرهم الحقيقية، ليس فقط تجاه المسلمين، لكن أيضًا في العديد من القضايا وضد كثير من الأقليات في أمريكا.
وبلغة أخرى، فإنني أفضِّل ترامب بكل ما فيه من مساوئ على مرشحين آخرين مثل السناتور تيد كروز من ولاية تكساس أو السناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا.
كلاهما جاء مع ارتفاع موجة ما يُسمى بحزب الشاي وهو الجناح الأكثر تطرفًا في الحزب الجمهوري. وقد حاول روبيو بعد انتخابه اكتساب ثقة "الموسسة" والقيادات داخل الحزب، وتعاون معهم لوضع مشروع قانون معتدل تجاه الهجرة غير الشرعية، لكنه سرعان ما تراجع بعد أن اكتشف أنه سيخسر تأييد المتطرفين الذين يرفضون أية حلول وسَط تسمح بتقنين أوضاع هؤلاء المهاجرين.
روبيو ومثله كروز يرفضان السماح بعمليات الإجهاض حتى لمن تعرضت للاغتصاب أو زنى المحارم. وهما في ذلك انتهازيان فقط، فهو موقف يساعدهما حاليًّا مع القاعدة المحافظة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لكن أيًّا منهما سرعان ما سيبدّل في كلماته وأسلوبه ليكون أكثر اعتدالًا إذا فاز بترشيح الحزب، حيث سيتعين عليه حينئذٍ أن يحظى بتأييد المستقلين أو حتى بعض الديمقراطيين غير الراغبين في انتخاب المرشحة المحتملة هيلاري كلينتون.
قد يقول قائل: وما لنا الآن وما يقولانه عن الإجهاض أو قضايا أخري داخلية، فهما على الأقل أكثر اعتدالًا في اللغة التي يستخدمانها ضد العرب أو المسلمين؟ وهنا أقول: إن كون اللغة أقل حدة واستفزازًا، لا يعني أنها أكثر اعتدالًا. فأنا لا أتصور مثلًا أن يعين أي منهما مسلمًا في حكومته مثلما فعل جورج دبليو بوش الذي عيَّن زالماي خليل زادة سفيرًا لدى الأمم المتحدة وهو منصب بدرجة وزارية، وعين سبنسر إبراهام وزيرًا للطاقة وهو عربي.
وقد ذكر ترامب أنه على استعداد لتعيين مسلم في حكومته، لكن كان ذلك منذ ثلاثة أشهر قبل أن تصبح الديماجوجية سلاحه للتقدم على الآخرين، وربما تكون هذه هي المشكلة الحقيقية. فالمفترض أن يدفع المرشح ثمن كلماته العدوانية والمتطرفة، لكن مشاعر العداء للمسلمين خاصة بين المحافظين زادت في السنوات الأخيرة ربما بشكل خارج عن السيطرة.
وما يميز ترامب عن المرشحين الآخرين، هو مهارته في استخدام أساليب وعبارات شعبية تلهب حماس الجماهير وتلعب بمشاعرهم السلبية.
لكن دعونا ننظر إلى تيد كروز وهو الثاني الآن بعد ترامب في استطلاعات الرأي العام، فقد بالغ كثيرًا في استخدام مشاعر الخوف بعد هجمات باريس، لكي يحض على منع أية هجرة سورية لأمريكا، ثم دعا لاستقبال المسيحيين منهم فقط. كلام مشابه قاله ماركو روبيو الذي استخدم عبارة صامويل هنتينجتون الشهيرة عن "صراع الحضارات" لتوصيف ما يحدث الآن، وهو في رأيي موقف أكثر خطورة من العبارات الشعبية الديماجوجية لترامب عن منع المسلمين من دخول أمريكا.
نلاحظ أيضًا مع الاثنين (روبيو وكروز) أنهما الأكثر ابتذالًا في محاولة التقرب من القوى المؤيدة لليمين الإسرائيلي وخاصة كروز الذي يبدو لمن يستمع إليه أنه يستيقظ من نومه ويذهب إلى فراشه، وليس في رأسه سوى الوصول إلى البيت الأبيض لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
لكن بعيدًا عن هذا الصراع الانتخابي، فإنه -أيًّا كانت نتيجته- قد أكد ما كنا نراه يحدث تحت السطح على مدى السنوات الماضية من تضاعف المشاعر المعادية للمسلمين، لأسباب يتحمل بعض المسلمين المتطرفين جزءًا منها.
لكن ما أخشاه الآن أن تُترجم إلى أعمال عنف ضدهم في مجتمع يسهل فيه حمل السلاح، وتُرتكب فيه عمليات إطلاق النار بشكل جماعي بمعدل يزيد على هجوم واحد كل يوم، وعندها ربما يخرج هؤلاء المرشحون للتنديد "المعتدل" بهذه الهجمات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة