ليس كاميرون الشخص الوحيد العاجز عن وصف تنظيم "الدولة الإسلامية" بطريقة مجدية.
عندما قرأت ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وغيره من أعضاء مجلس العموم في شأن «الدولة الإسلامية» أوائل الشهر الجاري، تذكَّرتُ مناشدات مماثلة باللجوء إلى السلاح، أطلقها رئيسا حكومة سابقان هما أنطوني إيدن، عند كلامه عن مصر الناصرية في عام 1956، وتوني بلير عند كلامه عن عراق صدام حسين في عام 2003. وفي الحالات الثلاث، واجه رؤساء الحكومة ضغوطًا هائلة من مناصريهم الذين كانوا يطالبونهم بالتصرُّف.
وفي الحالات الثلاث أيضًا، تحدَّثوا عن قدرة أجهزة الاستخبارات البريطانية على رصد الخطر الذي تواجهه البلاد. إلى ذلك، لم يكتفِ رؤساء الحكومة الثلاثة بالمراهنة على شرعية تدخُّلهم على المستوى الدولي، بل راهنوا أيضًا على قدرة الجيش على استعمال أسلحته الحديثة لشن هجمات عسكرية دقيقة تخلف حدًّا أدنى من الخسائر البشرية بين المدنيين.
ومع ذلك، من شأن المعلومات التي أصبحنا نعرفها اليوم حول ما حصل فعليًّا في أول حالتين أن يثير شكوكًا كبيرة حول ما يمكن أن يحصل في الحالة الثالثة. وفي هذا السياق، سأتكلم أولًا عن المصطلحات التي استعملها كاميرون لوصف العدو، فهو ما عاد يُسمِّيه «الدولة الإسلامية» إنما «داعش».
وقد شرح السبب قائلًا: «إن طقوس الموت والشر التي يعتمدها هذا التنظيم لا تُعطي صورة صادقة عن الإسلام، كما أن التنظيم المذكور لا يُشكِّل دولةً».
وبعد أن وضع جانبًا مسألة تقديم أفضل ترجمة إنجليزية ممكنة للفظة «دولة» العربية في هذا السياق، عمد إلى وصف استيلاء التنظيم على أجزاء من سوريا والعراق باعتباره مفهومًا يذكِّر بالدولة، وكان يحيل في كلامه هذا إلى أن الحملة الجوية التي يقترح شنها ضد «داعش» تستند إلى هجمات متواصلة على أصول مؤسسية، وغيرها من الأصول الكثيرة الأخرى في حيازة التنظيم على الأرض، بما يشمل مخيمات التدريب، ومرافق التخزين، ومواقف المركبات الآلية وإلى ما هنالك، ناهيك عن سيطرة التنظيم على أجزاء مدن على غرار الموصل والرقة.
وليس كاميرون الشخص الوحيد العاجز عن وصف تنظيم «الدولة الإسلامية» بطريقة مجدية، فبنظر هيلاري بن، وزير الخارجية في حكومة الظل في حزب العمال، هم «فاشيون»، وهكذا استعمل كلمة شائعة في الحوارات السياسية المحتدمة بقدر ما هي عديمة المعنى.
ويتوعد كاميرون باستعمال عدد من الأصول العسكرية السرية على غرار صواريخ جو -أرض الموجهة بدقة التي تملكها بريطانيا من دون سواها. وهنا أيضًا لابد من التشكيك في مصداقية كلامه، على ضوء ما نعرفه عن الشرخ التاريخي الكامن بين ما يقوله الجيش ومصنعو الأسلحة عن أداء المعدات الجديدة، وعن المعدات الفعالة حقًّا في الممارسة الميدانية على أرض المعركة، لا سيما أن التاريخ يربط أيضًا تأكيدات من هذا القبيل عن فعالية الأسلحة برغبة في تعزيز الإنفاق وبتفاصيل دقيقة عن مدى الفعالية المثبتة لهذه الأسلحة.
تجدر الملاحظة أيضًا أن كاميرون يتجاهل بعض الأمور في شكل خطير، لا سيما عند تناوله موضوع سيادة الدولة السورية التي قرر قصفها، وضرورة التدخل ضمن سياق سياسي معقَّد وعنيف إلى أقصى الحدود، متمثل بالحرب الأهلية الشاملة.
وبالتالي، يُطرَح سؤال حول ما إذا كان كاميرون يقف إلى جانب مناهضي نظام الأسد. وإن كان الأمر كذلك، ثمَّة سؤال عن مستقبل سورية. صحيح أن رئيس الوزراء يتحدَّث أحيانًا عن جهود دولية للتوسُّط بين الحكومة و"جبهة النصرة" المعارِضة، لكن الهدف من هذا كله هو تجاهل غالبية الويلات الفعلية الناتجة من الحرب المدنية، التي يُعرَف عنها أن أطرافها يتصرفون بعنف أكبر بكثير في ما بينهم بالمقارنة مع ما يحدث في الحروب التقليدية ضد الأجانب.
صحيح أن الوضع في سوريا أصبح شديد الشبه مع الوضع القائم في حروب أهلية أخرى، حيث يُسجّل صراع حتى النهاية بين عدوين ساخطَين، يُقتل في سياقه الأسرى بدلًا من أن يُسجَنوا بالطرق المناسبة، ولا فرق فيه إن تأذَّى الرجال والنساء والأطفال.
والأسوأ من هذا كله أنه صراع يحارب فيه جميع المقاتلين بالوكالة، وفي هذه الحالة بالنيابة عن مجموعتَين من الدول الأجنبية والإقليمية النافذة، وكلها دول تتوق لاستغلال الفرصة واختبار طرق جديدة لاستعراض قوتها وبث الدهشة لدى شعوبها بدهائها السياسي وقوتها.
ليس مستبعَدًا أن توصل تركيبة معينة، تضعها القوى الخارجية المهتمة، إلى هدنة، وأن توصل هذه الهدنة إلى محادثات بالغة الأهمية حول تسوية مستقبلية. لكن ثمة احتمال مماثل، إن لم يكن أكبر، بأن تتشتت البلاد إلى دويلتين منقسمتين، فيحكم بشار الأسد دويلة تمتد على طول الساحل، وتحكم مجموعة أخرى المناطق الداخلية الممتدة بين دمشق وحلب. ففي النهاية، هذه هي الطريقة التي انتهى بها عدد من الحروب الأهلية في القرن العشرين في إيرلندا، والهند، والهند الصينية، وإلى ما هنالك، في وقت لم يتوافر فيه أي مخرج محتمل آخر من المستنقع.
قد يكون التوصُّل إلى نتيجة من هذا القبيل الصفة المميزة لإرث الأسد، القائم على نظام حكم علوي وراثي، لا يجرؤ التخلي عن السلطة ما لم يتم نفيه أو حتى تدميره على يد قوات سوريا أخرى. وعلى رغم أن احتمال ترك مكان للعلويين ضمن نظام سياسي جديد خاضع للمراجعة، لا شك في أن كثيرين سيدرسون ما سُمّي في الماضي، في سياق القضية الإسرائيلية – الفلسطينية، بحل الدولتين.
حتى أن كاميرون قد يكون من بين مؤيدي هذا الحل، إذا تمكن من استخراج دروس فعلية من الإرث الاستعماري البريطاني، وأولها وأهمها أن التاريخ شهد عددًا من المناسبات، حيث عجزت القوة، شأنها شأن الإقناع، عن توحيد صفوف عدد من قيادات المجتمعات المشكوك في أمرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة