كل ذلك أدى بهذا الحزب إلى التقدم؛ لأن جزءًا مهمًا من الشعب الفرنسي يتخوف من الإسلام ومن ربط المتطرفين المجرمين أعمالهم بالجهاد الإسلامي
تقدم حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي المتطرف في الدورة الأولى من انتخابات المناطق ليس مفاجأة، فالناخب الفرنسي الذي ذهب ليصوت (ولم يكن بكثرة إذ إن نصف الناخبين فقط شاركوا في الاقتراع) سئم من وعود طبقة سياسية مكونة من حزبين أساسيين تقليديين، الاشتراكي الحاكم مع رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند وحزب الجمهوريين اليميني الديغولي الذي يرأسه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، فشلا في العمل على تحسين حياة المواطن الفرنسي، فالبطالة الكارثية في فرنسا والوضع الاقتصادي المتدني وتدفق اللاجئين، ليس من سوريا والعراق فقط ولكن من جميع أنحاء أوروبا الشرقية وآسيا، مع تدهور الأمن إضافة إلى صدمة الهجوم الإرهابي الذي أسقط ١٣٠ قتيلًا في باريس تبنته مجموعة الإجرام «داعش»، كل ذلك جعل الناخب الذي توجه للاقتراع يقرر اختبار حزب لم يحكم يومًا فرنسا، فقال ناخب «الجبهة الوطنية» لنفسه، لقد جربنا الحزبين الأساسيين وكذبا علينا بعدم تنفيذ وعودهما في الحملات الانتخابية العديدة، فلنجرب هؤلاء الذين يتحدثون بلهجة شديدة حول رفض الهجرة وإغلاق الحدود والتنديد بالتقاليد الإسلامية وعدم قبول الجنسيات المزدوجة واللعب على تبديد مخاوفنا، والعامل الآخر الذي أدى إلى هذا التقدم أن رئيسة الحزب مارين لوبن ابتعدت بعض الشيء عن كلام والدها جان ماري لوبن ونهجه واختلفت معه، واعتمدت أسلوبًا أكثر مهارة في جذب المواطن الفرنسي بإقناعه أن لديها الحلول لهواجسه الأمنية والاقتصادية، في حين أنها لا تملك أي خبرة كونها لم تحكم فرنسا يومًا وحزبها لم يكن يومًا ممثلًا في الحكومة، ولوبن الابنة نشطت في الحزب وإلى جانبها مسؤول ماهر إعلاميًّا وطموح هو فلوريان فيليبو الذي أتى من القطاع العام الفرنسي، ومن حزب اليمين الديغولي وتسلم مركزًا أساسيًّا كيدها اليمنى، وعمل الكثير لنزع صورة الحزب لدى الناس في فرنسا بأنه حزب شيطاني، فقد أقنع البعض بالتحول إليه لأن الأحزاب التقليدية فشلت. ولوبن تحالفت مع ابنة شقيقتها ماريون ماريشيل لوبن وهي في الخامسة والعشرين من العمر، ومن أصغر نواب البرلمان الفرنسي وجدها هو جان ماري لوبن ووالدها الصحافي الراحل روجيه أوك الذي كان رهينة في لبنان، وماريون لوبن جميلة تمكنت من الفوز الباهر في منطقة كوت دازور، حيث حصلت على ٤٠ في المائة من الأصوات سابقة بأشواط صديق ساركوزي الحميم كريستيان استروزي الذي بقي لسنوات عمدة نيس، وركزت ماريشال لوبن على الهجرة وأحدثت زوبعة يومًا عندما قالت، إن بإمكان المسلمين أن يكونوا فرنسيين فقط إذا اتبعوا تقاليد وأساليب العيش الفرنسية مضيفة «لسنا في أرض الإسلام».
كل ذلك أدى بهذا الحزب إلى التقدم لأن جزءًا مهمًا من الشعب الفرنسي يتخوف من الإسلام، ومن ربط المتطرفين المجرمين أعمالهم بالجهاد الإسلامي، فأصبح التعامل مع الإسلام وخمسة ملايين مسلم فرنسي حديث الساعة في تحليلات الإعلام الفرنسي، إضافة إلى تعب الناس من الحكم الحالي وفشل نيكولا ساركوزي ومحاولته منع صعود مرشح آخر من الحزب أكثر شعبية هو آلان جوبيه الذي بإمكانه القيام بالإصلاحات المطلوبة، هذه العوامل أدت إلى تقدم حزب «الجبهة الوطنية» الذي تبين أنه لم يعد يخيف كثيرين من الناخبين الفرنسيين الذين أصبحوا يقولون من دون إدراك خطورة التجربة: فلنختبر «الجبهة الوطنية» فربما تكون أفضل في الالتزام بوعودها، من دون أن يأخذوا في الاعتبار أن هذا الحزب لم يمارس يوماً الحكم ومعرفته بالاقتصاد كارثية حتى أن مارين لوبن كانت حتى فترة قصيرة تطالب بالخروج من اليورو، ثم توقفت عن هذه المطالبة؛ لأنها عرفت أن مثل هذه المجازفة ستكون مكلفة جدًّا لفرنسا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة