لم أقتنع يوما بأن أزمة مصر في عدد سكانها، رغم أن العهد البائد كان دائما يردد هذه المقولة ويتساءل من أين نطعمكم.
لم أقتنع يوما بأن أزمة مصر في عدد سكانها، رغم أن العهد البائد كان دائما يردد هذه المقولة، ويتساءل من أين نطعمكم وأنتم تزدادون كل دقيقة.. كنت أتساءل من أين تأكل ملايين الصين والهند وإندونيسيا.. ومن أين يأكل الشعب الياباني وهو يعيش في مجموعة جزر متناثرة.. وكيف تبيع شركة واحدة في سنغافورة أو كوريا أو ماليزيا موبايلات وسلعا استهلاكية بآلاف الملايين من الدولارات، وكنت أتساءل إذا كانت لدينا مشكلة في الطعام فكيف كان الساحل الشمالي وحده يوفر الغذاء والقمح لكل الحضارات التي عبرت على مصر.
وكنت أقول وأين ذهبت المليارات التي اقترضناها في ثلاثين عاما، وتجاوزت 2,6 ترليون جنيه، وأين ذهبت حصيلة بيع القطاع العام.. وأين ضاعت المعونات الخارجية من أمريكا وأوروبا والدول العربية في حرب الخليج الأولى والثانية، وأين ذهبت أموال البترول والسياحة والصادرات من السلع المصرية، وأين ذهبت حصيلة الضرائب وبيع الأراضي وغيرها.
ما زلت أعتقد عن يقين أن مصر ليست دولة فقيرة ولكن الفقر الحقيقي في الضمائر، وأن لدينا من الموارد ما يكفينا إذا توافرت منظومة العدالة، كيف يقال إن مصر فقيرة ولدينا هذه المساحات من الشواطئ، ولدينا كل هذه الآثار، ولدينا 60 مليون شاب لم نقدم لهم التعليم المناسب والعلاج المناسب والتربية المناسبة، ولهذا أصبحوا عبئا علينا رغم أنهم السند الحقيقي لكل مظاهر البناء والتنمية في دول أوروبا، يتحدثون عن مجتمعات شاخت وترهلت.
كانت الثروة البشرية يوما أهم ثروات مصر، ومن هذه الأرض خرجت عبقريات أضاءت العقل العربي كله بالعلم والفكر والفن والمواهب والإبداع.. أين ضاع ذلك كله؟ ومن المسؤول عن تجريف العقل المصري بحيث لم يعد لدينا غير قصة واحدة نرددها عن زيادة السكان والبشر؟ هؤلاء السكان هم الذين يحولون لمصر سنويا 18مليار دولار هي حصيلة تحويلات أبنائنا في الخارج، وهى أعلى إيرادات تصل إلى مصر بالعملات الصعبة.
ابحثوا عن الأسباب الحقيقية للأزمة المصرية.. إنها تتركز في ثلاثة جوانب لمن أراد أن يبحث.. مجتمع يعمل وينتج، وإدارة أمينة تواجه بحسم قضايا الفساد، وانتماء حقيقي لهذا الوطن الذى كنا يوما نحبه حين كانت مصر لنا جميعا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة