أدى اكتشاف حقل الغاز المصري "شروق" في الصيف الماضي، إلى بروز تغييرات مهمة في صناعة غاز شرق المتوسط الفتية.
أدى اكتشاف حقل الغاز المصري «شروق» في الصيف الماضي، إلى بروز تغييرات مهمة في صناعة غاز شرق المتوسط الفتية، وإضافة إلى هذا الاكتشاف، هناك أيضاً البلبلة في صناعة الغاز الإسرائيلية هذه السنة حول دور الشركات النفطية، وأدى العاملان إلى اضمحلال دور إسرائيل القيادي للصناعة الغازية في شرق المتوسط، فبدلاً من توجّه صادرات المنطقة شمالاً إلى تركيا عبر المنظومة الإسرائيلية، ومن ثم إلى الدول الأوروبية، كما كان التصوّر قبل «شروق»، تغيرت الصورة، بحيث إن الاتجاه الآن هو تصدير الإمدادات المتوافرة الى أوروبا من خلال مصر، ومن ثم تشييد خط أنابيب بحري عبر المياه الليبية إلى إيطاليا، لإمداد سوقها والربط بالشبكة الأوروبية، كذلك، يجري التخطيط لربط الحقول الغازية الإقليمية الصغيرة بمنظومة «شروق». وفي حال تحقيق هذه الخطوة، ينفتح المجال لاستثمار الحقول الصغيرة اقتصاديا، وتعني هذه الخطوة اشتراك الدول الإقليمية مع مصر، بالتعاون مع شركة «آيني» النفطية الإيطالية لتنفيذ هذه الأهداف الطموحة، كما أن الاتجاه هو الاستثمار في الطبقات الجيولوجية، في كل من مصر وقبرص، المشابهة لاكتشاف «شروق».
استلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ملف الطاقة مباشرة بعيد انتخابات «الكنيست» في ربيع هذا العام، وتفرّغ مستشاروه الاقتصاديون لتغيير قرار رئيس هيئة مكافحة الاحتكار، الذي طالب بتقليص هيمنة «كونسورتيوم» شركة «نوبل إينرجي» الأميركية و «ديليك» الإسرائيلية، الذي اكتشف معظم الحقول في المياه الشمالية، وتكمن حجة اللجنة في أن «الكونسورتيوم» مسيطر على غالبية الإمدادات للسوق المحلية، فيمكنه فرض سعر الغاز ومن ثم الكهرباء، ما يضرّ بمصالح المستهلك، وطالبت اللجنة بأن يبيع أعضاء «الكونسورتيوم» جزءا من أسهمهم في الحقول الكبيرة مثل «تامار» و «ليفايثان»، إضافة إلى بعض الحقول الصغيرة، لكسر هذه الهيمنة، وعارض نتانياهو هذا الاقتراح، واستبدله بتوصيات أخرى، بعد استقالة رئيس اللجنة، لكن اكتشاف «شروق» طغى على نجاح سياسة نتانياهو.
طرأت تغيرات مهمة على الصناعة الغازية الإسرائيلية وتوجّهاتها خلال النصف الثاني من العام الحالي، حيث تسلّم نتانياهو ملف الغاز مباشرة، وأول ما حصل هو تغيير أولويات التصدير لمصر والأردن والسلطة الفلسطينية، التي وُقعت اتفاقات ومذكرات تفاهم للتصدير إليها، وتغيّرت الصورة جذريًّا بحيث ألغيت معظم الاتفاقات على ضوء الفوضى التي عمّت صناعة الغاز الإسرائيلية، وانكسر احتكار التصدير الإسرائيلي لهذه الأطراف العربية، بل انفتح المجال الآن إما للاعتماد على النفس في المدى البعيد، بخاصة لمصر، أو تنويع مصادر استيراد الغاز، كما هي الحال مع الأردن، إذ تعاقدت عمّان مع شركة «رويال داتش شل» لاستيراد الغاز القطري، كما بدأت محاولات لاستغلال حقل «غزة مارين» في أراضي السلطة الفلسطينية، بحيث في حال نجاح المفاوضات، يتم الاستغناء عن استيراد الغاز الإسرائيلي لمحطة جنين التي يتم تشييدها.
تبنى نتانياهو سياسة بيع شركات «الكونسورتيوم» أسهمها إلى شركة «آيني» في حقلي «كاريش» و «تنين» البالغ مجموع احتياطهما 3 تريليونات قدم مكعبة، وتكمن أهمية الحقلين أولاً في موقعهما، الأقرب إلى المياه اللبنانية، وثانياً، يشكّل اشتراك «آيني» خطوة مهمة، فهي المرة الأولى التي تساهم فيها شركة نفطية دولية في صناعة الغاز الإسرائيلية، وهو هدف قديم طالما سعت إليه إسرائيل، ويشجّعه نتانياهو الآن، والمجال مفتوح لشركة «آيني» لتزويد السوق المحلّية بالغاز، وتصديره عبر منظومة «شروق».
كما بادرت «نوبل» إلى بيع نسبة من حصتها في حقل «أفرودايت» القبرصي إلى شركة «بي جي» البريطانية، ويقدّر احتياط «أفرودايت» بـ4.5 تريليون قدم مكعبة، وتعتبر مشاركة «بي جي» مهمة، إذ أنها شريك في مصنع مصري لتسييل الغاز في «إدكو» التي تبعد 50 ميلاً شرق الإسكندرية، لكن نظراً لأزمة إمدادات الغاز المصرية الراهنة، فالمصنع لا يعمل بكامل طاقته، وفي حاجة إلى إمدادات إضافية.. لذا، فإن مشاركة «بي جي» تمنح الفرصة لحقل «أفرودايت» لتلبية الاستهلاك الداخلي القبرصي المحدود، والتصدير عبر «إدكو» من دون إنفاق بلايين الدولارات لتشييد مصنع جديد لتسييل الغاز.
في الوقت ذاته، لم تستطع إسرائيل الحفاظ على عقود التصدير للأطراف العربية، فقد رفض كلّ من مصر والأردن وفلسطين الاتفاقات ورسائل النوايا، ويُذكر أن أهمية هذه الاتفاقات لا تكمن في حجم الإمدادات، بل في تمكّن إسرائيل من الاستحواذ على تصدير الغاز للدول المعنية على مدى 25 سنة تقريباً، وعلى حصول الشركات العاملة لديها على ضمانات تقدّمها للمصارف للحصول على قروض لتطوير الحقول، لكن ألغيت معظم هذه الاتفاقات، إلا أن إسرائيل لا تزال تحاول الحصول على عقود جديدة مع مصر، فالموضوع استراتيجي بالنسبة إليها، وقرّرت مصر إبطال كل العقود، إلا أنها وقعت خطاب نوايا للاستيراد من «ليفايثان»، كما قرّر الأردن الاستمرار في استيراد الغاز الإسرائيلي لمصانع الفوسفات في جنوب البحر الميت، لكن توقف العقد الضخم مع شركة الكهرباء الأردنية، وبدأ استيراد الغاز القطري من طريق شركة «شل»، كما ألغت السلطة الفلسطينية استيراد الغاز الإسرائيلي لمحطة كهرباء جنين، وهناك محادثات أولية لفك الحصار عن حقل «غزة مارين» لاستعمال الغاز من جانب السلطة وإمكان تصديره إلى الأردن.
تطمح «آيني» إلى تجميع الغاز من الحقول المجاورة، من قبرص أو إسرائيل أو طبعاً حتى من مصر نفسها، وتبلغ مدة تطوير «شروق» سنوات عدة، إذ لا يتوقع الانتهاء من مرحلة التطوير قبل نهاية هذا العقد، وبما أن لدى مصر عجزاً غازيًّا كبيراً في المرحلة الحالية، ستحتاج خلال هذه الفترة الانتقالية، ولسنوات أخرى، إلى استيراد الغاز لتلبية التزاماتها الداخلية والخارجية.
كما سيبرز دور مصر في صناعة الغاز الإقليمية لحيازتها مصنعين لتصدير الغاز المسال في «إدكو»، ودمياط في حاجة إلى الغاز، فبدلاً من أن تنفق إحدى الدول البلايين لبناء مصنع للغاز المسال، من الممكن استعمال الطاقة الاستيعابية المتوافرة في مصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة