باقتراحه منع دخول المسلمين إلى أمريكا، سقط ترامب في اختبار الرأسمالية التي يقوم مشروعها على السماح بدخول الأفراد والأموال إلى أمريكا.
بالسعي إلى إغلاق أبواب أمريكا في وجه المسلمين سقط دونالد ترامب في أول اختبار فلسفي كبير يواجهه كرئيس محتمل.
فقد أصبح أكبر اقتصاد في العالم على ما هو عليه الآن بفضل عوامل منها أنه كان مفتوحًا أمام التدفقات المالية وأمام الناس بمن فيهم القادمون من العالم العربي. ويبدو أن الملياردير ترامب لا يستوعب أن الرأسمالية التي أثْرته تعتمد على الانفتاح.
فكروا أولا في الاعتماد المتبادل على الصعيد المالي، فالدولارات التي تستثمرها في سندات الدين الأمريكية الدولُ الغنية بالنفط في الشرق الأوسط ساعدت في تمويل العجز الأمريكي الهائل، كما أن الدول المصدِّرة للنفط ومنها دول إسلامية كانت رابع أكبر مشترٍ لسندات الخزانة الأمريكية حتى نهاية سبتمبر/ أيلول، وفقًا لبيانات وزارة الخزانة.
كان ترامب يقصد الناس لا المال بالدعوة إلى إغلاق الحدود، لكن من الصعب تصور إغلاق الباب أمام طرف دون إبعاد الآخر.
كذلك فإن شركات أمريكية مثل مجموعة "سيتي جروب" و"تويتر" استفادت من ضخ رأس المال العربي، ولو تجمدت الأموال القادمة من العالم الإسلامي لاستغرقت الولايات المتحدة وقتًا أطول في الخروج من الأزمة المالية.
وفي الوقت نفسه كان ترامب من المستفيدين المباشرين من جيوب في الشرق الأوسط تحتضن الصيغة الأمريكية من الرأسمالية القائمة على السوق الحرة والتي تعتمد على انتقال الناس.
من جانب آخر، ما حدث من دونالد ترامب زاد المهمة الصعبة أصلا صعوبة في نظر الحزب الجمهوري، فعلى مدى سنوات حرص الجمهوريون -يدعمهم في ذلك بعض المتبرعين من ذوي النفوذ- على استمالة أصوات اليهود الأمريكيين الذين يعتبرون أمن إسرائيل همهم الأكبر.
وقبل أقل من أسبوع وقف عدد من الساعين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة أمام مجموعة من المحافظين اليهود في واشنطن طلبًا لدعمهم وأعلنوا تضامنهم مع الدولة اليهودية.
لكن جمهوريين بارزين قالوا إن الاقتراح الذي طرحه ترامب لمنع دخول كل المسلمين الأجانب إلى الولايات المتحدة قلب الأمر رأسًا على عقب، وأصبحت العيون تنظر بقلق إلى زيارته المرتقبة لإسرائيل التي كانت مقررة في ديسمبر/ كانون الأول، قبل أن يتم إرجاؤها.
وقال نورم كولمان، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية مينيسوتا وعضو مجلس التحالف الجمهوري اليهودي، لـ"رويترز": "ما من شك أن هذا غير مفيد."
وقال لي كوان، خبير الاستراتيجية الجمهورية: "الطائفة اليهودية بصفة جماعية لديها ذاكرة مؤسسية وندوب مؤسسية من أحداث سابقة في التاريخ تعرضت فيها جماعة للاضطهاد بناء على الدين وحده." وأضاف أن ترامب يُلحق الضرر بالحزب.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري دعا ترامب الذي يتقدم سباق الجمهوريين الساعين للفوز بمقعد الرئاسة في الانتخابات التي تجري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، إلى فرض حظر يمنع المسلمين بمن فيهم المهاجرون والطلبة والسياح من دخول الولايات المتحدة في أعقاب حادث إطلاق اثنين من المتطرفين المسلمين النار على حفل مما أدى إلى سقوط 14 قتيلا في كاليفورنيا.
قيادات يهودية تراجع نفسها
وأثار اقتراحه إدانات من زملاء له في الحزب الجمهوري ومن الديمقراطيين والبيت الأبيض وجماعات حقوق الإنسان وحكومات أجنبية ومتشددين في سوريا بل ومن مارك زوكربرج الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك".
وقال بعض اليهود من الجمهوريين أيضا إنهم لن يؤيدوا ترامب بعد الآن. وتحدثت "رويترز" مع خمسة منهم كانوا يؤيدون الملياردير ترامب حتى يوم الأحد لكنهم أعادوا التفكير في موقفهم منذ ذلك الحين.
وقال بول كوهين، 59 عاما، الذي تقاعد قبل سبع سنوات من منصب إداري في شركة "إنتل": "موقفه تجاوز الحد المعقول بالنسبة إليّ. وأنا أفكر في خيارات ثانية مثل تيد كروز، وهو ما لم أكن أفعله من قبل."
وفي حين شعر المسؤولون الأمنيون في الولايات المتحدة بالقلق خشية أن تضر تصريحات ترامب بمساعي مكافحة الإرهاب على المستوى العالمي، فقد أبدى الجمهوريون قلقًا ثانويًّا يتمثل فيما إذا كان حديث ترامب سيدفع بمزيد من الناخبين اليهود إلى تأييد الحزب الديمقراطي.
وفي الحملة الانتخابية عام 2008 حصل باراك أوباما على 78% من أصوات اليهود. وبعد أربع سنوات حاول المرشح الجمهوري ميت رومني دقّ إسفين بين هؤلاء الناخبين وبين أوباما بمهاجمة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، موضحا أنه سيكون شريكا أكثر ولاء لإسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
وحصل أوباما في نهاية الأمر على 69% من أصوات اليهود وأُعيد انتخابه. ومع ذلك فقد كان أداء رومني أفضل من أي مرشح جمهوري على مدى ربع قرن.
aXA6IDE4LjE4OS4xODYuMjQ3IA== جزيرة ام اند امز