"البريكسيت" بعيون ستيفن هوكينج: كراهية وعنصرية جماعية
تقرير يرصد الآراء السياسية لستيفن هوكينج، العالم البريطاني الرائد في الفيزياء النظرية، وخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي
ستيفن هوكينج، العالم البريطاني الرائد في الفيزياء النظرية، وصاحب المكانة الأكاديمية البارزة في هذا الحقل على مستوى العالم، له ضلع في السياسة، وغالبًا ما تكون آراؤه دعوة لإعادة التفكير في المرجعيات المتحكمة بالمواقف والسياسات، سواء في بلاده أو في الغرب عمومًا.
يحسب هوكينج تقليديًّا على حزب العمال البريطاني، لكن هذا التصنيف ليس دقيقًا، فقيمة هذا الرجل الفكرية والعلمية، أكبر من الحزب، وهي بالتالي تمثل مرجعية يمكن الركون إليها سواء بالنسبة لحزب العمال أو غيره من النخب السياسية والفكرية في أوروبا عمومًا، فضلًا عن أن هوكينج لا يتبنى توجهات حزب العمال بكاملها أو بحرفيتها.
عالم الفيزياء، المصاب بالشلل، نتيجة مرض نادر مبكر الظهور وبطيء التقدم معروف باسم مرض العصب الحركي، كان له مطالعة نقدية عميقة للدوافع والنتائج التي أسفرت عنها حركة الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت" والاستفتاء عليها، داعيًا بلاده بريطانيا إلى إعادة النظر في منظومة قيمها بعد الاستقطاب الذي أحدثتها حركة "بريكسيت"، خصوصًا تلك القيم التي تتحدد بمعايير المال والثروة المادية، وذلك من أجل تعزيز الأمل في المستقبل.
وفي مقال لصحيفة "الجارديان" انتقد الفيزيائي الشهير الأثر الذي أحدثته نتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في تغيير نظرة الناس نحو الثروة وطريقة تحصيلها، وسيادة غريزة الامتلاك على الشريحة الأوسع من المجتمع.
وأبرز هوكينج أن أسوأ أثر قد يحدثه الاستفتاء هو انكماش مصادر التمويل والمنح للأعمال البحثية الأكاديمية، والتي كانت عامل دفع له شخصيًا طيلة حياته المهنية.
ويقول الفيزيائي الشهير في هذا الصدد: "المال مهم بطبيعة الحال؛ لأنه يمثل عامل تحرير للأفراد"، ويضيف "لقد تحدثت في الماضي عن قلقي من أن تخفيضات الإنفاق الحكومي في المملكة المتحدة سوف تقلل من الدعم المقدم للطلاب المعوقين، الدعم الذي ساعدني خلال مسيرتي، في حالتي، وبطبيعة الحال، ساعد المال ليس فقط جعل مسيرتي ممكنة، ولكنه أبقاني عمليًّا على قيد الحياة".
وفي رأيه أن المال يحرر الأفراد، كما أن الفقر يقيّدهم، ويزيد من التحديات أمامهم، على نحو يشكل ضررًا كبيرًا للجنس البشري، فالمال هو مجرد وسيلة لتحقيق غاية، ومن هنا تتحدد قيمته الحقيقية بأن يكون في خدمة مشاريع تعنى بالأجيال المقبلة.
وقال هوكينج، إن معطيات الأفكار والمواقف التي سبقت وتلت الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي كشفت عن حجم الكراهية والعنصرية في أعماق التفكير الجمعي، واصفًا ذلك بأنه "صدمة".
وفي رأيه أن الناس بدؤوا يتشككون في قيمة الثروة الحقيقية المتمثلة في المعرفة والخبرة. وتساءل: هل نحن، كجنس بشري، نستطيع امتلاك كل شيء أو أي شيء، أم إننا مجرد قيمة عابرة؟
وحث هوكينج البريطانيين المنقسمين حول موضوع "بريكسيت" على التحرك لتغيير منظومة قيمهم التي تسببت بهذا الانقسام، محذرًا من أن الجنس البشري يعيش في خضم “أزمنة صعبة”.
وقال "مثل هذه القضايا الملحة تتطلب منا التعاون، كل واحد منا، مع رؤية مشتركة ومسعى تعاوني لضمان أن البشرية يمكن لها البقاء على قيد الحياة، وسوف نحتاج إلى التكيف، وإعادة التفكير، وإعادة تركيز وتغيير بعض الافتراضات الأساسية لدينا حول ما تعنيه الثروة، أو الممتلكات، وكيف ننظر إلى الأنا والآخر، تمامًا مثل الأطفال، سيتعين علينا أن نتعلم قاعدة المشاركة".
وأضاف "إذا فشلنا، فإن القوى التي ساهمت في Brexit، ودفعت بغريزة الحسد والانعزالية إلى الأمام، سوف تنشر مفاهيمها ليس فقط في المملكة المتحدة ولكن في جميع أنحاء العالم، فتسقط التعريفات المشتركة للثقافة والثروة، ونرجع بالتالي إلى تعريفات ضيقة انقسامية، سواء داخل المجتمعات الوطنية أو عبر الحدود، وإذا حدث ذلك، فلن أكون متفائلًا بشأن التوقعات طويلة الأجل لجنسنا البشري".
هذا التحذير الذي يطلقه ستيفن هوكينج، والذي يأخذ جدارته آراء صاحبه السياسية المتميزة دائمًا، والمتفردة في جرأتها، يبدو وكأنه مدماك جديد يضيفه الفيزيائي المعوق إلى بنيانه الفكري المتمحور حول مصير العالم.
هوكينج المناضل ضد حرب فييتنام منذ ستينيات القرن الماضي، والمعارض بقوة للحرب الأمريكية في العراق، والمندد بالسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين (قاطع مؤتمرًا في إسرائيل لهذا السبب)، كم شارك في حملة نزع السلاح النووي، وغالبًا ما يطلق تحذيرات أو تنبؤات حول الكارثة التي ستحل بالعالم، وهو يعزوها دائمًا إلى الاستمرار في تحقيق تقدم في العلوم والتقنيات بمعزل عن منظومة قيمية مرافقة.
سبق أن قال هوكينج في محاضرة ألقاها على موظفي هيئة الإذاعة البريطانية قبل أشهر، إن البشرية قد تقضي على نفسها بنفسها، وذلك بواسطة أسلحة التدمير الشامل التي ازدادت قدرتها مئات بل آلاف الأضعاف وأصبح انتشار هذه الأسلحة قضية عالمية.
وفي رأيه أن الطابع العدواني للإنسان البدائي ساعده في الحصول على الطعام وكسب مساحات جديدة للصيد أو شريكة لمواصلة نسله، وها هو هذا الطابع يهدد الآن البشرية بالقضاء عليها.
في رأي هوكينج أيضًا أن الهندسة الجينية وتطوير الفيروسات أمر أخطر من الأسلحة النووية ذاتها؛ لأن إنتاج أسلحة التدمير الشامل يحتاج إلى مصانع كبرى وتقنيات متطورة، بينما يمكن تعديل جينات وإنماء فيروسات في مختبر صغير غير قابل لفرض مراقبة عليه.
وبناءً على المقارنة بين رؤى ستيفن هوكينج السياسية، وآرائه العلمية، يبدو من الواضح أنه يستخدم منهج دراسة واحد في كلا الحقلين، فهل يستطيع العلماء والأكاديميون، من أمثال ستيفن هوكينج، أن يقدموا للعالم صيغة عيش ووعي وتقدم أفسدها السياسيون والجنرالات والتجار؟