"عرب 48".. صراع البقاء في مواجهة العنصرية الإسرائيلية
يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة يمثلون قرابة 20% من سكان إسرائيل
لا يتوقف التحريض الإسرائيلي ضد عرب 48 الذين يبذلون أقصى جهدهم للحفاظ على هويتهم العربية رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه
يصارع "عرب 48"، البقاء والتمسك بالهوية الوطنية داخل إسرائيل، في ظل تحريض إسرائيلي لا يتوقف، وعنصرية متعددة الأبعاد والأشكال، لم تحل دون حفاظهم على كينونتهم وهويتهم وانخراطهم مع باقي الفلسطينيين في التصدي للقضايا الكبرى، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه.
وخلص تقرير حقوقي صدر اليوم بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان -الذي يحتفل به في العاشر من ديسمبر/كانون الأول من كل عام- إلى أن إسرائيل وصلت إلى ذروة جديدة في العنصرية والتحريض، وظهور ديمقراطيتها والمجتمع الإسرائيلي بمنتهى الضعف.
وعبرت جمعية "حقوق المواطن" -التي أعدت التقرير، وتلقت "بوابة العين" نسخة منه- عن قلقها إزاء الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، فيما يتعلق بالعنصرية الإسرائيلية، لافتة إلى أن أغلب تلك العمليات تمت بدعم وإثارة التصريحات العلنية التي أدلت بها شخصيات عامة إسرائيلية والتحريض العنصري على الشبكات الاجتماعية.
مظاهر الإقصاء والتمييز
ورصد التقرير عدة ظواهر إقصاء وتمييز يتعلق بالأقلية العربية في إسرائيل، لافتة إلى أن مظاهر ذلك تمثلت في تحذير فنادق من مستجمين عرب، ومشروع إسكان يعد أصحابه المشترين المحتملين ألا يبيعوا شققًا للعرب، وشركة لتأجير السيارات تميز زبائن عرب، إضافة إلى التمييز في مجال التوظيف وغيرها.
وكما هو الحال في الأعوام السابقة، دعم ساسة إسرائيليون ظواهر العنصرية والإقصاء في تصريحاتهم.
ويعيش نحو 1.8 مليون فلسطيني داخل بلداتهم التي احتلتها إسرائيل عام 1948، يمثلون قرابة 20% من سكان الدولة العبرية حاليا، حسب إحصاءات رسمية.
ويظهر التقرير صورة قاتمة لواقع المواطنين العرب البدو في النقب؛ "إذ إن عام 2015 لم يبشر بحدوث تغيير في السياسة التمييزية ضدهم في مجال الأراضي والتخطيط".
ومن مظاهر هذا التمييز "هدم المنازل متواصل ولا توجد أي علامات لتعزيز سياسة تخطيط منصفة ومشارِكة في النقب، ويوضح ذلك الحُكمان اللذان صدرا هذا العام بما يخص قرية أم الحيران وأراضي العقبي".
الفقر مؤشر التمييز
وكانعكاس للتمييز داخل إسرائيل فيما يخص الأقلية العربية، يبدو الفارق في نسبة الفقر بين الوسطين العربي واليهودي.
وتتعدد التسميات التي تطلق على الفلسطينيين الذين بقوا في قراها وبلداتهم التي احتلتها إسرائيل عام 1948، فهناك من يسميهم عرب إسرائيل، وهناك من يسميهم فلسطيني الداخل، أو الأقلية العربية في إسرائيل، بالإضافة إلى عرب 48.
وبين التقرير السنوي لمؤسسة الضمان الاجتماعي "الإسرائيلي" لعام 2014، الذي نشر أمس الأربعاء، أن نسبة الفقر في وسط العائلات العربية قد ارتفع، وأن أكثر من نصف العائلات العربية تعيش تحت خط الفقر.
وأظهر التقرير أن أكثر من نصف العائلات العربية فقيرة، كما أن نسبة العائلات العربية الفقيرة قد ارتفعت أيضا مقارنة بالعام الأسبق، وارتفعت نسبة العائلات العربية الفقيرة من 51.7% عام 2013 إلى 52.6% في عام 2014.
وأوضحت المعطيات أن معدل الفقر العام للعائلات العربية (تلك التي لديها أطفال)، والتي تشكل أكثر من نصف عدد العائلات الفقيرة، قد ارتفع من 23% عام 2013 إلى 23.3% عام 2014.
وحسب الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية يشكل المسلمون حوالي 83% من العرب في إسرائيل، و9%-10% من المسيحيين و8% دروز
. يقدر عدد مواطني إسرائيل العرب والحائزين على مكانة "مقيم دائم" بما يقارب مليونا و413 ألفا و500 نسمة بالإضافة إلى فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، أي أن 19.87% من السكان الإسرائيليين ،وهم يقيمون في خمس مناطق رئيسية: الجليل، المثلث، الجولان، القدس وشمالي النقب.
حظر وتحريض
وضمن التضييق على فلسطينيي الداخل، أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قرارًا بحظر الحركة الإسلامية، الجناح الشمالي، بعد اتهامها بالتحريض حول الانتفاضة الحالية والإجراءات اليهودية في القدس.
وتنشط الحركة بشكل كبير في تنظيم فعاليات وتسليط الضوء على الإجراءات الإسرائيلية التي تمس المسجد الأقصى.
ومطلع الأسبوع الجاري بثت القناة الإسرائيلية العاشرة، تقريرًا تحريضيا ضد التجمع الوطني الديمقراطي وحمله مسؤولية التصعيد والتطرف في الداخل، في ظل الهبة الشعبية المندلعة منذ نحو شهرين.
وشهدت بلدات الداخل الفلسطينية تظاهرات ومواجهات واسعة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الحالية مطلع أكتوبر الماضي، تخللها إصابات واعتقالات واسعة.
عقود من العنصرية
وأكد الباحث الفلسطيني سليمان أبو إرشيد، أن جملة الإجراءات الإسرائيلية على مدار عقود، وصولا إلى حظر الحركة الإسلامية تعكس حجم العنصرية الإسرائيلية، وعدم تقبلها هذا الوجود الفلسطيني.
وقال أبو رشيد، لـ"بوابة العين": "جماهيرنا (في الداخل) عاش تداعيات زمن النكبة وقهر سنوات الحكم العسكري، وما زالت تصارع البقاء وسط أجواء التحريض الدموي ودعوات التهجير التي يطلقها متطرفون يهود".
وأشار إلى أن القوى الفلسطينية في الداخل، شقت طريقها وطورت بشق الأنفس أدوات عملها السياسي والاجتماعي وبنت مؤسساتها الوطنية في سياق صراع مرير ومتواصل مع المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية التي حاولت، وما زالت، وضع العصى في دواليب هذه المسيرة ومنع تطور مسارها باتجاه الالتحام بشعبنا وقضيته والتواصل مع فضائنا العربي الإسلامي.
ورأى أن نتنياهو وحكومته يسعون من خلال القرارات الأخيرة والتحريض "لإعادة رسم حدود العمل السياسي لجماهير 48 التي شبت عن الطوق والتحمت بعمقها الفلسطيني وفضائها العربي الإسلامي، بعد أن كسرت حواجز الخوف وقيود الأسرة".
الخطر الديمغرافي
وفي ظل التخوفات الإسرائيلية من النمو الديمغرافي لفلسطينيي 48، سنت إسرائيل قانون يهودية الدولة، لتقطع الطريق على أي نمو سكاني أو تغير ديمغرافي يمكن أن يحدث.
وبنتائج معاكسة لما دأبت الدراسات الإسرائيلية، ترويجه، أكد الباحث الفلسطيني سعيد سليمان، في ورقة بحثية بعنوان "التحولات الديمُغرافية لدى السكان العرب في إسرائيل"، وجود انخفاض في نسبة الولادة الفلسطينية.
ووفقا لنتائج الدراسة فإن هناك انخفاضًا في نسبة الولادات وانخفاضًا في نسبة الأولاد دون سن الـ14 لدى السكان الفِلَسطينيين العرب في إسرائيل. هذا إضافة إلى ارتفاع سن الزواج وانخفاض نسبة الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق، خصوصًا لدى السكان المسلمين، وتراجع في معدلات الولادة والخصوبة، وارتفاع في توقع البقاء على قيد الحياة.
وقال سليمان لـ"بوابة العين": معنى ذلك أننا نتحدث عن تحول بطيء لكنه متواصل نحو مجتمع متطور يبنى مظاهر ديمُغرافية حداثية.
وأضاف أن "ذلك يأتي خلافًا للدراسات الإسرائيلية، التي تتعامل مع المسألة الديمُغرافية لدى السكان العرب الفِلَسطينيين في إسرائيل باعتبارها تمثل قنبلة موقوتة وخطرًا أمنيا يهدد الكيان الصهيوني في دولة إسرائيل، وتشكل خطرًا على الحيز اليهودي العام.
كان هذا التخوف جعل بعض السياسيين والأكاديميين وكذلك الجمهور الواسع في إسرائيل، يطالبون بوضع حد لمشكلة الزيادة السكانية لدى العرب، أو هندسة الديمُغرافيا بوسائل شتى، من جملة ذلك تشجيع خروج النساء العربيات لسوق العمل وتكثيف البناء في البلدات العربية.
aXA6IDE4LjIyNC41NC42MSA=
جزيرة ام اند امز