فكيف يُمكن توصيف الوضع الحالي للوكالة، ودورها وسط مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين في ظل الأزمات التي تَضرِبُ أجزاء منه
استطاعت وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «أونروا» أن تَعبُرَ أوليًّا أزمتها المالية الخانقة التي كادت أن تَعصِفَ بها وبوجودها قبل بضعة أشهر، لكن هذا العبور ما زال آنيًا وقلقًا، وما زال عبورًا غير مأمون في ظل عدم انتظام مواردها المالية وسعي بعضهم إلى إحالتها على التقاعد قبل تطبيق القرار الأممي الرقم 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وهو القرار المُرتبط بقيامها، في وقتٍ باتت الوكالة تحتاج إلى مزيد من الأموال لموازنتها من أجل القيام بعملها تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس (سوريا، ولبنان، والأردن، والضفة الغربية والقدس، وقطاع غزة).
فكيف يُمكن توصيف الوضع الحالي للوكالة، ودورها وسط مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين في ظل الأزمات التي تَضرِبُ أجزاء منه، وتحديدًا في سوريا وقطاع غزة؟
نبدأ القول إن وكالة «أونروا» عانت أزمة مالية خانقة في عام 2014 وبدايات عام 2015 وحتى مُنتصفه تقريبًا، إلى درجة كادت أن تُغلِقَ مدارسها في مناطق عملياتها الخمس، تلك المدارس التي تضم نحو نصف مليون تلميذ فلسطيني في التعليم الأساس، كما كادت أن توقف برامج عملها الطارئة والمستعجلة الخاصة بفلسطينيي سوريا وبقطاع غزة.
عبور الوكالة لأزمتها المالية، ما زال عبورًا موقتًا، تَمَ بفضل الاستجابة الأممية السريعة من بعض الدول المانحة، لنداءات الاستغاثة العاجلة التي كانت أطلقتها الوكالة خلال الشهور الماضية، ومنها دول في الاتحاد الأوروبي والخليج العربي؛ غطّت المملكة العربية السعودية ودولة الكويت نصف العجز تقريبًا، فتم عمليًّا إغلاق العجز المالي للوكالة بفارقٍ بسيط، والتحضير للبدء بعامٍ مالي جديد من دون كَسرٍ كبير في موازنتها التي يتوقع أن يبلغ عجزها لعام 2016 قرابة 81 مليون دولار، بعد خفض النفقات بنحو 54 مليون دولار.
يحدث هذا في وقتٍ تنتظر الوكالة مهام كبيرة على صعيد عملها، خصوصًا بالنسبة إلى لاجئي فلسطين في سوريا؛ حيث لَحِقَ الضرر الكبير وشبه التام بأكثر من ستين في المئة من منشآت الوكالة وبنيتها التحتية من مدارس ومستوصفات ومراكز خدمية في سوريا، خصوصًا في مخيم اليرموك؛ حيث توجد 38 مدرسة للوكالة وعيادات ومستوصفات طبية عدة، ومراكز للعمل الإغاثي والاجتماعي، وقد دُمِّرَ أو لحق الخراب التام أو الجزئي بمُعظمها.
تتوسع مهام الوكالة يوميًّا على ضوء الأزمة والمأساة الكبرى التي تُحيطُ باللاجئين الفلسطينيين في سوريا، عدا عن الحاجة والفاقة المتزايدة بين لاجئي فلسطين في قطاع غزة الذين يُشكّلون نحو 65 في المئة من عموم سكان القطاع، وفي هذا الصدد قامت الوكالة بدورٍ هام وملحوظ تجاه اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من خلال برامجها للرعاية الاجتماعية وعمليات الإغاثة العاجلة والصحة والتعليم، وتقديم المساعدات المالية المباشرة للعائلات الفلسطينية المنكوبة، والمساعدات التموينية، في شكلٍ دوري مُستديم بحسب عدد أفراد العائلة.
وعلى الرغم من دور الوكالة بين أبناء فلسطين في سوريا، فإن هؤلاء يواجهون اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى هشاشة مُتزايدة في حياتهم اليومية وأوضاعهم الاقتصادية والحياتية، وعزلة مُتنامية، وأزمة طال أمَدُها، ولجوءًا وتهجيرًا ونزوحًا مُتكررًا.. وأجَبَرت تلك الحال القائمة عشرات الآلاف منهم على المغامرة وركوب أخطار البحر والهجرة على قوارب الموت نحو أصقاع المعمورة باتجاهاتها المُختلفة، ومن ثم أصبحوا في حاجة ماسة إلى دور الوكالة ومساعداتها.
تتزايد الحاجة إلى الدور الملحوظ للوكالة وسط مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يستدعي من الجهات الفلسطينية الرسمية والعربية وعلى مستوى الجامعة العربية، التحرك في ميدان المجتمع الدولي لحضه على زيادة منسوب الدعم المالي للوكالة لرفع موازنتها تبعًا لاتساع مهامها كل يوم، والسعي الجاد والحقيقي إلى اعتماد موازنة خاصة للوكالة من الموازنة العامة للأمم المتحدة، وعدم ترك موازنتها تتأرجح تحت رحمة الدول المانحة والمُتبرعين، ومن ثم إغلاق مكامن الضعف والقلق على مستقبل استمرار الوكالة في تأدية عملها، فـ«أونروا» ليست لها موازنة على جدول الموازنة العام لهيئة الأمم المتحدة مثل بقية المنظمات الأممية، بل تتأتى موازنتها من المتبرعين والدول المانحة منذ تأسيسها العام 1949، ومن ثم من الضروري بذل كل الجهود الفلسطينية والعربية من أجل ردم هذه الهوة واعتماد موازنة للوكالة من الموازنة الأممية العامة.
يذكر في هذا السياق أن الجولات الأخيرة للمفوض العام للوكالة بيير كريهنبول على عدد من الدول والعواصم الأوروبية بهدف لفت الانتباه إلى وضع لاجئي فلسطين في الشرق الأوسط إلى جانب الجهود المُستمرة الرامية إلى الاستجابة للتحديات العملياتية والمالية التي تواجه الوكالة في الوقت الراهن.
وتلقى كريهنبول -كما أفادت الوكالة- وعودًا بزيادة الدعم المالي من زعماء رفيعي المستوى في الاتحاد الأوروبي ومن ممثلي الدول الأعضاء، بمن في ذلك المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية نائب رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موجيريني، ومفوض الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات كريستوس ستيليانيديس، والمدير العام لدائرة الجوار ومفاوضات التوسع كريستيان دانييلسون، ونائب الأمين العام لخدمة العمل الأوروبي الخارجي هيلجا شميد وأعضاء لجنة السياسة والأمن.
ونُشير أيضًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يُعَد أكبر مانح دولي مُتعدد الأطراف للمساعدة الدولية للاجئي فلسطين عبر وكالة «أونروا»، إضافة إلى اليابان وكندا والولايات المتحدة ودول الخليج العربي.
وعلى سبيل المثال وخلال الفترة الواقعة بين عام 2007 وحتى عام 2014، تبرع الاتحاد الأوروبي بأكثر من بليون يورو (1.44 بليون دولار) لدعم وكالة «أونروا»، بما في ذلك 809 ملايين يورو من أجل خدمات وبرامج الوكالة الرئيسة، وعلاوة على ذلك، قدم الاتحاد الأوروبي تبرعًا سخيًّا لمناشدات «أونروا» الإنسانية الطارئة ولمشاريعها استجابة للأزمات المتنوعة والحاجات المحددة في مختلف أرجاء المنطقة. كما تُقَدِم الدول الأعضاء في الاتحاد دعمًا إضافيًا للوكالة. وأتاحت الشراكة القائمة بين الاتحاد وبين «أونروا» لملايين من لاجئي فلسطين فرص الحصول على تعليم أفضل وعيش حياة أكثر صحة والوصول إلى الفرص الوظيفية وتحسين ظروفهم المعيشية.
ليس دور «أونروا» إغاثيًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وتعليميًّا فقط على أهميته القصوى، بل هو أيضًا سياسي في المقام الموازي. فالوكالة تَحمِلُ تعبيرًا سياسيًّا يمس قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا في عام النكبة من أرض وطنهم فلسطين بفعل عمليات التهجير والتطهير العرقي، فكان قرار قيامها من قبل المجتمع الدولي ممثلًا بالأمم المتحدة مرتبطًا بالقرار الرقم 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
وعليه، تُعتَبر وكالة «أونروا» من الناحية القانونية والشرعية والدولية والإنسانية الشاهد الأساس والتاريخي على نكبة فلسطين، وقد رَبَطَت هيئة الأمم المتحدة والجمعية العامة مسألة إنهاء عمل الوكالة بتطبيق القرار الرقم 194، ومن ثم يبقى عمل الوكالة وفق القانون الدولي وشرعية الأمم المتحدة موصوفًا بالاستمرارية والاستدامة ما دام هناك لاجئ فلسطيني واحد خارج أرض وطنه التاريخي.
حتى الآن، تهاوت وسقطت كل الجهود الإسرائيلية التي دفعت باتجاه إنهاء عمل الوكالة وتدمير وجود هذا الشاهد التاريخي الحي على نكبة فلسطين، عبر الدعوة إلى تفكيكها وإنهاء عملها، وإحالة مهامها على الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (سوريا ولبنان والأردن) والسلطة الفلسطينية بالنسبة إلى اللاجئين في الضفة الغربية والقدس وغزة، وبرز هذا الموقف الإسرائيلي في شكلٍ واضح بُعيد انطلاقة مؤتمر مدريد في أكتوبر/تشرين الأول 1991، حين تمت إحالة قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة وكذلك مسألة استمرارية «أونروا» على لجنة المفاوضات المتعددة الأطراف التي انتهت عمليًّا وراوحت في مكانها، لكن هذا التهاوي والسقوط لا يعنيان أن المحاولات الإسرائيلية وغير الإسرائيلية لإنهاء عمل الوكالة قد انتهت، بل لا تزال قائمة، ما يفرض الحذر منها، ويوضح أهمية الدور العربي والفلسطيني بالإصرار على بقاء الوكالة واستمرارها وفقًا لقرار قيامها الذي ربط بين إنهاء مهامها وبين تطبيق القرار الأممي الرقم 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرض وطنهم التاريخي.
إن عبور «أونروا» لأزمتها المالية التي كادت أن تخنقها، ما زال عبورًا مؤقتًا، وما زال سيف الأزمات مُسلطًا على الوكالة، ما دامت موازنتها موضوعة تحت رحمة الدول المانحة والمتبرعين، لذلك يتوقع أن نشهد أزمات لاحقة للوكالة، وهو ما سيؤثر في نوعية وجودة خدماتها المقدمة إلى مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا فلسطينيي سوريا الذين يعيشون نكبتهم وتغريبتهم الجديدة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة