لم تستسلم أغلبية المصريين لسياسة «طاعة المرشد» في حكم البلاد حتى بعد أن حاول أصحابها إسباغ رداء الدين عليها.
بذكاء فطري بالغ أطلق المصريون وصف «الخرفان» على الأداء السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في أثناء وجودها في السلطة بعد ثورة 25 يناير 2011، للتعبير عن الرفض الشعبي لفلسفة الجماعة في السلطة القائمة على أساس «طاعة المرشد». ووصف الكثيرون مجلس الشعب الذى استحوذ فيه الإخوان على أكثرية مقاعده بأنه «برلمان الخرفان» بعد أن شاهدوا النواب الإخوان يتسابقون على تقبيل يد مرشدهم محمد بديع.
ولم تستسلم أغلبية المصريين لسياسة «طاعة المرشد» في حكم البلاد حتى بعد أن حاول أصحابها إسباغ رداء الدين عليها وتخويف الشعب من غضب الله إذا سعى لإسقاط «حكم المرشد»، فكان الخروج الكبير في 30 يونيو الذى أنهى مغامرة الإخوان في السلطة بل والسياسة كلها.
وقبل التجربة الإخوانية أسقط الشعب تجربة الحزب الوطني البرلمانية في برلمان 2010 لأنها قامت على أساس «طاعة أمين التنظيم» أحمد عز ومن وراءه على أساس أن الرجل كان صاحب الفضل في هندسة الانتخابات التي ضمنت لرجال الاحزاب الانفراد شبه التام بمقاعد مجلس الشعب.
والآن نرى محاولات مستميتة لإعادة إنتاج التجربة مع استبدال «طاعة الجنرال» بـ«طاعة المرشد»، حيث يسعى اللواء سامح سيف اليزل عضو مجلس النواب والذائب دومًا «في حب مصر» إلى تجميع 400 نائب على الأقل تحت مظلة «دعم الدولة المصرية»، رغم أن الموضة التي تروج لها السلطة الحالية هي إلغاء «دعم الشعب المصري».
المفارقة أن الرجل لا يمتلك أي حيثية دستورية ولا حتى سياسية، غير كونه جنرالا متقاعدا، تتيح له القيام بهذه المغامرة لأنه دخل البرلمان نائبًا فردًا مستقلا ضمن قائمة «في حب مصر» ويجب أن يظل «فردا مستقلا» داخل البرلمان بحكم الدستور.
الجنرال الذى يقدم نفسه باعتباره «رجل الدولة المصرية» في البرلمان يقول إن النواب المنضمين إلى مظلته سيوقّعون وثيقة «توبة حزبية» يتخلى فيها النائب عن حزبه ويتوب عن «الحزبية» لكي يذوب «في حب مصر» بالتوقيع على وثيقة «عدم التحزب»، وهو ما يصطدم بالقانون الذي يحظر على النواب تغيير صفتهم الحزبية التي تم انتخابهم على أساسها، وبالتالي لا يمكن لنائب من «الوفد» أو «المصريين الأحرار» أو «المؤتمر» أو أي حزب التخلي عن صفته الحزبية حتى لو من أجل «حب مصر» لأن احترام القانون والدستور يجب أن يكون مقدمًا على «حب مصر».
المفارقة الكبرى هي أن الرجل ومَن معه ومَن وراءه يطلبون من النواب «تفويضًا على بياض» دون أي برنامج سياسي أو إطار فكرى للائتلاف المزعوم، لذا، مأساة مصر مع نواب الإخوان الذين كانت موافقتهم على أي قرار أو موقف تسبق علمهم به ما دام القرار قادمًا من «مكتب الإرشاد»، ستتكرر مع نواب يوافقون على أي قرار أو موقف ما دام قادمًا من «مكتب الجنرال».
ولعل خطورة محاولات الجنرال سيف اليزل إدخال أكبر عدد ممكن من النواب «بيت الطاعة» تحت قبة البرلمان، تكمن في حقيقة أن مجلس النواب محاصَر بسوء الظن وربما سوء السمعة حتى قبل أن يبدأ الأعضاء الموقرون ممارسة مهمتهم الوطنية، بسبب ضعف المشاركة في الانتخابات وانتشار الرشاوى للناخبين وهو ما يلقى على كاهل هؤلاء الأعضاء عبئًا مضاعفًا للفوز بأقل قدر ممكن من ثقة الناس في استقلال المجلس وحرصه على الصالح العام لا على «طاعة أولي الأمر» ولو كان «جنرالا» بدعوى أن «حب مصر» فريضة على نواب برلمان 2015.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة