استمر الملف، منذ بداية إعداده وحتى نهاية قبوله، قرابة خمس سنوات من العمل والتجهيز والتعديل حتى يحظى بقبول الخبراء المحكّمين.
لم يكن طريقًا سهلًا الحصول على موافقة الدول الأعضاء في لجنة التراث العالمي غير المادي لتسجيل (العرضة النجدية/السعودية) في اللائحة الدولية للتراث الشفوي، خلال مؤتمرها المنعقد بدولة ناميبيا، الأسبوع الماضي.
استمر الملف، منذ بداية إعداده وحتى نهاية قبوله، قرابة خمس سنوات من العمل والتجهيز والتعديل حتى يحظى بقبول الخبراء المحكّمين.
ولكي نكون منصفين، فإن المشكلة لم تكن في جدارة العنصر الثقافي (العرضة) بدخول اللائحة العالمية، بل بسبب إشكالات تحضيرية في إعداد الملف. باستثناء مشكلة «ثقافية» واحدة تحفّظت عليها بعض الدول، وهي الجانب (الحربي) في الرقصة، المتمثل في حمل السيوف والتلويح بها مصحوبًا بالأهازيج المحفزة على المواجهة القتالية!
كانت هذه هي الملاحظات «الإنسانية» الرقيقة التي ساقتها بعض الدول المشهورة باعتماد اقتصادها على تجارة السلاح!
لكن هذه الازدواجية المعيارية في رؤية الأشياء لم تمنعنا من تبيان الخلفية التاريخية للنّفَس الحربي في رقصة العرضة منذ مئات السنين، والذي تحوّل الآن ضمن سياق التحولات المعرفية في الكون بأسره إلى رقصة للفخر والنبل والفرح، حيث باتت تنعقد رقصاتها في المناسبات الوطنية وفي الأعياد وحفلات الأفراح.
لكن بعد أن تم اعتماد تسجيل (العرضة النجدية/السعودية) ضمن لائحة التراث الشفوي عالميًا، وانتشر الخبر في الإعلام وفي وسائط التواصل الاجتماعي، كان علينا أن نواجه من جديد محاولة أخرى لتشويه هذا الحدث ومصادرة حق الفرح به؛ إذ انطلق عدد من المغردين ساخرين من وجاهة الخبر ومنتقصين من دلالاته ومكتسباته، وكانت ذريعة هؤلاء الدائمة أمام أي نجاح مماثل تنطلق من هاجسين مكرورين: هل تم الخروج باختراع جديد أو تم دخول بيت المقدس!
لا أنكر بأني أحمل في داخلي نفس الهاجسين؛ إذ أتطلّع إلى تسريع عجلة الاختراعات في العالم العربي، كما أتوق إلى دخول المسجد الأقصى من دون وصاية إسرائيلية، لكني تعلمت في منظمة اليونسكو، ومن مخالطة الشعوب الأخرى، أن لا أقلل من أي نجاح يتحقق ... في أي مجال وعلى أي مستوى، وأن لا أؤجل تحقيق نجاحاتي الصغيرة ريثما أحقق أولًا النجاحات الكبيرة؛ إذ كثيرًا ما يتورط هؤلاء «المتطلّعون»، بعد أن تمضي حياتهم وهم لا حققوا تطلعاتهم الكبرى ولا فرحوا بإنجازاتهم الصغرى.
نفرح ونفخر بتسجيل أيٍّ من عناصر تراثنا الوفير في لائحة الثقافة العالمية، مثلما نفرح بأي اختراع جديد، وإن اختلف حجم الفرح والافتخار.
آلامنا وآمالنا «الكبرى» يجب أن لا تمنعنا من الفرح بأي نجاح يتحقق على مستوى الوطن أو الأسرة أو الذات .. مهما صغر حجم النجاح.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة