يصعب على أي بلد تحمل الهزل في مواضع الجد عندما يكون مصيره على المحك ومستقبله بين قوسين كبيرين.
يصعب على أي بلد تحمل الهزل في مواضع الجد عندما يكون مصيره على المحك ومستقبله بين قوسين كبيرين.
بأي حساب لم تثبت الدولة على قواعد صلبة حتى الآن ولا تأكد التحول إلى أوضاع طبيعية وفق الشرعية الدستورية.
رغم الانتهاء الرسمي من استحقاقات خريطة المستقبل إلا أنه يصعب الادعاء أننا تجاوزنا المرحلة الانتقالية أو أسسنا بأي قدر دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
لا يتوقع أحد بشيء من الجدية أننا مقبلون على تجربة برلمانية تدرك صلاحياتها الدستورية غير المسبوقة في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وتلتزم الحد الأدنى من المسئولية الوطنية في التشريع وفق مصالح أغلب مواطنيها.
لقد هندست الانتخابات النيابية بطريقة أوصلتنا إلى طريق مسدود بأشباح الماضي ومخاوف التفلت.
هذه مأساة كاملة لبلد قام بثورتين للانتقال إلى دولة العدل والحرية التي تتوازن سلطاتها وفق قواعد دستورية تحترم.
نحن بعيدون تماما عن أية رهانات كبرى أو أحلام خامرت التضحيات الهائلة التي بذلت.
في التناقض بين الأحلام الكبرى والكوابيس الماثلة مشروع اضطرابات محتملة تأخذ من الدولة استقرارها في لحظة حرب ضارية مع الإرهاب.
تثبيت الدولة قضية حقيقية لا يصح التشكيك فيها أو النيل منها.
غير أن السؤال الجوهري الذى لا يصح تجاهله: أي دولة نريد.. وأي دعم يتطلبه تثبيتها؟
لا توجد أية إجابة على هذا السؤال في المشاورات الجارية لتشكيل أغلبية برلمانية باسم «ائتلاف دعم الدولة».
الاسم نفسه يناقض طبيعة الدور الدستوري للبرلمان.
فهو سلطة رئيسية من سلطات الدولة له مهامه وأدواره التي تفترض الرقابة على السلطة التنفيذية لا دعمها مجانيا أيا ما كانت أوجه الخلل في أدائها العام.
تلخيص الدولة في السلطة التنفيذية خطيئة سياسية.
وتلخيص السلطة التنفيذية في الرئيس خطيئة سياسية أخرى.
النظام السياسي الحديث أقرب إلى محرك السيارة لكنه ليس السيارة نفسها.
هناك فارق بين كتلة موالاة برلمانية تلتزم ببرنامج واضح يجمعها مع الحكومة وبين إلغاء كل الفواصل التنفيذية والتشريعية.
باسم «دعم الرئيس» قد تفلت بعض التصرفات من كل قيد سياسي أو أخلاقي وتبدو بعض الفقرات البرلمانية كأنها مشاهد مقتطعة من أفعال «البلياتشو» في سيرك ريفي.
من غير المستبعد أن يستغرق التحرش بالحكومة العمل البرلماني إلى حدود الابتزاز.
عندما تغيب البرامج يطغى ما هو شخصي.
وعندما تتراجع الكفاءات يضطرب الأداء.
الاضطراب يسحب من البرلمان قدرته على الوفاء بالحد الأدنى من مهامه.
ربما يحاول بعض النواب بقدر ما يستطيعون أن يؤدوا واجبهم البرلماني غير أن نوابا آخرين قد يقوضون كل محاولة بتفلتات بعضها يدعو للسخرية والرثاء.
هناك معضلة مستعصية في العلاقة المتوقعة بين الحكومة والبرلمان فالطرفان بلا صلاحيات دستورية حقيقية ولا أسس مشتركة من تصورات وبرامج تجمعهما.
الحكومة بيروقراطية تماما ورئيسها «شريف إسماعيل» لا صلة له بالسياسة.
بحسب شهادات زملائه في مجلس الوزراء عندما كان وزيرا للبترول فإنه لم يتحدث مرة واحدة في أي شأن خارج تخصصه المباشر.
هو مهندس بترول على درجة عالية من الكفاءة لكنه بلا خبرة سياسية تؤهله على أي نحو لمخاطبة البرلمان والرد على استجواباته.
بقدر آخر تغييب الخبرات السياسية عن أغلبية أعضاء البرلمانن هذا الغياب السياسي سوف يحكم لغة الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كلتاهما سوف تتهم الأخرى بأنها لا تدعم الرئيس دون أن تكون حيثيات الاتهام مفهومة ومقنعة.
في تفلت لغة الحوار من غير المستبعد أن تخضع الحكومة من وقت لآخر لابتزاز نيابي وسوء استخدام الأدوات الدستورية في طلبات الإحاطة والاستجوابات وسحب الثقة.
لكل شيء قواعده.. عندما تغيب القواعد فالفوضى مرجحة.
بحكم نصوص الدستور فإن تداول السلطة والتعددية الحزبية أساس نظام الحكم، غير أن الوضع الذى عليه الأحزاب الممثلة في البرلمان يثير شكوكًا عميقة في أن تكون أرقامًا صعبة داخله.
الكلام المتواتر عن ضم الكتل الحزبية إلى ائتلاف «دعم الدولة» باستثناء حزب «النور» يلغي أية معارضة مدنية.
هناك فارق بين الائتلاف والحزب.
إلغاء الفواصل ينسف الفكرة الحزبية من أساسها ويشطب أية هوية تبحث عن شيء من الاستقلال.
من غير المعقول في أي دولة شبه محترمة أن توقع الكتل الحزبية على وثيقة ائتلاف كأنها عقد إذعان تقرر بموجبه فض التزامها التنظيمي الداخلي.
على الرغم من أن بعض الأحزاب لا تستحق أن توصف بهذا الاسم فهي تجمعات مصالح مؤقتة اقتضتها الانتخابات إلا أن هناك أحزابا تستحق أن تخوض تجربة البرلمان على نحو جدى.
الأمر نفسه ينصرف إلى بعض المستقلين الذين يتمتعون باستقامة سياسية.
إلغاء الفواصل يأخذ من البرلمان سمعته حيث تطغى أعمال السيرك على أية قواعد حديثة.
يصعب أن يحترم أحد في العالم برلمانا يهرول نوابه بلا منطق إلى حيث تقف السلطة أيا ما كانت هذه السلطة.
بحكم الدستور الحكومة شريك كامل في صنع السياسات العامة مع رئيس الجمهورية غير أن الحقائق تقول إنها سوف تكون سكرتارية جديدة.
لن يكون هناك في قصر لاظوغلى قوميسيرا سياسيا مفوضا بصلاحيات تليق بالأدوار الدستورية لرئيس الحكومة ولا تحت القبة قوميسيرا مفوضا بالإدارة السياسية للبرلمان.
في الحالتين التوجيهات سوف تصدر من مكان آخر دون شراكة في سياسة أو قرار.
في غياب التفويض الدستوري مشروع تصدع حكومي مبكر وتمدد لأدوار «البلياتشو» ببنية البرلمان بأكثر من كل طاقة احتمال.
بكلام آخر هذا تهديد مباشر للدولة في مستقبلها يزعزع الثقة فيها بأكثر من رصاصات الإرهاب.
لا يمكن للوضع الحالي أن يستقر أو أن يستمر ما لم تكن هناك خطة عاجلة تعترف بالأزمة أولا وتعمل على سد ثغراتها وتصويب مسارها ثانيا.
إذا لم يكن في كل موقع قوميسيرا لديه صلاحياته وأدواره وتفويضاته فبنية الدولة هشة واحتمالات تقويضها غير مستبعدة.
وإذا لم يكن هناك حوار جديًّا يقوده الرئيس مع مكونات المجتمع وقواه الحية وفق أجندة تعرف ماذا تريد فإن التدهور سوف يأخذ طريقه من أعلى جبل الإحباط إلى أسفله بأسرع من كل توقع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة