من يتابع الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ربما يتصور أن رجل الأعمال البارز دونالد ترامب هو المرشح الوحيد، فهناك تركيز كامل عليه.
من يتابع الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ربما يتصور أن رجل الأعمال البارز دونالد ترامب هو المرشح الوحيد. فهناك تركيز كامل عليه؛ حيث خصصت الشبكات الإخبارية نحو ١٨ ساعة من إرسالها ليوم أمس لإجراء حوارات معه، أو التعليق على ما قاله بمنع المسلمين من دخول أمريكا.
وقد انتفضَت قيادات الحزب الجمهوري للمرة الأولى لانتقاد كلماته، والتأكيد على منافاتها للقيم الأمريكية، كما لو أن تلك القيم كانت تسمح بما قاله سابقًا عن ترحيل اثني عشر مليون مهاجر غير شرعي، أو تسجيل المسلمين الأمريكيين ومراقبة مساجدهم، أو تلفيق الاتهامات باحتفال الآلاف منهم في مدينة جيرزي سيتي بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، لكن الواضح أن تلك القيادات -التي لا ترغب أساسا في ترشيح ترامب- وجدت الفرصة سانحة بعد تصريحاته الأخيرة للانقضاض عليه، ومحاولة إجهاض حملته الانتخابية للرئاسة، وإن كان من غير الواضح حتى الآن إن كانت ستنجح في ذلك؛ حيث يزداد تأييد ترامب مع كل عبارة متطرفة يرددها، وسط ناخبين محافظين وجدوا أخيرًا من يقول على الملأ ما كان يتردد كثيرًا في أوساطهم دون أن يلفت انتباه وسائل الإعلام.
لكن ماذا إن نجحت جهود قادة الحزب الآن في إسقاط ترامب؟ هل هناك بديل أفضل؟
في مقال الأمس (ترامب ليس الأكثر تطرفًا) تناولت أبرز مرشحيْن يتمتعان بالفرصة الأكبر لتصدر السباق بعد ترامب، وهما السناتور ماركو روبيو، والسناتور تيد كروز، وقد ذكرت صراحة أنهما لا يقلان تطرفًا عن ترامب بل يزيدان عليه في أمور كثيرة، حتى وإن كانا بحكم خبرتيهما السياسية يستطيعان التعبير عن مواقفهما بطريقة أقل حدة أو استفزازًا.
ماذا إذن عن بقية المرشحين؟ الحقيقة أنهم ضاعوا أو اختفوا بجوار ترامب، فالمرشح الأسود وجراح المخ المتقاعد بن كارسون كشفت الأحداث الأخيرة عن ضعف خبرته في قضايا الأمن القومي، ولا أظن هناك من يراهن عليه الآن رغم استمرار بعض التأييد له، وفي كل الأحوال لم أكن أصدق من الأساس أن يختار حزب (الرجل.. المسيحي.. الأبيض) مرشحًا أسود للرئاسة، حتى إن كان يضع مسيحيته كوشاح على صدره.
أما جيب بوش الذي بدأ حملته باعتباره المرشح الأكثر حظًّا فإنه الآن لا يتجاوز ثلاثة في المائة في آخر استطلاعات الرأي العام، والسبب في اعتقادي أنه ارتكب خطأ استراتيجيا بمحاولة منافسة هذه المجموعة المتطرفة الديماجوجية في ملعبها، فتحدث عن مساعدة اللاجئين المسيحيين فقط، وأخذ يكرر عبارة "الإرهاب الإسلامي الراديكالي" ليؤكد قوته في مكافحة الإرهاب لدى القاعدة المحافظة في الحزب، لكنه كان يبدو أقل إقناعًا من ترامب والآخرين، فهو بطبيعته معتدل في مواقفه وليس عنيفًا في خطابه، وعندما حاول أن ينتقد منافسه ماركو روبيو في إحدى المناظرات بدا كمن اشتبك مع مايك تايسون في "خناقة شوارع"، ولم يتعافَ منها حتى الآن.
واعتقادي -من وجهة النظر السياسية البحتة، وبصرف النظر عن الجانب الأخلاقي- أنه كان يتعين على بوش أن يخط لنفسه مسارًا معتدلا وسط زحام المرشحين المتطرفين، وأن يبدو كرجل دولة وسط مجموعة من المتهورين، فهذه هي اللغة التي تتفق مع شخصيته، وقد تجعل الناخب أكثر اطمئنانًا إليه عند الاقتراع، وقد لاحظت في إعلانه التليفزيوني الأخير أنه حاول أن يرسم لنفسه هذه الشخصية بالتأكيد على خبرته السابقة كحاكم ناجح لولاية فلوريدا، وتصويره مع القادة العسكريين السابقين الذين يؤيدونه، لكن أخشى أنه تأخر كثيرًا في تبنّي هذه الإستراتيجية، كما أنه يواجه منافسة في هذه المنطقة من حاكم ولاية نيوجيرزي كريس كريستي، وحاكم ولاية أوهايو جون كاسيك.
كريستي لا يزال يحاول أن يخرج برأسه من الماء منذ إحدى الفضائح في ولايته رغم مهاراته السياسية الواضحة، أما جون كاسيك فربما يكون الأكثر خبرة بين كل المرشحين لكنه يبدو بعيدًا عن رادار مؤسسة الحزب التي ينتمي إليها.
شخصيًّا أعتقد أن بوش -بكل ما يلاحقه من مشاكل- لا يزال هو المرشح الأفضل بين تلك القائمة الجمهورية، ولكن تراجع فرصه وشعبيته يوجه الأنظار نحو المرشح المُفضل الآن لدي مؤسسة الحزب وهو ماركو روبيو، وعندها سيكون علينا أن نتعامل مع مرشح حزب يعتقد بـ"صراع الحضارات"، وهو ما يعني لمن يؤمنون بأمريكا الحريات والسلام والمساواة، أنه لم يعد لديهم بديل عن هيلاري كلينتون والحزب الديمقراطي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة