قبل يوم واحد من تصريحات ترامب، خرج الرئيس أوباما متحدثًا للأمة الأمريكية حول مكافحة الإرهاب ومواجهه داعش.
رسالة من داعش لدونالد ترامب
«عزيزي المرشح الجمهوري الساعي للحصول على بطاقة الحزب الجمهوري للترشح لرئاسة الولايات المتحدة؛ نشكر لكم حسن تعاونكم ونطالبكم بالمزيد، فأنت، وما تمثله، يسهِّل علينا مهامنا، ويثبت صحة رؤيتنا لجوهر العلاقات الصراعية بين المسلمين وبينكم، فرجاء الاستمرار في التعاون معنا». أتخيل أن تكون هذه الكلمات هي جوهر ما يود قادة تنظيم الدولة المعروفة، اختصارا باسم داعش، إيصاله إلى دونالد ترامب، وذلك للثناء على ما ذكره ترامب منذ أيام من ضرورة منع المسلمين من دخول أمريكا. وهكذا تدفع الأحداث المتسارعة لتلتقي أهداف المدعو أبو بكر البغدادي المريضة، مع أهداف مرشح رئاسي أمريكي أقل ما يمكن أن توصف به أنها عنصرية تحض على الكراهية.
***
بعد بضعة أيام من اعتداء سان بيرناردينو الإرهابي في كاليفورنيا، والذي قام به مواطن أمريكي مسلم وزوجته، خرج الملياردير ترامب مطالبًا بمنع المسلمين من دخول أمريكا كإجراء أمني وقائي حتي يتم اتخاذ إجراءات تحمي الأمريكيين منهم على حد قوله. ويرى ترامب أنه استنادًا إلى استطلاعات الرأي، على حد تعبيره، أن المسلمين بشكل عام يكرهون الأمريكيين، مما يبرر وجهة نظره. انتقد قادة الحزب الجمهوري ما جاء على لسان ترامب مؤكدين أن رؤيته لا تعبر عن القيم الأمريكية ولا عن قيم الجمهوريين. ولم يتراجع ترامب (حتى كتابة هذه السطور) عما ذكره، بل تمسك بما قاله. وبالطبع لا يمثل ترامب كل أمريكا، إلا أن هذه الأقاويل تطغى على الواقع الجيد الذي تحياه الغالبية العظمى من مسلمي أمريكا، وتضعهم أمام نار الكراهية والإسلاموفوبيا.
***
يعد المسلمون جزءًا عضويًّا من النسيج المجتمعي الأمريكي منذ نشأته قبل قرنين ونصف من الزمان. وبداية جاء المسلمين ضمن العبيد الأفارقة، ثم جاء المسلمون، كغيرهم، في موجات هجرة مستمرة حتى اليوم. وهناك مسلمون في كل مجالات الحياة الأمريكية بما فيها من سينما وأدب ورياضة وفضاء، إضافة لوجود آلاف المسلمين ممن يخدمون في الجيش الأمريكي. وعلى الرغم من عدم وجود رقم محدد لأعداد المسلمين في أمريكا، وذلك لأن الإحصاءات الرسمية الحكومية لا تأخذ الدين بعين الاعتبار، تذهب بعض التقديرات المستقلة بالعدد إلى ما بين 6 ملايين و8 ملايين شخص لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون في كل الولايات الخمسين. ويتمتع المسلمون بمستويات تعليمية ومادية أعلى من متوسط الأمريكيين، وهناك 66% من العائلات المسلمة تحقق دخلًا سنويًّا يزيد على المتوسط الأمريكي الذي يقترب من 55 ألف دولار. ولا يعيش المسلمون في مناطق مغلفة أو ما يعرف بالجيتو، كما هو الحال في بعض ضواحي العواصم الأوروبية، بل ينتشرون في مختلف الولايات، ولا توجد أحياء مغلقة عليهم في أي من المدن الأمريكية. وعلى الرغم من أن المسلمين لا ينشطون سياسيًّا على المستوى القومي العام، إلا أن هناك عضوين مسلمين ضمن أعضاء مجلس النواب. النائب كيث أليسون -ديمقراطي- ولاية مينيسوتا، والنائب أندريا كارسون –ديمقراطي- ولاية أنديانا.
***
قبل يوم واحد من تصريحات ترامب، خرج الرئيس أوباما متحدثا للأمة الأمريكية حول مكافحة الإرهاب ومواجهه داعش. وطالب أوباما بالتحالف مع المسلمين لمواجهة التنظيم الإرهابي. ويرفض أوباما أن يتم التعامل مع المسلمين بشكل مختلف عن غيرهم من الأمريكيين، وذكر في كلمته أن «المسلمين الأمريكيين مستعدون ليحاربوا ويموتوا من أجل بلادهم (أمريكا)». ورغم تأكيد أوباما أن الإرهابيين لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين، ورفضه وصف داعش بالإسلام، رفضه وضعها في خانة «الإسلام» حتى لو كان «الراديكالى» منه كي لا يضفي عليها شرعية دينية لا تستحقها، إلا أن كلمات ترامب تعد أكثر أهمية وأكثر تأثيرًا.
***
كلمات ترامب أقوى من كلمات أوباما لأسباب مختلفة، ومن أهم هذه الأسباب هو تطابق جوهرها مع أهم أهداف داعش الاستراتيجية، والمتمثل في العمل على تعميق الخلافات بين المسلمين من ناحية وغير المسلمين، وخاصة أمريكا، من ناحية أخرى. وسيستغل داعش حماقات ترامب لدعم جهوده في جذب المزيد من الشباب للانضمام له، وسيعمل على نشر هذه المقولات والتذكير بها كلما سنحت الفرصة كي يعمق من أزمة الثقة بين المسلمين وأمريكا. وقد يستشهد داعش بهذه المقولات ليدحض مبادئ أمريكا وقيمها الرفيعة فيما يتعلق بفتح أبوابها للمهاجرين، خاصة إذا ما زادت المضايقات التي قد يتعرض لها المسلمون داخل أمريكا عقب تلك التصريحات الداعية للكراهية. إلا أنه يجب أيضًا أن نتذكر أن سقطة ترامب لم تكن محض صدفة أو مجرد زلة لسان، فسجل المرشح الجمهوري مليء بالعبارات العنصرية ضد المسلمين، وضد غيرهم كذلك. وحتى اليوم لا يزال دونالد ترامب صاحب أفضل حظوظ بين المرشحين إذ تمنحه متوسط الاستطلاعات 30% من أصوات الجمهوريين. ولم تخرج كلمات الكراهية من ترامب في فراغ، فقد أشار استطلاع أجري الشهر الماضي إلى أن 37% من الأمريكيين يرون الإسلام بصورة سلبية، وأشار استطلاع آخر أجري قبل أسابيع إلى أن 28% من الأمريكيين يعتبرون الإسلام دينًا يدعو للعنف.
***
وعلى الرغم من أن المجتمع الأمريكي يعد أكثر المجتمعات الغربية تدينًا، إلا أن علمانية الدولة دستوريًّا متفق عليها سياسيًّا واجتماعيًّا وقضائيًّا، ولا يحتوي الدستور على أي ذكر لكلمة الرب أو المسيحية (ديانة ما يقرب من 92% من الأمريكيين). واستخدمت كلمة دين في الدستور على نحو معاكس تمامًا للتأكيد على عدم التمييز بين المواطنين على أساس عقائدهم، فالفقرة السادسة تنص على أنه ليس من الوارد إجراء اختبار ديني لأي شخص يرغب في شغل أي وظيفة حكومية. كما نص أول تعديل أدخل على الدستور على أن الكونجرس لن يقوم بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني. ولذلك السبب قال البيت الأبيض تعقيبًا على ما قاله ترامب إنه يجب على كل رئيس أن يقسم على حفظ وحماية والدفاع عن دستور الولايات المتحدة»، وبالتالي فإن ترامب «غير مؤهل».
***
عندما خرج علينا المفكر صامويل هنتجتون عام 1993 بنظريته صراع الحضارات، صب الكثيرون جم غضبهم عليه. توفي الرجل عام 2008 دون أن ينتهي الجدل حول أطروحاته التي أثارت جدلًا كونيًّا لأنه لمس وترًا حساسًا فيما يتعلق بعلاقات العالم الإسلامي والغرب. ويعطي اليوم كل من داعش بإرهابه وتطرفه من ناحية، وترامب ومن على شاكلته من حاملي شعلة الكراهية في الغرب، قبلة إعادة الحياة لهنتجتون وأفكاره المثيرة للجدل والمؤججة للصراع.
***
وقد اختتمت داعش رسالتها قائلة: «عزيزي ترامب، سندعو لك بالتوفيق، ونتمنى أن تصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة كي يزداد التعاون بيننا».
*يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة