يأمل بوتين ألا يضطر إلى تزويد الصواريخ «الحديثة والدقيقة» التي تطلقها قواته على مناطق سيطرة «داعش» في سوريا.
الحياة - بوتين النووي
يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألا يضطر إلى تزويد الصواريخ «الحديثة والدقيقة» التي تطلقها قواته على مناطق سيطرة «داعش» في سوريا رؤوسًا نووية في سياق الحرب على الإرهاب.
منذ نهاية الحرب الباردة، نادرًا ما صدر كلام جديّ عن استخدام الأسلحة النووية عن سياسي يتسم بحد أدنى من المصداقية. وباستثناء شطحات بعض غلاة المحافظين الجدد في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش أو المحيطين بها من الذين اعتادوا توجيه تهديدات أكبر من أحجامهم، أثناء غزو أفغانستان والعراق وفي ذروة الأزمة حول برنامج إيران النووي، لم تعد معتادة الإشارة إلى السلاح الذري، سواء على المستوى التكتيكي الذي لوح به بوتين أو على مستوى الخيار الاستراتيجي الذي كان سائدًا بين الخمسينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
أرست الحرب الباردة ما يصح وصفه «بالأدبيات» في تناول الأسلحة النووية، خصوصًا بعد مواجهات كادت تدمر العالم، مثل أزمة الصواريخ الكوبية واقتراحات بعض الجنرالات الأمريكيين بقصف كوريا وفيتنام نوويًّا أثناء الحربين هناك، وتشبّع القيادتين السوفياتية والأمريكية بهاجس الإفناء الناجز المتبادل. حملت تلك الخبرة جانبي الصراع، السوفييتي والأمريكي، على إبداء درجة أعلى من «الحكمة» في التعامل مع المسألة النووية.
تعريفًا، السلاح النووي يوجه لتدمير المراكز المدنية والاقتصادية والسياسية عند العدو. أما الأسلحة النووية الصغيرة من النوع الذي تحدَّث عنه بوتين مع وزير دفاعه سيرغي شويغو، فتُستخدم -نظريًّا- ضد الأهداف العسكرية الضخمة: القواعد الكبرى والمطارات وحاملات الطائرات، ويكون استخدامها في سياق حرب نووية مفتوحة.
بديهي أن هذه الحقائق حاضرة في ذهن الرئيس الروسي، الذي يعرف حكمًا أن استهداف أية منطقة يحتلها «داعش» بذخيرة نووية مهما صغر عيارها، يعني الموت الفوري لعشرات الآلاف من المدنيين، إلى جانب بضع مئات من مسلحي التنظيم الإرهابي.
تُفصح معادلة قتل آلاف الأبرياء مقابل القليل من المجرمين، من جهة، عن فشل أخلاقي فظيع يعاني منه بوتين الذي يحاول إخفاء هذه النقيصة بإبداء «الأمل» في ألا يضطر إلى الخطوة النووية، ويتشارك في فشله هذا مع المواقف القديمة لمحافظي أمريكا الجدد. وتعلن، من جهة ثانية، بؤس السياسي الذي لا يملك سوى التهديد باللجوء إلى ما يفتقر اللجوء إليه إلى المعنى والجدوى باستثناء الدمار والقتل المجانيين، فالتلويح بقتل الذبابة بمدفع لا يكشف مهارة الرامي بقدر ما يُظهر خرقه وانعدام الوسائل الناجعة لديه في مكافحة آفة الإرهاب.
وإذا استفاد بوتين من فراغ القيادة في الغرب والانكفاء الأمريكي ومن إدراكه أنه لا التهديد ولا التنفيذ في حال حصوله، سيقابلهما أي رد فعل عملي، فإن ذلك لا يضعه في موقف متقدم على نظرائه من قادة العالم في حربه على الإرهاب، بل يجعله شريكًا لهم في عدم القدرة على استنباط أساليب تتجاوز اللجوء إلى القوة والحلول العسكرية الأمنية لكبح مشكلة تتخذ أبعادًا عالمية ويمتد نسيجها من جبال أفغانستان إلى إفريقيا.
وإلى جانب التبلد الأخلاقي والسياسي الذي تشير إليه فكرة قصف المناطق السورية بأسلحة نووية، فهي تقول إن ما من جهة عربية أو دولية ارتقت بعد إلى مستوى علاج ظاهرة الإرهاب من جذورها المتشابكة وصولًا إلى قمتها، وإن الحرب على الإرهاب أهم بأشواط من أن تُترك للضابط بوتين.
*يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة