في الأزمة التي نشأت بسبب عملية التسجيل أو التصحيح القانوني للجماعة، تشكَّل تيار إخواني لم يجد نفسه مع الإخوان السابقين ولا الجدد.
تواجه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، مجموعة من الاستحقاقات القانونية والسياسية، التي تجعل اختفاء الجماعة من الخريطة السياسية والوجود الواقعي ممكنًا أو قابلًا للتحقُّق بهدوء ومن دون مواجهة مع السلطة. ستتوارى إلى الظل أو تتحوَّل إلى تركة يتقاسمها شركاء متشاكسون كُثُر؛ فبعد انسحاب عدد كبير من أعضاء الجماعة ليشكلوا حزب الوسط الإسلامي، انسحبت مجموعة أخرى كبيرة لتُشكِّل المبادرة الوطنية للبناء، والتي اشتهرت بالتسمية الإعلامية «زمزم» نسبة إلى اسم الفندق الذي عُقد فيه الاجتماع التأسيسي للمبادرة، ثم تقدَّمت مجموعة من الإخوان المسلمين وعلى رأسهم رئيس الجماعة الأسبق عبد المجيد الذنيبات (1994 – 2006)، لتسجيل جمعية الإخوان المسلمين، واعتبرت الجماعة المسجّلة نفسها أنها الجماعة القانونية، وأن الجماعة السابقة لم تعد قانونية، ثم أعلنت مبادرة زمزم بدعم وتنسيق مع الجماعة «المسجلة»، نيَّتها تشكيل حزب سياسي جديد.
وفي الأزمة التي نشأت بسبب عملية التسجيل أو التصحيح القانوني للجماعة، تشكَّل تيار إخواني لم يجد نفسه مع الإخوان السابقين ولا الإخوان الجدد، وأطلقت الصحافة على هذا التيار اسم الحكماء، لكنه أعلن عن نفسه أخيرًا باسم تيار الإنقاذ، وأعلن في اجتماع تأسيسي حضره نحو ثلاثمائة من أعضاء الإخوان وقياداتهم، عن التحضير لحزب سياسي جديد.
يفترض أن تجرى انتخابات تنظيمية لجماعة الإخوان في موعد أقصاه 30 نيسان (أبريل) 2016، وإذا لم تجرِ هذه الانتخابات في موعدها المستحق، فإن قيادة الجماعة التي انتخبت في 2012 تصبح قانونيًّا منتهية الصلاحية. فهل ستوافق الحكومة على إجراء الانتخابات التنظيمية في موعدها؟ أو تغضّ الطرف عنها وكأنها لا تعلم؟ أم تمنعها من إجراء الانتخابات وتنظر إليها كجماعة غير قانونية؟ المرجح في ظل امتداد الظروف القائمة، أن الجماعة لن تجري هذه الانتخابات، ويفتح الوضع الجديد للجماعة مجالًا لمبادرة جديدة لتسجيل جمعية إسلامية جديدة جوهريًّا هي الإخوان، لكنها ستحمل اسمًا مختلفًا بعدما فقدت الاسم. وهي يمكن أن تبدع اسمًا قريبًا من الإخوان أو يذكر به، مثل الأخوة الإسلامية أو الدعوة الى الإسلام أو الحركة الإسلامية أو الصف الإسلامي المرصوص، ولن تحظى بطبيعة الحال بالإجماع بين المتبقين من الإخوان، وسيكون السابقون –عمليًّا- جماعتين، جماعة الترخيص الجديد وجماعة «الثبات».
وستهيمن الجمعية الجديدة على حزب جبهة العمل الإسلامي، لأنها على الغالب ستحظى بدعم «حماس» التي تعتمد قدرتها على مواصلة تأثيرها في جسم الإخوان والشارع الفلسطيني - الأردني، على وجود هيئات وتشكيلات قانونية مرخَّصة ليست في حالة صراع أو خصومة مع الحكومة. وبطبيعة الحال، فإن الإخوان الذين لم يشاركوا في الجمعية الجديدة، والذين فقدوا تأثيرهم في حزب الجبهة، سيجدون أنفسهم في حاجة إلى حزب سياسي جديد قد يحمل بالفعل اسم «الثبات» أو مصطلحًا قريبًا منه أو يذكر به، ويظلّ يكرر الآية القرآنية (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
وبالطبع، ستتبلور هذه الكيانات وتجتهد في تنظيم وتقديم نفسها وتطويرها في الانتخابات النيابية المقبلة المتوقع إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، وستظهر نتيجة الانتخابات وزن التشكلات الجديدة ومصيرها، وقدرة الجماعة «سابقًا» على البقاء.
فبقاء التيارات وتزايدها أو انحسارها يعتمد على مجموعة من العوامل المنطقية: نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، واتجاه الحكومة وأفكارها بالنسبة الى الإخوان والتيارات الإسلامية بعامة، وفرص التمويل والتأييد الاجتماعي، واتجاه حركة «حماس» ومواقفها وفرصها في التأثير في التيارات وفي الشارع الفلسطيني والتفاهم مع الحكومة، والاتجاهات الشعبية والاجتماعية العامة تجاه الإخوان وتياراتهم المختلفة والاتجاهات الإسلامية بعامة.
ويبدو مرجَّحًا في ظلِّ هذا الانقسام الكبير والتنافس الحاد المتوقع في الانتخابات النيابية المقبلة بين هذه التيارات، أن معظمها -إن لم يكن جميعها- سيخرج من الساحة السياسية، وإذا أضيفت إلى ذلك مظنّة أن الاتجاهات الدينية السياسية بعامة ستواجه حالة من الإعراض والضغوط السياسية بسبب الصراعات الدينية المحتدمة في المنطقة، فإن ظاهرة الإسلام السياسي ومنها الإخوان المسلمون، ستواجه تحديات كبرى قد تعصف بها.
*يُنشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة