سمعته فى العالم فعلا إنه صندوق نكد وتعاسة، كما تترجمه تحريف اسمه بالانجليزية IMF: internatind MISERY Fund حتى كتابة هذه السطور
سمعته فى العالم فعلا إنه صندوق نكد وتعاسة، كما تترجمه تحريف اسمه بالانجليزية IMF: internatind MISERY Fund حتى كتابة هذه السطور، لم تبرم مصر الاتفاق المتوقع مع وفد صندوق النقد الدولى الذى وصل إلى القاهرة منذ أكثر من أسبوع. وباستثناء بعض التصريحات المبهمة وحتى المبتورة من بعض المسئولين، بمن فيهم وزير المالية، فليس هناك تفاصيل عن سير المباحثات وراء الأبواب المغلقة، وحتى الموقع الإلكترونى لمقر الصندوق فى واشنطن لا يقول الكثير.
ومع ذلك فالأحداث الأساسية فى هذه الدراما معروفة، حتى قبل أن تتم. وأساس الناحية الدرامية أن بلدا مثل مصر يخوض أساسا مفاوضات غير متكافئة، مرة أخرى تطلب العون والمساعدة، وليس من دولة شقيقة أو حليفة، بل من بنك، أى طرف لا يعمل بالمشاعر والعواطف بل يمسك بالورقة والقلم» للقيام بحسابات دقيقة، والوصول إلى نتائج على اساسها.
فى مواجهة هذا البنك، وخاصة توجهه القائم على عقيدة توافق واشنطن النيوليبرالية المتزمتة، ما هو موقف مصر؟ من الناحية الاقتصادية البحتة موقف مصر ضعيف، بل أضعف من محاولتها السابقة منذ نحو ثلاث سنوات، كما بين ذلك د. سمير رضوان، وزير المالية آنذاك.
هناك على الأقل سببان يُضعفان من موقف المفاوض المصري: استمرار التدهور الاقتصادى ثم ندرة البدائل لقبول اقتراحات البنك فى الوقت الحاضر:
1ـ التدهور الاقتصادى مثل السرطان، إذا لم يتم اكتشافه والتعامل معه مبكرا، فإنه يتفشى وقد يصعب معالجته كما يبين تقرير البنك المركزى وكذلك بيانات جهاز التعبئة والاحصاء خلال الأسبوعين الماضيين، فإن موقف مصر الاقتصادى هو من سيء إلى أسوأ، وما التدهور المستمر والمتسارع فى معدل الجنيه المصرى بحيث يصل انخفاضه فى مواجهة الدولار لنحو الضعف فى خلال أربع سنوات، ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم. الدين الداخلى والخارجى يتزايد بدرجة سريعة ومخيفة، وهو نفس الحال بالنسبة لعجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات. تدهور السياحة وتناقص تحويلات المصريين بالخارج, ولكن هناك أيضا أسبابا هيكلية تزيد من التضخم ونسبة الفقر التى تتعدى 57% فى بعض مدن الصعيد، ثم تأتى البطالة، هذه القنبلة الموقوتة، خاصة بين الشباب. هذه المشاكل ليست جديدة بالمرة، ولكن لم يتم التعامل معها، وهكذا تفاقمت.
2 ـ قلة البدائل المتاحة حاليا. بدلا من أن تواجه الحكومات المتعددة هذه المشاكل الاقتصادية الهيكلية وتقوم ببرنامج اصلاحى، اختارت الحل الأسهل: المساعدات الأجنبية، والتى بلغت من دول الخليج فقط: 29.5 مليار دولار منذ 2011، أى متوسط 6 مليارات دولار فى العام. بل حتى لم تستخدم هذه المليارات فى الإصلاح، بل فى «تلصيم» حلول وقتية، وبالتالى استمرت المشكلات وتفاقمت.
ما العمل إذن؟
الحصول على القرض يجب أن يكون بندا فقط من إصلاح شامل بتخطيط وتنفيذ مصرى مائة فى المائة، ولا تنقصنا الخبرة والعقول المصرية لتنفيذ هذا البرنامج الإصلاحى الشامل، وتكون مرتكزاته على الأقل ثلاثة:
1ـ التنسيق والتوافق بين وحدات القرار المصري، ليس فقط وزارة المالية والبنك المركزى أو حتى أعضاء المجموعة الاقتصادية، الحكومة، مجلس النواب، وحتى أعضاء القطاع الخاص. فقد تزايدت الشكوى حديثا من تضارب المواقف حتى داخل الحكومة ووجود الجزر المنعزلة إن لم تكن المتصارعة. وضوح القرار المصرى ووحدة تنفيذه أساسية.
2ـ أهمية البعد الاجتماعى فى هذا الاصلاح الاقتصادي.
وقد يكون هذا البند من أصعب بنود التفاوض مع الصندوق على أساس أن سمعته السيئة ترتكز على حسابات اقتصادية جزئية مفرطة تفصل الإقتصاد عن المجتمع، ولإقناع الصندوق بأهمية هذا البند الاجتماعى بحيث لا يتحمل الفقراء آثار الإصلاح فى المدى القصير والمتوسط ، يستطيع المفاوض المصرى أن يذكر ممثلى الصندوق بالاضرابات والحرائق الاجتماعية التى حدثت فى بقاع العالم المختلفة وأعاقت فى النهاية تنفيذ برامج الاصلاح. هناك مثلا احتجاجات الخبز فى المغرب العربي، ثم احتجاجات 18، 19 يناير 1977 فى مصر نفسها. بالعكس قد يتعلم الصندوق هذه المرة أن البعد الاجتماعى هو فى مصلحة الصندوق وتنفيذ برنامجه لأنه يكون الأساسى لاستمر ار الاصلاح ونجاحه، وبالتالى يضمن الصندوق الحصول على عائد قرضه ماديا وفكريا.
3ـ بند أخير ولكنه لا يقل بالمرة أهمية: هل من الممكن أن يكون جزء من هذا الاصلاح استرداد أموال مصر المنهوبة؟
بمعنى هل المفاوضات الصعبة مع الصندوق تكون الفرصة للاستفادة من خبرته وشبكاته العالمية لحصر هذه الأموال ومحاولة استعادتها؟ قال لى صديق سويسرى إنه حتى الحكومة والبنوك السويسرية ـ لم تفهم تقاعس الحكومة المصرية حتى الآن فى محاولة الحصول على هذه الأموال التى هى فى شدة الحاجة إليها! ألا تكون هذه الأموال فرصة لتقوية مركز المفاوض المصرى هو فى أشد الحاجة إليها، ورصيد ـ ماليا ومعنويا ـ يحتاجه البلد فى هذا اليوم الصعب؟
نقلًا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة