"واشنطن بوست": كيف سلمت أمريكا العراق لداعش؟
تحقيق مطول يشرح فشل الإدارة الأمريكية في حماية العراق من الانهيار بعد الرحيل العسكري الأمريكي من البلاد
قبل أسبوع من رحيل أخر الجنود الأمريكيين من العراق في ديسمبر/كانون الأول 2011، سافر رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي إلى واشنطن لمقابلة الفريق الذي سيساعد في تشكيل مستقبل العراق بعد رحيل القوات والدبابات الأمريكية.
وحضر المالكي خطاب وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون عن المساعدة التي سيقدمها الخبراء المدنيين الأمريكيين للعراقيين لتجنب عودة الإرهاب والعنف الطائفي، وبعدها قالت كلينتون للصحفيين، إن العراق ستشهد وجودًا مدنيًا قويًا، ملخصة وعود الإدارة الأمريكية للمالكي.
وبعد أقل من 3 سنوات، اختفت العراق الهادئة نسبيًا التي قادها المالكي في 2011، وواجهت حكومة البلاد وجيشها المدرب تدريبًا أمريكيًا للإهانة، بعد احتلال تنظيم "داعش" لثلث أراضيها، نتيجة تقلص برامج وزارة الخارجية الأمريكية التي استهدفت مساعدة العراقيين، والتي لم يتشكل بعضها على أرض الواقع نهائيًا، حسب تحقيق مشترك بين صحيفة "واشنطن بوست" وموقع "بروبابليكا" الأمريكيين.
لكن مراجعة مكثفة للتسجيلات أثناء فترة حكم كلينتون توضح صورة أوسع للعثرات والحسابات الخاطئة لعديد من القوى الفاعلة التي بينها حكومة المالكي والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض والكونجرس، ما أدى إلى إضعاف القوات الأمنية العراقية وجعلها عرضة لفيضان داعش في 2014.
ففي الوقت الذي تشير فيه الوثائق والمقابلات إلى خطط طموحة من مسئولي الخارجية الأمريكية للسيطرة على عشرات البرامج التي يديرها الجيش في العراق، بدءًا من تقديم المساعدة لتدريب الشرطة العراقية، وحتى بؤر عسكرية لجمع المعلومات الاستخباراتية في الموصل والمدن العراقية البارزة الأخرى.
ألغت الوزارة أو اقتطعت العديد من هذه الخطط بناءً على طلب من الكونجرس المتشكك، أو بسبب أوامر من البيت الأبيض الذي رفض التكلفة المرتفعة والمخاطر المحتملة على المدنيين الأمريكيين بالعراق، بجانب عرقلة بعض الجهود من قبل حكومة المالكي التي نظرت للعديد من البرامج على أنها تطفل غير مرحب به في شؤون العراق.
في أوائل عام 2012، وبسبب ضغط البيت الأبيض لتقليل الوجود المدني للخبراء الأمريكيين في العراق، بدأت الوزارة تنفيذ تخفيضات كاسحة في خطط الأمن ومبادرات مكافحة الإرهاب التي كانت هامة لاستقرار العراق بعد رحيل القوات الأمريكية.
وتمكن فريق الخارجية الذي أدار التخفيضات وفقًا لتوجيهات البيت الأبيض من توفير فائض بلغ 1.6 مليار دولار، وهو المبلغ الذي خُصص في البداية للعراق، ثم أصبح مُسموحًا باستخدامه في مناطق الصراع الأخرى ومنها ليبيا.
وتمت هذه التخفيضات رغم رفض قادة عسكريين أمريكيين في العراق؛ لأنها ستترك الحكومة الأمريكية في الظلام فيما يخص التطورات الميدانية خارج العاصمة العراقية، كما أكد بعض الضباط السابقين الذين أداروا برامج المساعدات العراقية أن التخفيضات كانت عاملًا في التدهور البطيء للقوات الأمنية العراقية في الشهور التي سبقت اجتياح داعش عام 2014.
ومن بين الخسائر كان هناك برنامج للمصالحة القبلية العراقية يديره فصيل من الجيش الأمريكي له سجل في حل النزاعات بنجاح بين الفصائل السنية والشيعية والكردية في العراق، ليصبح بعد ذلك الصراع بين العشائر السنية وحكومة المالكي التي يقودها الشيعة عاملًا أساسيًا في سيطرة "داعش" على الموصل معقل السنة في العراق.
وأثناء ذلك، كانت برامج أمريكية أخرى تهدف لمساعدة العراقيين على مكافحة الإرهاب تجري بضغط من كلينتون وكبار مستشاري أوباما على القادة العراقيين للموافقة على أشكال جديدة من المساعدات متحررة من القيود القانونية لوزارة الخارجية والقيود المفروضة على الميزانية الأمريكية.
لكن التحقيق الصحفي يرى أنه من المستحيل القول إذا ما كانت المساعدات الأمنية الإضافية قد كانت ستساعد في منع انهيار الخدمات الأمنية العراقية، خاصة وأن العديد من المسئولين الأمريكيين الحاليين والسابقين أرجعوا انهيار العراق إلى إدارة المالكي غير الكفؤ للجيش وقمع الأقلية السنية في البلاد.
وفي جميع الأحوال، أجبر اجتياح "داعش" للعراق إدارة أوباما على استعادة برامج المساعدات الأمنية، حيث تم إرسال 475 فردًا من القوات الأمريكية لتقديم المشورة للجيش العراقي، بل وتضاعف الرقم أكثر من 10 مرات في الوقت الحالي بعد تلاشى القلق حول محدودية الميزانيات، حيث خصص الكونجرس مليارات الدولارات لمواجهة الإرهاب.
aXA6IDE4LjIyMS4xNjUuMTkwIA== جزيرة ام اند امز