أطفال مرضى يدفعون ثمن الحصار على بلدة مضايا السورية
ما ذنب الأطفال إذا أصيبوا أو تعرضوا للمرض، وما علاقتهم بالثوار أو النظام؟.. سؤال لأحد أطباء مضايا السورية ينتظر إجابة.
قبل شهر، تجاوزت حرارة الطفل يمان الأربعين درجة، ليصاب بعدها بتشنج في جسده وهلوسة جعلته طريح الفراش على مرأى والديه اللذين لا يجدان إلا المسكنات لتخفيف ألمه في بلدة مضايا المحاصرة في ريف دمشق.
ويمان عز الدين، البالغ من العمر عشر سنوات، هو إحدى الحالات الطبية التي تحتاج إلى إجلاء عاجل من بلدة مضايا التي تحاصرها قوات النظام السوري وحلفاؤها في ريف دمشق، وسبق للأمم المتحدة أن أعلنت قبل أسبوع استعدادها لإخراجهم فورًا لتلقي العلاج اللازم.
ويروي علاء عز الدين، والد الطفل، عبر الهاتف من بيروت، أن حرارة يمان تجاوزت لأيام "الأربعين درجة. وضعنا له الكمادات والمياه الباردة من دون جدوى"، مضيفًا "بعدها أصيب بآلام في الرقبة وتشنج في الظهر وبحالة من الهلوسة الدائمة. لم يعد يعرفنا وبات ينزعج كثيرًا من الضوء".
ويتابع الوالد بتأثر بالغ: "لا يكف عن الصراخ من شدة الألم. يتلوى ابني أمام أعيننا ولا نتمكن من أن نفعل له شيئًا. ليس بمقدورنا سوى إعطائه أكثر من ثلاث حبوب مسكنة في اليوم الواحد".
ويشرح الطبيب محمد درويش (25 عامًا) الذي يتابع حالة يمان، عبر الهاتف: "عالجناه في البداية باعتبار أن العوارض التي أصابته تدل على التهابات السحايا، تحسن لفترة قبل أن ينتكس مجددًا وهو الآن لا يستجيب لأي علاج".
ومنذ إحكام قوات النظام وحزب الله اللبناني الحصار على مضايا الصيف الماضي، بات درويش المتخصص في طب الأسنان يعمل مع اثنين من زملائه، أحدهما بيطري والآخر طبيب أسنان، في علاج شتى أنواع المرضى داخل المستشفى الميداني الوحيد في البلدة في ظل النقص في الأدوية والمعدات والتجهيزات.
حليب وجبص
وتحاصر قوات النظام وحزب الله اللبناني، مضايا المجاورة لمدينة الزبداني، منذ عامين، قبل أن تحكم حصارها بشكل مطبق العام الماضي، تزامنًا مع إحكام فصائل مقاتلة منضوية في "جيش الفتح" سيطرتها على محافطة إدلب (شمال غرب) وحصارها بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام.
وتحولت البلدة، التي تؤوي أكثر من أربعين ألف شخص إلى رمز لمعاناة المدنيين في سوريا بعد وفاة أكثر من ستين شخصًا بينهم أطفال جراء الجوع وسوء التغذية. وبرغم إدخال الأمم المتحدة إليها قوافل عدة من المساعدات العام الحالي لكنها ظلت غير كافية.
ويوضح درويش "هناك 14 حالة (بينها يمان) في البلدة بحاجة لإجلاء فوري بسبب تعذر علاجهم هنا"، محذرًا من أنه في "كل يوم تأخير يزداد الوضع سوءًا".
ويعمل درويش وزميلاه على علاج هذه الحالات، وبينها 13 طفلًا لا تتخطى أعمارهم العشر سنوات، بما هو متوفر لديهم من مستلزمات وأدوية في "غياب كامل لأجهزة التصوير والأشعة والتحاليل اللازمة لتشخيص العوارض المتقدمة التي يشكو منها المرضى"، على حد قوله.
ولا تقل معاناة عن يمان، حالة الرضيعة بيسان الشماع التي بالكاد بلغت عامها الأول وتعاني من تسمم في الدم جراء تناولها حليبًا مغشوشًا ممزوجًا بمادة الجبص، بحسب الطبيب.
ونشرت صفحة مضايا على موقع "فيسبوك" التي يديرها الناشط الإعلامي عبد الوهاب أحمد، وهو مسعف يتعاون مع منظمة "أطباء بلا حدود" صورة لبيسان يبدو فيها رأسها أكبر من جسدها لكثرة ما هو هزيل.
وظهر في صورة أخرى الطفل أسامة علوش (6 سنوات) مرتديًا سروالًا داخليًا أصفر اللون وجسده نحيل للغاية حتى إن عظام قفصه الصدري بدت بارزة.
وتعد نسرين الشماع (22 عامًا) من الحالات الأكثر إلحاحًا بعدما فقدت بصرها وأصيبت بشلل نصفي لتعذر إجراء التحاليل الضرورية لتشخيص وضعها الصحي المتأزم، وفق درويش.
وفي بيان نشرته على صفحتها على موقع "فيسبوك" أمس، ناشدت الهيئة الطبية في مضايا الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري وكل المعنيين "الضغط على الأطراف المعنية" للسماح بتلقي الحالات الملحة الرعاية الطبية اللازمة.
وحذرت من أن الوضع "يزداد سوءًا" حيث يشكو سكان البلدة كافة من فقر في الدم ونقص في الكالسيوم، مشيرة إلى رصدها 45 حالة تيفوئيد.
وكان الموفد الدولي الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، أعلن الخميس في مؤتمر صحفي في جنيف، استعداد الأمم المتحدة لإجلاء 16 حالة طبية ملحة من مضايا بينهم الطفلة غنى قويدر التي أخرجها الهلال الأحمر السوري الأحد، وحالتين من بلدة الفوعة.
أناشد العالم كله
وتشكل مضايا مع مدينة الزبداني المجاورة والفوعة وكفريا، أربع مناطق تم التوصل فيها إلى اتفاق في سبتمبر/ أيلول بين الحكومة السورية والفصائل المقاتلة بإشراف الأمم المتحدة يتضمن وقفًا لإطلاق النار. وينص على وجوب أن تحصل كافة عمليات الإجلاء وإدخال المساعدات بشكل متزامن.
ويقول الطبيب درويش: "هذا الاتفاق سيئ من الناحية الإنسانية". وتساءل: "ما ذنب الأطفال إذا أصيبوا أو تعرضوا للمرض وما علاقتهم بالثوار أو النظام؟".
وفي الإطار ذاته، يقول المسعف أحمد: "نتواصل كهيئة طبية وناشطين مدنيين مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر ليتم الضغط على كل من النظام وجيش الفتح لإجلاء حالات بشكل متزامن".
وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع السوري إلى سلاح حرب رئيسي تستخدمه الأطراف المتقاتلة كافة. ويعيش -بحسب الأمم المتحدة- نحو 600 ألف شخص في مناطق محاصرة بغالبيتها من قوات النظام.
وإزاء الوضع الطبي المأساوي في مضايا، يقول والد يمان: "لا أعرف لمن أتوجه، أناشد العالم كله، الأمم المتحدة والهلال الأحمر التدخل وإيجاد علاج لابني". ويضيف بصوت مخنوق "أخشى أن يصيبه شيء إذا تأخر علاجه".
ويردد باللهجة المحلية: "الله لا يلوع قلب حدا على ولده".