ثمة مؤشرات واضحة تؤكد أن الظرف الاقتصادي يزداد تعقيداً منذ سنة 2011، وهذا الظرف يعود إلى جملة من الأسباب الداخلية والخارجية
عد أن استكمل الجزء الأول من مشاورات هيكلة الحكومة، بدأ رئيس الحكومة المكلف، يوسف الشاهد، الجولة الثانية من مشاورات تشكيل الحكومة وهي الجولة الأصعب، باعتبار أن التنافس قوياً بين الأحزاب على الظفر بأهم الحقائب الوزارية. والحقيقة أن خطورة هذه المرحلة لا تتوقف عند اختيار الأسماء فقط، بل إنها ستمتد إلى قدرة الوزراء الجدد.
ثمة مؤشرات واضحة تؤكد أن الظرف الاقتصادي يزداد تعقيداً منذ سنة 2011، وهذا الظرف يعود إلى جملة من الأسباب الداخلية والخارجية.
على المستوى الداخلي هناك على الأقل ثلاثة عوامل رئيسية يمكن إيجازها في ما يلي:
- القطاع الصناعي لم يستعد عافيته وقدراته المالية باعتبار استمرار مشكلات الحوض المنجمي، وتعطل الإنتاج والتصدير، وهو ما يمثل خسائر مالية كبرى لمداخيل الدولة. في وقت ترتفع فيه أسعار الفوسفات في العالم، وهو ما يعني أن بلادنا لم تستثمر «الطفرة» التي يعيشها هذا القطاع على المستوى العالمي.
- القطاع الفلاحي، يعيش على وقع انحباس الأمطار لمدة سنتين متتاليتين في أغلب جهات البلاد، وهو ما أثر بشكل واضح في إنتاج الحبوب في الشمال، وفي إنتاج زيت الزيتون في أغلب مناطق البلاد، وينتظر أن يتراجع الإنتاج في هذه السنة عما وقع تحقيقه في السنة المنقضية وهو ما سيمثل إثقالاً لميزانية الدولة.
- سنة 2017 هي سنة سداد الديون التي حصلت عليها تونس منذ 2011، فالممولون، الذين قدموا قروضاً للبلاد خلال السنوات الأخيرة يستعدون للحصول على أموالهم مع الفوائد التي أقروها عند إقراض الحكومات المتعاقبة.
ومع تواصل تضرر القطاع السياحي نتيجة ما حدث من أعمال إرهابية في سنة 2015، يمكن القول إن جملة هذه الظروف الاقتصادية والمالية، ستكون مصدر توتر اجتماعي حقيقي في السنة المقبلة.
في تصريح له قال حسين العباسي الأمين العام لاتحاد الشغل «إن الاتحاد لن يعطي صكاً على بياض ليوسف الشاهد»، وإن على رئيس الحكومة أن يلتزم بما تم التوصل إليه في وثيقة قرطاج.
بمعنى أن الاتحاد لن يتخلى عن دوره في الدفاع عن القضايا الاجتماعية التي تهم الشغالين وعموم الشعب.
فالاتحاد وبحسب بيان صدر عن المكتب التنفيذي في 14 يوليو/تموز الماضي، قرن مساندته للحكومة بمدى التزامها ببنود الوثيقة وبتنفيذ الالتزامات في آجال معقولة.
كما عبر المجتمعون عن قلقهم إزاء التدهور الاقتصادي، وانهيار العملة الوطنية في مقابل العملات الرئيسية الدولية، وهو ما يؤثر في نسب التضخم ويساهم في تدهور القدرة الشرائية، وفي ارتفاع الأسعار.
وفي بيان ثان صدر يوم 27 يوليو/تموز إثر انعقاد الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل، قالت المركزية النقابية إن استمرار الأزمة السياسية، يعمق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية. وعبر المشاركون في الهيئة الإدارية عن «عن استنكارهم لتعمّق تدهور القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة غلاء الأسعار، وتحرير كثير منها، والتدهور الحادّ لقيمة الدّينار، وما نتج عنهما من ارتفاع للتضخّم، إضافة إلى تصاعد عمليات التهريب وازدياد الاحتكار من دون رادع».
ومثل هذه المواقف تثبت أن اتحاد الشغل حتى إن شارك في مشاورات حكومة الوحدة، فإنه لن يكون قادراً على الصمت إزاء ارتفاع منسوب الغضب الاجتماعي على حكومات ما بعد الثورة.
أمام كل هذه التحديات التي سيواجهها يوسف الشاهد، تشهد عملية تشكيل الفريق الحكومي، تجاذبات وصعوبات عدة، حيث سيجد صعوبة في حسم اختياره النهائي، لأن الأطراف المتدخلة كثيرة، ولأن الحسابات المستقبلية تفرض عليه ألا يغضب أحداً. وهنا ستتحول حكومة الوحدة، إلى حكومة محاصصة وحكومة ترضيات، قبل أن تكون حكومة كفاءات، تحتاجها البلاد لمواجهة جملة التحديات الكبرى التي تنتظرها في الأشهر القادمة.
فهل يمكن للترضيات والمحاصصة أن تكون أفضل سبيل لمجابهة مشكلات عميقة، اقتصادياً واجتماعياً؟
هنا على يوسف الشاهد الذي سيتحمل نتائج أداء فريقه الوزاري مستقبلاً، أن يرشد اختياره، لأن مهمته أصعب من مهمة الحبيب الصيد. وإذا خضع الشاهد لرغبات الأحزاب ومناوراتها، وضغوطها فإنه يكون قد زرع بذرة الفشل، قبل أن يكتمل تشكيل الحكومة. سيبحث الشاهد عن دعم أطراف الائتلاف يوم التصويت على منح الثقة، لكنه لن يحصد في كل الأحول ما حصدته حكومة الصيد عندما تقدمت لنيل الثقة حيث حصلت على أكثر من 160 صوتاً.
ولذلك فإن رئيس الحكومة الجديد، عليه أن يضع في الاعتبار أن حكومته ستمر بأغلبية بسيطة، وأن الضغوطات لا قيمة لها في تشكيل الفريق الحكومي، لأن النتائج وحدها هي التي ستحدد مستقبله السياسي.
*نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة