الفلسطيني جهاد ارشيد.. عندما يجتمع فخر "التضحية" وحزن "الفقدان"
الأب الفلسطيني غيّب رصاص الاحتلال فلذان الكبد، إلا أنه يجد لا يجد ذلك سوى "تضحية واجبة" دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى
لم تجف دمعة أم الشهيدة دانيا ارشيد، لم تختف ألعابها من المكان، لم تغادر روحها البيت الصغير "تلعب مع سجى، وتحمل قمر" حتى جاء لأمها خبر استشهاد ابنها البكر "عدي ارشيد" عصر يوم الجمعة الماضي.
واستشهد عدي جهاد ارشيد (24 عاما) برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مواجهات مع مئات الفلسطينيين وسط مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، فيما أعدمت قوات الاحتلال شقيقته دانيا (17عاما) بالرصاص الحي قرب المسجد الإبراهيمي وسط الخليل في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ثمانية وأربعون يوماً لم تذق أم "عدي" طعم النوم، تحاول أن تغمض عينيها، وتتغلب على دموعها، لكن "من أين لأم تفقد فلذات كبدها أن تهدأ أو تهنأ بدونهما" يقول زوجها جهاد ارشيد، الصابر المحتسب على ألم الفراق.
مئات النسوة المتشحات بالسواد يفِدن إلى بيت عزاء النساء لمواساة أم "عدي" وفي المقابل يتدفق المئات من الشبان والفتيان والشيوخ إلى خيمة عزاء الرجال المقامة قبالة منزل العائلة.
الجزء الأخير
الجزء الأخير من حياة عدي لن تنساه والدته المكلومة، تخبر النسوة حولها بآخر كلماتها مع بكرها علي صناعة "خبر اليانسون" وعليك يا عدي توزيعه على الأقارب والأصدقاء يا عدي رحمةً عن روح "دانيا" .. حاضر يا أمي سأفعل" لكنه لم يعد لها، فتدخل في نوبة بكاء طويلة.
واستدعت حالة الأم نقلها إلى المستشفى مرتين منذ استشهاد عدي "نُقلت بعد دقائق قليلة من تلقيها نبأ استشهاد عدي.. ونقلت المرة الثانية عصر يوم السبت (أمس)" يخبرك الزوج المتابع لحالة زوجته الصحية والنفسية ولحالة أبنائهما.
معاناة جهاد ارشيد لا تقف عند فقد اثنين من أبنائه الثمانية، وإنما تمتد المعاناة مهددة المنزل المتواضع الذي تزوج فيه وأنجب أولاده وترعرعوا أمام عينيه بين جدرانه "بالهدم على أيدي قوات الاحتلال.. انتقاماً من ادعائهم محاولة دانيا طعن مجموعة من جنود الاحتلال بسكين".. يتحدى الوالد أن تكون حقيبة دانيا المدرسية حملت يوماً ما أية "آلة حادة"، ويقول: "على الاحتلال إعادة حقيبة دانياً لأثبت لهم كذب ما يدعون".
لم يردع اقتحام قوة كبيرة من جنود الاحتلال برفقة ضباط المخابرات "عدي" عن المشاركة في التصدي لاعتداءات الاحتلال التي لم تتوقف ضد الخليل منذ سنوات طويلة، يؤكد والد عدي، ويضيف: "اقتحموا منزلي قبل حوالي أسبوعين وأخذوا قياسات المنزل تنفيذاً لقرار سلطات الاحتلال بهدم منازل منفذي العمليات الفدائية".
"إعدام طفلته وقتل بكره والتهديد بهدم بيته" واحدة من تلك الاعتداءات تكون كفيلة بفقدان الآباء توازنهم، لكن جهاد ارشيد البالغ (50 عاماً) لا يرى في تلك الاعتداءات خسارة بقدر ما هي "تضحية واجبة" دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى.
بداية المعركة
ويتابع: "المسجد الأقصى يحتاج إلى الكثير من الدماء دفاعا عنه.. يتطلب التضحية بالغالي والنفيس من أجل تحريره من أيدي المستوطنين المتطرفين"، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لا يزال في بداية معركته مع الاحتلال.
ويقول ارشيد إن ما يخفف من معاناتهم "حجم التضامن الشعبي الكبير الذي يلقاه من أهل الخليل.. كثيرون عرضوا علينا الإقامة في منازلهم إذا ما نفذت قوات الاحتلال تهديدها وهدمت منزلي"، ويؤكد أن هذا التضامن "يعزز الانتماء الشخصي لأرض الوطن".
ووسط جمع من الرجال يؤكد جهاد "أن الخليل ستبقى صامدة في وجه الاحتلال.. ستتصدى المدينة لجرائمه وعدوانه المتواصل وستواجهه بكل قوة، ولن تتراجع عن ذلك حتى تحقيق حريتها وكرامتها" فترتفع أصوات التكبير على وقع كلماته.
وتعتبر الخليل استثناءً بين المدن الفلسطينية في مواجهتها مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، إذ كانت حصتها 41 شهيداً، من بين شهداء الانتفاضة الـ121، ومن بين القتلى الـ22 من جنود الاحتلال والمستوطنين قُتل حوالي نصفهم على أيدي أبناء الخليل.
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjc1IA== جزيرة ام اند امز