مركب "خوفو" وخشبة الأرز أول الغيث
الأقباط في لبنان: أكثر من 7000 نسمة استوطنوا فيه منذ آلاف السنين
يصل عدد الأقباط في لبنان إلى أكثر من 3000 نسمة يتوزعون بين بيروت وجبل لبنان.
من أرض الكنانة ومهد الديانة المسيحية في القارة الإفريقية وموطن " مارمرقص" البطريرك الأول للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العالم من "مصر" ومختلف مناطقها، جاء الأقباط الى لبنان منذ زمن طويل ليحصل عدد كبير منهم على الجنسية اللبنانية (2000 نسمة) والبقية يأملون بالحصول عليها بعد أن مر على استيطانهم للبنان عشرات السنوات.
يصل عدد الأقباط في لبنان إلى أكثر من 3000 نسمة يتوزعون بين بيروت وجبل لبنان، وكلمة "قبطي" هي مصطلح يوناني أطلقه الإغريق على "مصر" ومعناها " الأرض السوداء". أما أبناء تلك الأرض فتم تسميتهم على اسمها.
مع صباح كل يوم أحد من كل أسبوع يلتقي الأقباط المصريون مع أقرانهم اللبنانيين من أبناء الطائفة داخل باحة كنيسة " العذراء ومارمرقص" في منطقة سن الفيل شمال بيروت، بينهم العامل البسيط والتاجر ورجل الأعمال، يتفرغون للصلاة والاطمئنان إلى أحوال بعضهم البعض، ومساعدة المحتاجين من أبناء الطائفة، وعلى جدار صالون الكنيسة ثبتت لوحة إعلانات أسبوعية يتم من خلالها الإعلان عن الوظائف الشاغرة ونداءات الاستغاثة والمساعدة لكل مَن هو بحاجة إلى مساعدة إذا توفرت الإمكانيات لذلك من قبل الأثرياء منهم.
يعتبر قداس الأقباط من أطول القداديس بين جميع الطقوس المسيحية؛ إذ يستمر لمدة أربع ساعات لينتهي عند الظهيرة، وتترافق القداديس مع نقر الدفوف وصدى الصاجات وعبق البخور، وتتلى التراتيل باللغة القبطية المؤلفة من 32 حرفًا "منها 23 حرفًا" مشتق من اللغة الهيروغليفية، وتسعة أحرف من اليونانية القديمة، وهي تكتب وتقرأ من الشمال إلى اليمين، أما الإنجيل القبطي فهو مدون باللغة القبطية.
"الأنبا" هو لقب قبطي يطلق على القديسين، وهو مرادف لمصطلح "مار" الذي يدل على القداسة.
تتميز الكنيسة القبطية بخلوها من تماثيل القديسين، والاستعاضة عنها بلوحات رسم عليها صور القديسين وشهداء الأقباط، وأبرزهم: "مار أنطونيوس" ( الأنبا أنطونيوس) مؤسس الديانة المسيحية في مصر، و"مار مرقص" الذي أسس الكنيسة القبطية المصرية وكان مركزها الإسكندرية، وهو شهيد الكنيسة القبطية الأول، وتجدر الإشارة إلى أن معظم قديسي وقديسات الأقباط هم من الشهداء، ومن أهم القديسين "أبرام" و"تقلا" و"باخوميوس" و"أنطونيوس". وتكتب أسمائهم بالأحرف القبطية التي يصعب على غير الأقباط قراءتها.
الطقوس القبطية مستوحاة من المناخ الشرقي، وهي مزيج من التراث القبطي واليوناني، ويبرز الفن القبطي من خلال الموسيقى والمخطوطات القبطية والرسوم التي تزين جدران الكنيسة. أما التقويم القبطي فهو يختلف عن التقويم الميلادي، ويبلغ عدد أشهر السنة 13 شهرًا "طبقًا" لدورة الشمس، في حين أن السنة القبطية تختلف عن السنة الميلادية، وهي تبدأ يوم 11 أيلول/ سبتمبر من كل عام.
شم النسيم والصيام 215 يوم
يحتفل الأقباط بكل الأعياد المسيحية ولديهم عيد مميز وهو عيد "شم النسيم" الذي يصادف في أول يوم من فصل الربيع، حيث يتناولون خلاله أكلة شعبية يطلق عليها "الفسيخ" أي السمك المجفف، إضافة الى الفول والحمص والحبوب، فيعتبرون هذا العيد بمثابة عيد ولادة السيد المسيح عليه السلام، إضافة إلى مناسبات دينية أخرى نذكر منها: صوم العذراء (40 يوم) وصوم الميلاد (55 يوم) فيبلغ عدد أيام الصيام عندهم 215 يوم.
وأبرز الشخصيات القبطية المعروفة: الممثل "هاني رمزي" والمفكر السياسي "إدوارد بيباوي".
الوجود القبطي في لبنان ليس حديث العهد، فهو وجود تاريخي تشير إليه دلائل عدة، منها العثور على نواويس فرعونية في جنوب لبنان، وتحديدًا في كل من مدينتي "صور" و"صيدا"، مقابل العثور على خشبة الأرز الأطول في العالم ويبلغ طولها 22 مترًا داخل مركب "الشمس" الخاص بالفرعون الأكبر "خوفو" وقد وجدت مدفونة تحت الأرض بعد أن تم جلبها من لبنان.
ظهر الأقباط في لبنان في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وجاءت هجرة الأقباط إلى لبنان على فترات متتالية، وتبلورت في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وخلال فترة الاضطرابات التي شهدها العالم العربي مع احتلال فلسطين وقيام دولة إسرائيل عام 1948، ثم مع انتشار النزعة الإسلامية لدى ولادة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن البنا أطلقت الصرخة القبطية التي طالبت بوقف مساعي تهميش الطائفة، وسط هذه الأجواء المتراكمة جاءت الهجرة الأولى للأقباط إلى لبنان، حيث لاقوا ملاذًا "آمنا" حالهم حال الكثير من مسيحيي الشرق الذين أتوا من العراق وسورية وفلسطين.
عادت هذه الهجرة لتبرز بقوة مع بداية الثورة في مصر عام 1952، وعلى أثر مرحلة التأميم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عمد عدد كبير من المصريين المسلمين منهم والمسيحيين إلى تهريب أموالهم الى لبنان واستثمارها، فشكلت هذه المرحلة الهجرة الكبرى للأقباط من مصر.
تجنيس الأقباط
وخلال الفترة الممتدة بين الأعوام 1920 و1990 كان الأقباط في لبنان يجددون إقاماتهم كل سنة، ويدفعون كفالات مادية للدولة، إضافة إلى ضرورة وجود كفيل لبناني لكل فرد قبطي على الأراضي اللبنانية، واستمر الوضع على هذا الحال حتى العام 1994، حيث منحت الجنسية اللبنانية إلى الأقباط والطوائف الأخرى المقيمة داخل لبنان رسميًّا منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك في عهد الرئيس اللبناني الراحل "إلياس الهراوي".
أما الاعتراف الرسمي بالطائفة القبطية كطائفة مستقلة فجاء عام 1996 عندما زار الأنبا الراحل "شنودة" لبنان، وعرض هذا الملف على رئيس الحكومة الراحل "رفيق الحريري" الذي وافق عليه بعد عرضه على كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب، فتمت الموافقة على منح الأقباط الحق الرسمي والمدني والسياسي.
للأقباط في لبنان كنيسة واحدة وهي كنيسة "العذراء ومرقص" التي شيدت عام 1972 في منطقة "سن الفيل" في بيروت بمساهمة من أبناء الطائفة الأثرياء، وتوقف العمل فيها مع بداية الحرب الأهلية التي نشبت في لبنان عام 1975، ليستكمل العمل فيها عام 1995 بعد انتهاء الحرب، حيث افتتحها الأنبا "شنودة" خلال زيارته للبنان.
وللأقباط أيضًا مدفن واحد في منطقة "الحدث" في بيروت، أقيم على أرض قدمتها الرهبانية الأرثوذكسية كهبة، ولكن ليس للأقباط مدارس أو إرساليات حيث يقصد معظم أبنائهم مدارس السريان في لبنان، وقبل العام 1972 كان الأقباط يمارسون طقوسهم الدينية من زواج ومراسم دفن في كنائس السريان قبل بناء كنيستهم.
يمتلك بعض أفراد الطائفة القبطية عقارات وأراضي موزعة بين مناطق: جبيل، البترون، ضهور الشوير، برمانا، المنصورية والحدث. وأبرز العائلات القبطية التي تحمل الجنسية اللبنانية: بطرس، رومانوس، قربة، ساوريوس، صاروفيم، روفايل، حبيب، دمر، وسليمان.
إدمون بطرس: العلاقات مع لبنان عمرها آلاف السنين
يتحدث رئيس التجمع القبطي الديمقراطي في لبنان "إدمون بطرس" عن أحوال الأقباط في لبنان، مشيرًا إلى أنه يوجد في لبنان 5000 الى 7000 قبطي يتبدل عددهم بين الحين والآخر، ومعظمهم لا يحمل الجنسية اللبنانية، مع العلم أنهم موجودون منذ أكثر من 10 سنوات، ويحق لهم الحصول على الجنسية اللبنانية بعد أن صدر مرسوم تجنيس الأقليات الذي ينص على تجنيس كل مَن مضى على وجوده في لبنان أكثر من عشر سنوات، ويضيف: كان هناك تبادل فرعوني - فينيقي منذ آلاف السنين، وهذا التواصل استمر على المستوى الشعبي من القرون القديمة وصولًا إلى القرون الحديثة.
وأبرز العائلات التي ساهمت في انطلاق الحياة الثقافية والأدبية في مصر "الأخوين تقلا" اللذين أسسا (جريدة الأهرام)، وصولًا إلى "جرجي زيدان"، حتى أن رئيس الجمهورية اللبناني الأسبق "بيار الجميل" كان يعيش في مصر.
وعن الوضع الاجتماعي للأقباط يقول بطرس: أسسنا صندوق لمساعدة الفقراء اسمه "إخوة الرب" يتم التبرع فيه من قبل العائلات الميسورة.
هذا وليس للأقباط حزب سياسي في لبنان، إنما لديهم "الرابطة القبطية" التي تهتم بشؤون المرضى والمساجين والمعوقين.
الأب رويس الأورشليمي: الخوف ليس وارد عندنا
ويرى رئيس الكنيسة القبطية في لبنان الأب "رويس الأورشليمي" أن الأقباط معروفون منذ بداية المسيحية ولهم كنيستهم اللاهوتية، وأنهم على علاقة وثيقة بالطوائف الأخرى، وعن التهديدات التي تلاحق الكنيسة القبطية يقول: "هناك إقبال كثيف على الكنيسة بالرغم من التهديدات، فالخوف ليس وارد عندنا؛ لأننا بين أيدي الله، ولا أحد يستطيع أن يخطفنا من ربنا".
ويؤكد الأورشليمي أن الرهبنة في العالم تأسست على يد الأقباط، حيث تتلمذ كل الرهبان على يد "مارأنطونيوس الكبير" في مصر.
أما فيما يتعلق بوجوده في لبنان فيؤكد أنهم أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من التركيبة اللبنانية وخصوصًا المجنسين منهم.