«طائرات روسية تقلع من مدرج مرسوم على ظهر مرشد إيران علي خامنئي لضرب الشعب السوري الرافض لبشار ونظامه
«طائرات روسية تقلع من مدرج مرسوم على ظهر مرشد إيران علي خامنئي لضرب الشعب السوري الرافض لبشار ونظامه..»، كاريكاتير معبّر لرسام جريدة «الشرق الأوسط» يشير إلى طبيعة العلاقة الروسية - الإيرانية في توظيف ما يملكه كل طرف لتحقيق الأهداف. «روسيا بوتين» يلوح لها في الأفق حلم إعادة نفوذ الإمبراطورية، وترى في المشروع الإيراني الطموح للتوغل في العراق وسورية ولبنان وسيلة لا تتوافر في غيره. وهي تسابق الزمن لاستثمار التراخي الأميركي، إن لم يكن الانكفاء على الداخل، والاكتفاء بما تحقق في شرق آسيا ووسطها، وعلاقات مشوشة مع حلفاء في المنطقة لم تصن متطلبات أمنهم.
وإيران، الشريك «الطموح» يشاغب على الغرب بتهديد مصالحه ويغريه بقدرته على ضمانها، ويعمل بإصرار على خلخلة الأمن القومي العربي والدفع بوكلائه والمجموعات الدائرة في فلكه إلى التشكيك في جدوى تماسك الجبهة العربية. ويبدو أن إيران أنجزت معظم ما تريد في العراق ولبنان وهي مستميتة لتحقيق سيطرتها على سورية بمعاونة الحليف الروسي الذي يعتبر دمشق إحدى دعائم مشروعه في المنطقة.. والنشاط الإيراني لا يقتصر على المنطقة العربية، بل يمتد إلى أفريقيا حيث الجهل والفقر والكيانات المحتاجة إلى المساعدات، والمجتمعات المسلمة المخدوعة بلافتات محبة آل البيت ومواجهة «الشيطان» الأكبر، الذي تنام معه إيران في «فراش الاتفاق النووي» ليلاً، وتحاربه في القنوات التلفزيونية صباحاً. وقد أكسبتها هذه السياسة المزدوجة الأتباع والشركاء والحلفاء في القارة السمراء. والنشاط الإيراني، على رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية والأعباء المالية الباهظة، لا يقتصر على أفريقيا، بل يتحرك شرقاً، في أفغانستان وما جاورها من جمهوريات آسيا الوسطى من خلال امتداده الطائفي في قبائل الهزارا وبقايا «المجاهدين» الخائفين من طالبان وعودة هيمنة البشتون على السلطة في كابل. وإيران «شاطرة» في استغلال التناقضات وتوظيف المفارقات لمصلحتها.
هذا الاندفاع الروسي والإيراني يعطي انطباعاً، للوهلة الأولى، بأنه يتحرك في أرض ممهدة نتيجة لتراخي الموقف الأميركي، وتراجع الدور الأوروبي، وضعف المكون العربي، ومحاصرة تركيا بين الأطماع الروسية، وخذلان الحليف الأميركي، وتهديدات حزب العمال الكردستاني، والضغوط الخفية للكيان الصهيوني.
تركيا عضو في حلف الناتو، منذ الحرب الباردة، ولها أهمية كبرى للأمن الأميركي والأوروبي، في إطار سياسة مواجهة النفوذ الروسي، ولكن تركيا لم تستطع أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، والأسباب تتكشف أبعادها كلما مضت في استعادة روحها وثقافتها الأصيلة، على رغم وفائها بكل متطلبات العضوية (نظام يحتكم إلى صناديق الاقتراع في تداول السلطة، واقتصاد قوي مكنها من عضوية مجموعة العشرين، وضمان حريات التعبير والاعتقاد)، وهاهي اليوم تواجه التهديد بإيقاف ملف طلب العضوية نتيجة للإجراءات التي اتخذتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتصريحات مسؤوليها وغضبهم من الموقف الأميركي والأوروبي تجاه العملية الانقلابية، إلى جانب النشاط المتصاعد لحزب العمال الكردستاني بعد أن اتضح أن الحليف في واشنطن لا يمانع في قيام «كيان» كردي في سورية، الأمر الذي يشكل تبدلاً في النظرة إلى الأمن الوطني التركي.
في ظل هذه الأوضاع، موقف الغرب غير المساند والضغوط الروسية المستفيدة من موقف الغرب والشكوك الإسرائيلية وتأثيرها على الرأي العام الغربي والمنافسة غير المعلنة مع إيران، وجدت تركيا نفسها في حصار يدفعها للتحرك من أجل «تفكيك» حزمة الضغوط ودفع فاتورة الأقل كلفة وإعادة تصنيف الأولويات وحساب التكاليف ومواعيد تسديد الفواتير، وهي مطالبة بمعالجة هذه الاختلالات وسد الثغرات وتقريب المسافات، مع الإبقاء على جسور التواصل ممتدة لتمر من فوقها المصالح.
وعلى رغم المنافع الاقتصادية الكبرى المتبادلة بين أنقرة وموسكو إلا أن الاندفاع الروسي وتطور علاقتها مع إيران الطموح والتراجع الأميركي في المنطقة سيجعلها تشعر أنها هي اليد العليا، وأن تركيا هي المضطرة إلى المهادنة في هذا التوقيت، وبالتالي فإن روسيا ستمضي في مشروعها «الإمبراطوري» الذي من ضروراته البقاء على نظام بشار أو من يمثله، إذا اضطرت لبيعه في صفقة تمكن الموالين لإيران في سورية ولبنان بعد أن ضمنت العراق. وروسيا تفعل ذلك وهي مطمئنة إلى أن أقصى طموحات تركيا، في هذه المرحلة، إيجاد صيغة توقف خطر «الكردستاني» الذي تعتبره خطراً استراتيجياً. وفي هذه المسألة تلتقي مصالحها مع المصلحة الروسية.
أمام هذه الخريطة وما فيها من تداخلات يبرز سؤال: أين العرب من هذا؟ وإلى أين تتجه بوصلة عملهم السياسي المدعوم بالقوة العسكرية والتأثير الاقتصادي؟
لا تلوح في الأفق إجابات سهلة على هذه الأسئلة، لكن من المؤكد أن العرب يواجهون تحديات كبرى، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، فهم يواجهون تبدل الموقف الأميركي وآثار الدوران في فلك واشنطن لعقود من الزمن من دون مهلة كافية للتحرر من ذلك القيد، والعمل على بناء تحالفات تعوض «الخذلان» الأميركي المفاجئ، إضافة إلى ذلك تحديات الإرهاب و«فشل» بعض الدول بعد ما سمي بالربيع العربي والتدخل الإيراني في الشأن العربي الداخلي. أمام هذا الواقع تتحرك المملكة، في أكثر من اتجاه، لصد الخطر الخارجي، والعمل على كسب الشركاء على قاعدة المصالح وتبادل المنافع. وقد تمكنت، بشكل فاجأ الكثيرين، من تعطيل مشروع إيران للاستيلاء على اليمن وبعض العواصم العربية في ظل الصمت الغربي، إن لم نقل الدعم. وهاهي دبلوماسيتها تتحرك في اتجاه روسيا وفرنسا والصين لاستثمار علاقاتها وحضورها السياسي وتأثيرها الاقتصادي وعمقها الثقافي لتعظيم الصوت العربي في السياسة الدولية، وتقوية دوره في المشاريع الجاري تنفيذها في المنطقة. وهي قادرة، إذا أدرك العرب حقيقة التبدلات وطبيعة التهديدات، على إيقاف حال الانهيار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة