تبلغ تكاليف بعض المدارس الخاصة في الإمارات أكثر من 120 ألف درهم سنويا، وأكثر من 90 ألف درهم سنوياً لرياض الأطفال في بعض المدارس
تبلغ تكاليف بعض المدارس الخاصة في دولة الإمارات أكثر من 120 ألف درهم في السنة الدراسية الواحدة وأكثر من 90 ألف درهم سنوياً لمرحلة رياض الأطفال الأولى (كي جي 1) في بعض المدارس، بينما تكلفة الدراسة للسنة الواحدة في جامعة كامبريج الشهيرة والتي تخرج منها جهابذة العالم لا يتعدى 83 ألف درهم! فتصور أن رسوم بعض رياض الأطفال تعد أغلى من بعض أعظم الجامعات في العالم والرسوم المدرسية في بعض المدارس الخاصة في الدولة تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى العالم وتلك الأرقام الفلكية مقارنة مع نوعية التعليم، وبالرغم من أنظمة ضبط الجودة في بعض المخرجات تعتبر لغزا ليس له حل. والسر يكمن في مسؤولي مدرسة ومدرسين أجانب يحملون جنسيات معينة أو تعد لغتهم الأم هي الإنكليزية، وأتساءل أين هو نظام التصنيف الأكاديمي المحكم لجودة التعليم في تلك المؤسسات مقابل نظرائها من الأفضل في العالم مقابل ما يدفع من تكاليف؟
ويقول لك أحدهم: لم يجبرك أحد على إدخال أبنائك في مدارس خاصة، فالدولة وفرت في المدارس الحكومية مستوى تعليميا راقيا.. وتلك حقيقة، لكن التعليم في المدارس الحكومية يعتبره البعض حكماً بالإعدام في الكثير من الحالات لأخلاقيات الأطفال، وربما يتعرضون فيها لأبشع أنواع سوء المعاملة النفسية والجسدية والمعنوية، وكل أنواع التنمر مما يجعلك تقضي بقية حياتك وأنت تحاول إصلاح الشرخ النفسي الذي تسبب فيه دخول ابنك في مدرسة حكومية، وسماعه مثلاً لمدة 12 سنة لكلمات نابية تستهدف كرامته كإنسان، كأن يهاجم لشكله أو لونه أو قبيلته، والقائمة تطول.
فمجتمعاتنا لديها مشكلة حقيقية على المستوى الاجتماعي القيمي الأخلاقي في أمور يعتبرها البعض بسيطة ولا تستحق الذكر، ولكن عندنا يصبح هو في الطرف الذي يكون فيه طفله الضحية، ستجد الموضوع أخذ بعداً آخر تماماً، وأصبح أمراً لا يمكن السكوت عنه!
وستُفجع إذا عرفت أن تكلفة التعليم الخاص في دولة عُمان الشقيقة هي ثاني أغلى تكلفة بعد الإمارات على مستوى الوطن العربي وتليها باقي دول مجلس التعاون الخليجي، أفلا ترون ثمة أمراً مثيراً لريبة في هذه الصورة، ونحن من نعايش الطلبة السوبر الذين يرتادون تلك المدارس ونعرف مستوياتهم. وهل التعليم الخاص في دول مجلس التعاون أفضل من باقي دول العالم المتقدم؟
فالتعليم أسلوب حياة وفكر وقيم وسلوكيات مجتمع. والمدارس الخاصة لدينا أنجح مشروع تجاري على الإطلاق وربحية غير مسبوقة، ونتفهم ذلك ونشجع الاستثمار الأمثل في التعليم الخاص، ولكن وفق معايير تصب في جعل المجتمع معرفياً وبحثياً ومتصدراً للابتكار والاختراع في المنطقة أولاً والقارة ثانياً ومن ثم العالم.. كما يرفع ذلك التعليم مستوى الطالب كفرد صالح في المجتمع، وكإنسان متحضر في المجمل.
فالبداية الحقيقية يجب أن تكون من بيت الطالب أو الطالبة وتوعية الأسر لعدم زرع السموم والمفاهيم المتخلفة في عقول الأطفال وتجريم ذلك الفعل، حيث إن التعليم لا يتناول هذا التحدي بطريقة تقلل من خطورة الموقف وتداعياته على المدى الطويل، وسبق وأن قلنا إن أكبر معوقات التعليم في الوطن العربي هو نظام تنشئة الطالب كمواطن سوي وسفير نوايا حسنة عالمي بهوية محلية تعكس واقع المجتمع الديموغرافي والمتغيرات الجبرية الحادثة في كل قارات العالم، وجعل الأسرة مسؤولة أمام القانون عن ممارسات أبنائها الخارجة عن حدود الأدب والأخلاق والسلوكيات الخارجة عن النص والذوق العام.. وهنا يبرز دور القائمين على التربية والتعليم لوضع أدوات قياس علمية ذكية وحلول إبداعية يرى أولياء الأمر أثرها على أبنائهم.
ويجب التخلص من إشكالية أن وزارة أو هيئة بعينها- بمنأى عن باقي الوزرات والهيئات- هي المسؤولة عن التعليم، إذا كنا نتحدث عن بعد تكاملي للتربية ثم التعليم وضرورة أن يكون في كل دائرة أو مؤسسة حكومية وشبه حكومية وخاصة حيوية في الدولة تنظيم إداري أو أشخاص معنيين بالمساهمة في منظومة التعليم كون التعليم هو بناء وطن من خلال بناء الإنسان. وبناء الإنسان مهمة الجميع دون استثناء والابتعاد عن الكم والدعاية الإعلامية التي تأتي على حساب الكيف، حتى لا نجد الطالب في الصف السادس الابتدائي يعاني من إضرابات القلق ومكتئب نفسياً، ويشعر والداه كما لو أن تخرجه من ذلك الفصل سيدخله في سوق العمل مباشرة!
* نقلاً عن جريدة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة