هيلاري وترامب.. مستقبل تحالفات أمريكا الخارجية
يستكمل الجزء الثاني من ورقة بحثية نشرها المعهد الملكي للدراسات الدولية في لندن "تشاتام هاوس"، دراسة الصراع بين أفكار ترامب وكلينتون.
يستعرض الجزء الثاني من ورقة بحثية نشرها المعهد الملكي للدراسات الدولية في لندن "تشاتام هاوس"، الصراع بين أفكار المرشحين الرئاسيين الأمريكيين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، متسائلة عما يمكن تسميته بـ "حال العالم"، إذا فازت كلينتون أو ترامب برئاسة أمريكا في نوفمبر المقبل، وكذلك تتطرق إلى سياسة الرئيس باراك أوباما وتقاطعاتها مع غيره وما علاقته بالوضع الحالي.
يمكن الاطلاع على الجزء الأول من التقرير على هذا الرابط
وفيما يتعلق بهيلاري كلينتون، تقول الدراسة إنها تتمتع بخبرة أكبر في السياسة الخارجية من أي مرشح للرئاسة في السنوات الأخيرة، وكوزيرة للخارجية لعبت دورا فعالا في تشكيل العديد من المبادرات في أول إدارة للرئيس أوباما، وكسبت ثناء وزير الدفاع روبرت غيتس - الذي خدم في مختلف الإدارات الجمهورية وكذلك في إدارة أوباما- بصفتيه المثالية والبراغماتية في آن.
ومنذ الإعلان عن ترشحها للانتخابات الرئاسية في عام 2015، طرحت كلينتون عناوين توضح العديد من وجهات نظرها بشأن التحديات العالمية، ولكنها حتى الآن لم تطرح توجهات سياستها الدفاعية بشكل مفصل.
ومع ذلك، فإن سجل كلينتون في وزارة الخارجية ومجلس الشيوخ يمكن أن يكون مفيدا، فقد قالت إنها تدعو إلى استخدام "القوة الذكية"، وإن القيادة العالمية للولايات المتحدة هو شرط مسبق لا غنى عنه لضمان الأمن في الداخل، وهي نقطة كانت قد أكدت دعمها لدور بلادها في منظمات مثل الناتو، وبينما دعمت الرئيس أوباما، لكنها في بعض الأحيان اتخذت مواقف أكثر تشددا منه.
ففي عام 2003، على سبيل المثال، صوتت كلينتون في مجلس الشيوخ بالموافقة على عمل عسكري ضد العراق، وبعد ست سنوات، كوزيرة للخارجية، أيدت زيادة عديد القوات الأمريكية في أفغانستان، وحثت أيضا على التدخل في ليبيا ضد نظام معمر القذافي، وبعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، جادلت بشأن تسليح جماعات المعارضة وتدريب عناصرها، وهي لا تزال تدعو إلى منطقة حظر جوي لحماية المدنيين من نظام الأسد داعش، داعية الولايات المتحدة إلى تكثيف وتوسيع نطاق تدخلها، لأن تحقيق هذا سيتطلب مزيد من الجهود لسحق ما يسمى "دولة الخلافة" وتقويض سيطرة داعش على أراض عراقية وسورية، يتطلب حملة جوية لقوات التحالف أكبر من تلك القائمة حاليا.
وتعتقد كلينتون أن هذه السياسة ينبغي أن تكون "جنبا إلى جنب مع قوات على الأرض" تسترجع المزيد من الأرض من داعش، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أن سياستها سوف تعتمد نهج "التكثيف والتسارع" للسياسة التي يعتمدها الرئيس أوباما حاليا، وذلك لتجنب الانزلاق إلى وضع يشبه ذلك الذي أدى إلى احتلال العراق عام 2003، وهي سياسة أعربت في السابق عن أسفها لدعمها لها.
وعلى الرغم من اختلافاتها مع الرئيس أوباما على سوريا، إلا إن كلينتون ناصرت مبادرات تتعلق بالتدخل، وأبرز مثال هو خطة العمل المشترك الشاملة (JCPOA) مع إيران بشأن برنامجها النووي، وهي الخطة التي وضعت أسسها كلينتون عندما كانت في وزارة الخارجية. وهي أكدت أنها برغم دعمها لخطة JCPOA، لكنها تعتقد إن على الولايات المتحدة أن تستمر في مواجهة السلوك الإيراني العدواني في المنطقة.
بشكل عام، يمكن للمواطنين في الولايات المتحدة وحلفائها أن يتوقعوا أن سياسة الدفاع عند كلينتون تشبه إلى حد كبير سياسة الرئيس أوباما. ومع ذلك، وإذا ما أخذت مواقفها السابقة بعين الاعتبار، فإنها تعطي إشارة بأن إدارة كلينتون سوف تتبنى موقف دفاع أكثر عدوانية، وسوف تكون أكثر راحة مع خيار وضع العمل العسكري على الطاولة.
كلينتون تعترف تماما بمنطق الـ "منحدر زلق" الذي ارتكنت إليه إدارة أوباما باستمرار لتجنب نشر القوة الصلبة في الخارج، وهي تعترف أيضا بأن التدخل العسكري المحدود من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى الصراع لفترة طويلة، لكنها لا تخجل من مبدأ استخدام القوة، وهي لها علاقة مريحة وطويلة الأمد مع الجيش الأمريكي. ومع ذلك، فإن كلينتون قالت بأنها تدرك بأن الدبلوماسية، هي لبنة أساسية لنهج "القوة الذكية"، وهي في بعض الأحيان يمكن أن تكون أكثر فعالية.
كلينتون تنتمي إلى جيل من صناع السياسة الأمريكية الذين يضعون العلاقات عبر الأطلسي في قلب كل شيء تفعله الولايات المتحدة في العالم. إن حكومتها ستسعى على الأرجح إلى زيادة الضغط على روسيا لوقف إجراءاتها العدوانية في أوروبا الشرقية. وكانت قد ذكرت صراحة أنها "في فئة من الناس الذين يريدون منا أن نفعل أكثر بشأن موضوع ضم شبه جزيرة القرم وزعزعة الاستقرار المستمرة في أوكرانيا"، وكمهندس لإعادة تنظيم العلاقات مع روسيا خلال الإدارة الأولى للرئيس أوباما، تجاوبت كلينتون مع إشارات التعاون التي أبدتها روسيا وسعت إلى إقامة علاقات بناءة معها، إذا ما اختارت روسيا تعديل سياساتها العدوانية، ومنذ ذلك الحين، تدرك كلينتون أن روسيا تحاول إعادة تأسيس المجال القوي لنفوذها في المنطقة، وبالتالي فإنها سوف تقدم مبادرات لطمأنة أعضاء حلف شمال الاطلسي بأن الولايات المتحدة عازمة على الدفاع عنهم بموجب المادة 5 إذا اقتضى الأمر.
وتعتبر كلينتون مشجعا متحمسا لزيادة انخراط الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وقد دعت إدارة أوباما إلى "إعادة التوازن" نحو آسيا، ومع ذلك، فقد أشارت كلينتون إلى أن الولايات المتحدة ينبغي أن تعزز المشاركة العسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال ضمان أن "البنية التحتية القدرات الدفاعية والاتصالات لحلفائها قادرة عمليا على ردع أي تحرش. وكرئيس محتمل للولايات المتحدة، فقد قالت إنها على الأرجح ستدعم زيادة الخطط الدفاعية في جميع أنحاء المنطقة، بالإضافة إلى كونها شديدة الأهمية في مواجهة تعديات الصين على حرية الملاحة. وكلينتون أيضا ستواصل الضغط من أجل حل النزاعات السيادية في بحر الصين الجنوبي على أساس القانون الدولي، وهو الموقف الذي يزعج الصين.
والأمر الأكثر إلحاحا بالنسبة لسياسة الدفاع، فإن كلينتون تدرك تماما الآثار التاريخية للقوة العسكرية والاقتصادية في الصين المتزايد على مصالح الولايات المتحدة وقيادتها الإقليمية. وقد أكدت أن الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها من الحلفاء هي ركائز مقدسة الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأنها ستكون على استعداد لاستخدام الضغط العسكري الولايات المتحدة إذا كان هناك أي دليل على أن هؤلاء الحلفاء هم تحت التهديد. لكنها أيضا تشجع الحوار العسكري ـ العسكري مع الصين، لزيادة الشفافية وتقليل مخاطر الحوادث وسوء الفهم.
محليا، تجنبت كلينتون دعمها العلني لزيادة الإنفاق على الدفاع حتى الآن. كما إنها دعت لتشكيل لجنة للنظر في القضية، قائلة: "أعتقد أننا متأخرون في إجراء نقاش دقيق جدا في بلادنا حول ما نحتاج إليه، وكيف نحن ذاهبون لدفع ثمن هذا التأخر". ومن المرجح أنها ستستمر في دعم الكثير من البرامج الدفاعية الموجودة بالفعل. خارج الكونجرس، فصلت شخصيات بارزة في السياسة الخارجية للجمهوريين كلينتون عن مرشح حزبهم. ونظرا لذلك، ولقدرة كلينتون على حشد تحالف في الكونجرس لصالح أولوياتها في السياسة الخارجية بشأن مسائل مثل سوريا قد لا تواجه عقبات لا يمكن التغلب عليها.
ومع ذلك، فإن الجمهوريين في الكونجرس ما زالوا يحملونها المسؤولية المباشرة عن فشلها في منع الهجوم المميت على المجمع الديبلوماسي الأمريكي في بنغازي، ليبيا، في عام 2012 عندما كانت وزيرة للخارجية.
وعلاوة على ذلك، فإن العاصفة التي أثارتها كلينتون باستخدامها لبريدها الإلكتروني في مراسلاتها السرية، ستظل شوكة في جنبها، والتي يطلق عليها خلال الحملات الانتخابات الرئاسية تسمية مزعجة "فضيحة الإيميل" Emailgate وهي يمكن أن تستمر في الاستحواذ عليها بعد الانتخابات خصوصا وإن بعض أعضاء الكونجرس يعتبرون أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد أفلتها من المساءلة، وبالتالي فإن هذه القضية وغيرها سوف تكون مادة جيدة للاستخدام السياسي خلال رئاسة كلينتون، وسوف تؤثر بالتالي على الحشد الذي تريده لإقرار سياستها الدفاعية.
أوباما البراغماتي
اتسمت سياسة الدفاع عند الرئيس باراك أوباما بطابع من البراغماتية وتغليب الجانب العملي والواقعي، العملي والمشاركة وتلميحات من الواقعية، أحيانا بسبب ضغط النفقات، وأحيانا أخرى بسبب الخلل الذي أصاب عنصر المصداقية في سياسات الولايات المتحدة.
وقد وصف أوباما نفسه بأنه واقعي وأممي، وعبر عن دعم قوي للمؤسسات الدولية التي تعزز أمن الولايات المتحدة وازدهارها، مع التأكيد على حدود القوة الأمريكية في حل المشاكل المعقدة. وقد دخل إلى المكتب البيضاوي بعد انتخابه على قاعدة تعميق العلاقات مع الحلفاء ومد اليد إلى الشركاء المحتملين. كما وعد بإنهاء الولايات المتحدة لحروبها في العراق وأفغانستان، وتجنب حروب جديدة في المستقبل، على عكس بعض سياسات الإدارة السابقة في موضوع مكافحة الإرهاب. لكن العديد من القوى الخارجية والظروف قد عرقلت السعي لتحقيق هذه الأهداف بطرق غير متوقعة.
على مدى العقد الماضي، اختلفت طرق وظروف تورط القوة الأمريكية في الخارج. بشكل عام، ظهرت ثلاثة مناهج لاستجابة الولايات المتحدة لمعضلات الأمن في تلك الفترة: أولا المشاركة الثقيلة، كما رأينا في حروب الميدان ومكافحة التمرد التي طال أمدها في العراق وأفغانستان؛ ثانيا الاشتباك المحدود من خلال استخدام القوة الجوية، ثالثا استخدام القوات المحلية والمؤسسات متعددة الجنسيات، كما رأينا في ليبيا.
وحتى عام 2014، أظهرت الإدارة الأمريكية نهجا حذرا نسبيا لتجنب الغرق في صراعات تستدعي المزيد من التورط الأمريكي أمنيا، ولا يمكن حلها بسهولة عن طريق التدخل العسكري الأمريكي، كما رأينا مع الصراعات في سوريا وشرق أوكرانيا. في حين أن كل مقاربة منفردة في نهجها في هذه الصراعات، والتي لم تؤد إلى نجاح ملحوظ، طرحت أسئلة صعبة. فقد استمرت الصراعات في أفغانستان وليبيا وسوريا وبلغت ذروتها، كما أن الصراع في شرق أوكرانيا لم ينته بعد. وكل ذلك يثير التساؤلات بشأن نجاح واستدامة السياسة الأمريكية الحالية في هذه الساحات المختلفة.
بالإضافة إلى تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، وبعد وعوده بإصلاح ممارسات جمع المعلومات الاستخباراتية المثيرة للجدل، حاول الرئيس أوباما في وقت مبكر التخلص من بعض ممارسات مكافحة الإرهاب التي اعتمدتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
فخلال أول 100 يوم له في منصبه، قال أوباما أنه وقع أوامر تنفيذية تتعلق بطرق التحقيق مع المعتقلين منها حظر "الإيهام بالغرق" وغير ذلك من أساليب التحقيق المشكوك في قانونيتها، والتي ترافقت مع جدل داخلي حول وعد أوباما بخصوص إغلاق معتقل جوانتانامو. لكن إدارة أوباما، ذهبت أبعد من إدارة سلفه جورج بوش في الاعتماد بشكل كبير على الطائرات بدون طيار لاستهداف الإرهابيين الأجانب بطريقة تضمن الدقة وتتجنب ترك بصمات اتهامية.
إلى جانب عدد لا يحصى من الأحداث المعقدة في الخارج، كانت هناك أيضا تحديات داخلية تتعلق بالسياسة الدفاعية الشاملة، فقد فشل الكونجرس سنويا ومنذ عام 2009 في تمرير قرار الميزانية، مما أدى في الحكومة إلى اتخاذ تدابير لسد الثغرات التي تجعل خطط الدفاع على المدى الطويل تواجه صعوبة. كما أدت الصراعات الحزبية حول سقف الديون إلى سن قانون مراقبة الميزانية لعام 2011، والذي فرض تخفيضات مثيرة وكبيرة في بند الدفاع.
لكن من الواضح أنه يوجد الآن نوع من الإجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأن السياسات السابقة قد أعاقت القدرة على مواجهة التحديات الأمنية على نحو كاف، مما يشير إلى أنه يمكن لميزانية الدفاع أن تبدأ في النمو مرة أخرى على أساس يمكن التنبؤ به في السنوات الخمس القادمة.
لقد أرست القرارات التي اتخذت على مدى العقد الماضي الأساس للرئيس القادم، والعديد من التحديات الدفاعية التي تواجهها الإدارة الحالية يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، وليس هناك ما يشير إلى أن صراعات الشرق الأوسط سوف تنخفض، كما أن روسيا تواصل تخويف جيرانها، وهناك خلافات متزايدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والسياسة المحلية ستكون أكثر سخونة من أي وقت مضى، وتهديد الإرهاب سيظل القضية المركزية.
كل هذا يجعل الرأي العام الأمريكي أكثر اقتناعا بأن على البلاد أن تتحول إلى الداخل للتركيز على القضايا الخاصة بها والتي تخشى على نحو متزايد من افراط في استعمال أدوات القوة الأمريكية بالخارج. باختصار، يجب أن يكون الرئيس المقبل مستعد لمواجهة العديد من التحديات في وقت واحد في الخارج وفي الداخل.
ما الذي تستنجه الدراسة أخيراً؟
سيتعين على الرئيس المقبل للولايات المتحدة الرد على زيادة الشكوك بين الأمريكيين حول قيمة المشاركة في الخارج والمؤسسات الدولية والتحالفات، فالأمريكيون قلقون من الحرب ومن المرجح أن لا يوافقوا على زيادة المشاركة العسكرية.
حاليا، هناك 60 في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18- 29 يعارضون إرسال قوات برية إلى العراق وسوريا، و47 في المائة من السكان يقولون إن الاعتماد كثيرا على القوة العسكرية يخلق الاستياء تجاه الولايات المتحدة ويزيد الإرهاب.
يتعين على حلفاء وشركاء الولايات المتحدة أن يتوقعوا بأن الرئيس المقبل سيطلب منهم المزيد من أجل تهدئة هذه المخاوف. هذا ويمكن أن يشمل الدعوة إلى زيادة المساهمات في المهمات الدولية مثل التحالف المضاد لداعش، أو دفع أعضاء حلف شمال الاطلسي لزيادة ميزانيات الدفاع عنهم. في أوروبا على وجه الخصوص، فإن الولايات المتحدة ستطلب من حلفائها المساهمة أكثر عسكريا في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط وربما آسيا أيضا.
السنوات الثماني المقبلة تبدو مختلفة جدا بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في مجال الدفاع.
رئاسة كلينتون قد تكون فاتحة لعهد جديد لتعميق الحوار والتعاون، وخاصة في المجالات العسكريين، مع الحلفاء الحاليين، فلديها خبرة عميقة في الدبلوماسية والسياسة العسكرية، وقالت إنها تعرف كيفية طرح قضيتها والدعوة لها في الداخل والخارج.
ويمكن لرئاسة ترامب، من ناحية أخرى، أن تسحب الولايات المتحدة إلى الداخل وتؤدي إلى الانفصال عن الشؤون العالمية. ولكن لأنه لم يتول من قبل أي منصب عن طريق الانتخاب والتنبؤات الصعبة حول سلوكه، فمن الممكن إن ضغط الأزمات غير المتوقعة ومدى تعقيد المشهد الأمني الدولي قد يؤدي بشكل غير متوقع إلى سياسة أمريكية أكثر عدوانية في الشرق الأوسط أو آسيا.
لكلا النهجين - تعزيز المشاركة العالمية أو عدم التدخل - إيجابيات وسلبيات. مع التركيز على الوطن تعطي الولايات المتحدة نفسها فرصة لإعادة بناء اقتصادها ومعالجة القضايا الداخلية مثل الهجرة والرعاية الصحية. هذه هي القضايا التي يتردد صداها تاريخيا مع الجمهور وتحديد شعبية الرئيس في الداخل. ولكن ذلك هو قطعة واحدة فقط من اللغز.
كما يمكن للولايات المتحدة إذا ما انسحبت من الشؤون العالمية أن تضر النظام العالمي الليبرالي، والتي ستنعكس بضربة قاضية على القوة الأمريكية من خلال زيادة عدم الاستقرار وعدم اليقين الدولي. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تكون ضامنا للأمن في كل ركن من أركان المعمورة. لكنه يعني أنه يجب أن تستخدم مكانتها في العالم للمساعدة في تعزيز الأساس الذي بني عليه النظام الليبرالي. سوف تكون الصعوبة بالنسبة للرئيس القادم لإيجاد وسيلة ملائمة تخاطب اهتمامات كل من الرأي العام الأمريكي وحلفاء أمريكا، التي غالبا ما تكون على خلاف.
وسوف تستمر القوى الأجنبية الصديقة بمحاولة الحصول على مزيد من النفوذ الأمريكي والطمأنينة. قد يحاول المنافسون الأجانب لخلق عدم الاستقرار وكشف نقاط الضعف الأمريكية. وكل ذلك سوف يكون له تأثير قوي على السياسة الدفاعية للرئيس القادم.
على الرغم من أن الخطاب النابع من حملات ترامب وكلينتون هو على طرفي نقيض من الطيف، فإن هناك عددا قليلا من الأشياء يمكن أن تؤخذ في الاعتبار. وأيا من كان الذي سينتخب فإن مواقفه السابقة ستكون محكومة بالواقع السياسي بعد الفوز. هذا هو بالضبط السبب الذي يجعل من الصعب على الرؤساء تحقيق الوعود الانتخابية الخاصة بهم.
فالعديد من الإجراءات، وخصوصا تلك التي تستخدم في الجيش الأمريكي، تتطلب دعم الكونجرس، وبغياب هذا الدعم يستحيل تمرير تلك السياسات. كلينتون يمكن أن تصل إلى هذه المشكلة إذا أرادت زيادة المشاركة العسكرية في أوروبا والشرق الأوسط، في حين أن ترامب سيواجه أيضا هذه المسألة إذا كان يريد خفض ميزانية الدفاع أو معالجة قضية داعش بحملة قصف عشوائي قوية.
وأخيرا، فإن نجاح الرئيس يتوقف إلى حد كبير على الدعم الشعبي. السياسات الدفاعية التي لا تحظى بشعبية تأتي تحت تدقيق مكثف، لذلك من المرجح أن تلاقي أي سياسات غير تقليدية أو متطرفة ردود فعل ليس فقط من الرأي العام، ولكن أيضا من العديد من الخبراء والمحللين. ومهما كانت النتيجة، فمن الواضح تماما أن هذا هو واحد من الانتخابات الرئاسية وأكثرها تأثيرا في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه سيتم تشكيل مستقبل دور الولايات المتحدة في العالم لسنوات، بل عقود قادمة.
aXA6IDE4LjIyMy4xOTUuMTI3IA== جزيرة ام اند امز