حكومة لبنان تحت رحمة "هيمنة إيران" و"مستقبل سوريا"
الأزمة الأخيرة التي عصفت بالحكومة على خلفية ملف التمديد المتوقع لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لا يعني أنها ستختلف عن التجارب السابقة
في لبنان بات كل شيء معلقاً.. هذه الخلاصة تعترف بها أغلبية الطبقة السياسية، منذ أن بات الشغور الذي ضرب الرئاسة حقيقية يصعب تجاوزها من العام 2014.. ومنذ هذا التاريخ يصعب في هذا البلد الصغير تعيين حاجب من دون أن تدخل فيها العوامل الطائفية والسياسية وتتصارع فيها الأحزاب والتيارات.
هذه النكتة التي يرددها أحد النواب دوماً، ليست إلا انعكاس واضح لحالة البلد، ومع احتدام الصراع السياسي على خلفية ملف التعيينات الأمنية، وترجيح التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، يردد السياسي ذاته "نكته" مضيفها إليها: "إن الحاجب يستدعي استنفاراً وصراعاً سياسي، فكيف الحال لدى طرح موضوع تعيين قائد جديد للجيش أو التمديد للقائد الحالي".
الأزمة الأخيرة التي عصفت بالحكومة على خلفية ملف التمديد المتوقع لقائد الجيش العماد جان قهوجي، لا يعني أنها ستختلف عن التجارب السابقة، وتؤكد مصادر وزارية القول أن بقاء الحكومة أمر محسوم ليس داخلياً فحسب بل أيضاً دولياً وإقليميا.
وإن كان قرار بقاء الحكومة يدركه الجميع، يبقى السؤال الأهم عن مغزى تصعيد "التيار الوطني الحر" ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، ضد الحكومة، وعدم مشاركة وزراء الخارجية جبران باسيل والتربية إلياس بوصعب، والطاقة أرتور نظريان في جلسة الحكومة التي عقدت أمس.
وتوضح مصادر بـ"التيار" أن الموقف محسوم لجهة رفض التمديد، والتحضير لخطوات لاحقة إن أُقر، ومن بينها احتمال اللجوء إلى الشارع، تضع مصادر وزارية مطلعة ما يحصل في خانة الضغط لمحاولة تحصيل مكاسب سياسية في مكان آخر، وتحديداً في ملف رئاسة الجمهورية، بعد المقايضة التي طرحها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، والتي تدعو إلى انتخاب عون رئيساً مقابل أن تكون رئاسة الحكومة من حصة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.
الثابت الوحيد أن الحكومة دخلت مرحلة جديدة من الشلل، خصوصاً أنه عند كل منعطف سياسي، يتحول النقاش في لبنان، إلى أسس النظام السياسي، وهو ما حصل هذه المرة أيضاً، بعد رفض "التيار" عقد أي جلسة حكومية، لأنها فاقدة لـ"الميثاقية"، بما أن وزراء التيار المسيحيين إضافة إلى وزير حزب "الكتائب" المستقيل"، يعني بنظر هذا الفريق أن المكون المسيحي غائب عن الحكومة، فيما الفريق الآخر وعلى رأسه رئيس الحكومة يرفض هذه البدعة بما أن في الحكومة 12 وزيرا مسيحيا غاب منهم 4 فقط! ويعكس هذا النقاش حدة الأزمة التي يمر بها لبنان، بما أن الحديث عن الميثاقية، بات ثمة في كل ملف سياسي، حتى المتعلق بشؤون إنمائية صرفة.
لكن وسط كل هذا أين "حزب الله" الإرهابي؟ الأكيد أن الحزب متمسك بالحكومة شكلاً ومضموناً، نظراً إلى تمسكه بالاستقرار الداخلي، وهو ما يعترف به حتى ألد خصومه السياسيين، ولكن عدم مقاطعته للحكومة تضامناً مع حليفه عون، لا يعني تخلياً عنه، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة في فريق "8 آذار"، بل تشير إلى توزيع أدوار، خصوصاً أن الحزب كان عرّاب الصفقة التي أفضت إلى عقد جلسة من دون إقرار بنود مهمة، احتراماً لغياب المكون المسيحي، كما أن الحزب أكد مراراً على ضرورة الحوار مع "التيار"، وآخرها في بيان كتلة "الوفاء للمقاومة" التي تحدث عن أن العمل السياسي لا يمكن أن يستقر في ظل غياب حليفه.
هذا الواقع السياسي الصعب الذي يمر به لبنان، يرجح عضو كتلة "المستقبل" النيابية النائب أحمد فتفت أن يطول، خصوصاً أن لبنان بات مرتبطاً حكما بالوضع الإقليمي، الذي لن يحل في أسابيع بل يحتاج ربما لسنوات، وبالتالي سيبقى لبنان على حاله في ظل وجود وصاية داخلية (في إشارة إلى حزب الله) ووصاية إقليمية (في إشارة إلى إيران) تستفيد من حالة الشلل، خصوصاً أن فائض القوة لدى هذا الفريق يريد ترجمته سياسياً على صعيد النظام متى سنحت الفرصة المناسبة.
وإن كان فتفت يرفض الحديث عن عدم قدرة النظام اللبناني على حل أزماته، يذكر بأن هذا النظام نجح في معالجة مشاكله على صعيد إنتاج السلطة وإدارة البلد في أحلك الظروف، ومنها الحرب الأهلية اللبنانية، وبالتالي يمكن ذلك اليوم، لكن يبقى رهن محاولة إقناع إيران بالكفّ عن محاولة هيمنتها على لبنان، وبالكف عن تعطيل مؤسساته، ودون ذلك لن يكون قيام لدولة أو مؤسسات.
ولا شك أن أزمة النظام اللبناني تزخمت بقوة بعد الأزمة السورية، وبعد دخول "حزب الله" المباشر في الحرب الدائرة هناك دعماً للنظام السوري، وهو عملياً ما أحال لبنان إلى شأن ثانوي، بالنسبة له، وبالنسبة طبعاً للقوى الإقليمية والدولية.
القصة وعلى أهمية الموقع المتصارع عليه أكبر وأعمق، ثمة في لبنان انتظار سياسي وإداري على كل الصُّعُد لمرحلة ما بعد سوريا، قلة تبدو متفائلة على الرغم من جهود البعض في تدوير الزاويا ومحاولة تسيير الدولة ومؤسساتها بأقل ضرر ممكن عبر حوارات ثنائية أو وطنية لم تحقق شيئاً حتى الآن.
لا تخفي مصادر سياسية مطلعة في لبنان أن الوضع في لبنان المعلق يخدم "حزب الله" بالدرجة الأولى، خصوصاً أن أي تغيير في سوريا، يعني حكماً سينعكس على الساحة الداخلية اللبنانية، وبانتظار الوضع السوري، الذي يرجح أن يطول، يهم "حزب الله" حصراً إبقاء الوضع الأمني مستقراً، بما أن لبنان بات قاعدة تدريب وإسناد وانطلاق.
من هنا يبدو أن أغلبية الطبقة السياسية مقتنعة ببقاء الحكومة اللبنانية، على الرغم من تعرضها لعشرات الهزات السياسية، التي كادت أن تطيح بها أكثر من مرة، خصوصاً أن الجميع متفق على أنها المؤسسة الدستورية الأخيرة العاملة، في ظل الشغور الرئاسي، وعدم قدرة مجلس النواب على التشريع في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية.