لم يجد الرسام والنحات الهاوي، بشير مسلم، سوى الفرار إلى إقليم كردستان العراق هو وعائلته حيث الملاذ الآمن من وطأة الحياة تحت حكم "داعش"
عندما دخل تنظيم "داعش" إلى مدينة الرقة السورية وفرض أفكاره المتشددة وراح يتدخل في كل شاردة وواردة، ويطبق ما يسميها "العقوبة الشرعية" على من يخالف تعليماته، لم يجد الرسام والنحات الهاوي، بشير مسلم سوى الفرار إلى إقليم كردستان العراق هو وعائلته حيث الملاذ الآمن من وطأه الحياة تحت حكم التنظيم الإرهابي.
مسلم كان يعمل في إحدى ورشات التجليد الفني في المحافظة السورية، لكن هوايته بتشكيل المجسمات ورسم الشخصيات وحيازته لبعض أدوات النحت ومعدات الرسم، جعلته فريسة سهلة لقبضة "داعش" الذي استولى على أدواته وأنذره بتطبيق "الحدود الشرعية" في حال ممارسته لعمل يعتبر من المحرمات لديهم.
ضيق ذات اليد، أجبر مسلم على ترك مقاعد الدراسة بعد أن أتم المرحلة الابتدائية، ليكتشف موهبته من الطين، "بداية وعندما تركت مقاعد الدراسة عملت بترميم البيوت الطينية في قريتي الريفية الصغيرة، حيث لا يعرف العمران الحديث حينها مكانا له هناك، وفي أوقات الفراغ كنت أشكل المجسمات من الزوائد الطينية، وأعجبني الأمر حتى أصبحت أنحت شخصيات من الواقع إلى أن تعلمت رسمها أيضا وبشكل تدريجي"، يقول مسلم لـ"بوابة العين".
وما لبث مسلم أن استغل هوايته نفسها التي أخرجته من وطنه لتصبح مصدر رزق جديد "يقيه وأطفاله الثلاث من التشرد جوعا بين أزقة أربيل".
مسلم أصبح بعد ذلك يمضي أيامه وهو يخطط وجوه اللاجئين الذين حفروا ذاكرته وقلمه، فلا تخلوه لوحاته التي يفترشها على أحد أرصفة قضاء "شقلاوة" الكردستاني من ظلال الحزن واللجوء بعد أن غادر بلاده مكرها خوفا من بطش التنظيم المتشدد.
ولم يحظَ مسلم منذ لجوئه للإقليم بفرصة ليعرض لوحاته "على جدران إحدى القاعات المخصصة لتقدير الفن" كما يقول، فلوحاته الفنية باتت تعرض على العابرين في شارع ضيق في الإقليم الكردستاني باهظ المعيشة، والذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة وقوة شرائية شبه معدومة.
وبنبرة يكسوها الحزن يقول مسلم: "إقامة معرض فني تتطلب مستلزمات وتجهيزات باهظة الثمن، وأنا الآن لا أقوى سوى على سد رمق عائلتي وتسديد إيجار المنزل".
ويأبى مسلم أن يعيش وعائلته في خيم اللجوء، قائلا: "قررت الفرار من مدينتي (الرقة) التي تعيش فصول البؤس والسواد بشكل يومي، حفاظا على عائلتي، فلن أقبل أن يكون مصير أطفالي كعشرات السوريين الذين قضوا حرقا في مخيمات الإقليم".
ويعيش مسلم وعائلته إلى جانب تسعة آلاف أسرة أخرى من العرب -من بينهم 150 عائلة سورية- لجأت إلى قضاء شقلاوة الكردستاني، الذي كان يضم -بحسب التصريحات الرسمية- قبل ظهور تنظيم داعش، في حزيران/يونيوعام 2014، 28 ألف أسرة فقط.
ويعد قضاء شقلاوة (50 كيلومترا شمال شرقي أربيل) من المناطق السياحية المهمة في إقليم كردستان، وكان يشهد زحاما خلال موسم السياحة فقط، لكن المدينة الآن تشهد زحاما دائما بسبب أعداد النازحين الكبيرة التي توافدت إليها من مدن عراقية أخرى، ومن سوريا أيضا، هربا من "فظائع الحياة تحت سطوة الجهاديين،" بحسب مدير الدفاع المدني في شقلاوة والذي يشرف على شؤون اللاجئين هناك.
aXA6IDE4LjIxNi40Mi4yMjUg جزيرة ام اند امز