عندما يعمل «المحرك» الإيراني على جبهات كثيرة يعني ذلك أن أمرًا ما تجري التغطية عليه، وإما لإشغال الشارع الإيراني بمواجهة مع أمريكا
عندما يعمل «المحرك» الإيراني على جبهات كثيرة يعني ذلك أن أمرًا ما تجري التغطية عليه، وإما لإشغال الشارع الإيراني أو المراقبين بمواجهة «إيرانية» مع أمريكا.
فجأة «يتحدى» زورقان إيرانيان الأسطول الخامس الأميركي في الخليج فيهدد المرشد الأعلى بأن بلاده مستعدة لصد أي هجوم أميركي، يلي ذلك بث خبر أن الدفاع الجوي في قاعدة «خاتم الأنبياء» لاحق طائرة أميركية من دون طيار اقتربت من حدود إيران، ثم أعلن قائد سلاح الجو الجنرال فرزاد إسماعيلي عن نشر نظام صواريخ دفاعية لحماية منشأة «فوردو» النووية.
لم تستطع إيران أن تتخلص من صدمتها بالكشف الروسي عن استعمال قاعدة همدان فانكشفت حقائق كثيرة معها. من دون شك ستواصل الدولتان تعاونهما ولكن ومن دون شك أيًضا فإن الاحتكاك سيستمر.
تتفق الدولتان على نقطتين: مساعدة النظام السوري لإلحاق هزيمة بالمعارضة، والوقوف في وجه الولايات المتحدة. أبعد من ذلك هناك الكثير الذي يفصل بينهما.
واحد من الخلافات التي قد تصبح مشكلة لشراكتهما هو في سوريا نفسها، ففي حين ترغب إيران في الإبقاء على بشار الأسد في السلطة، فإن روسيا غير ميالة بشكل حتمي إلى ذلك.
فهي تريد نظاًما مستقًرا وصديًقا لموسكو عندما يزاح الأسد. ليس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين صبر أو تفهم للإسلاميين الراديكاليين، في حين أن إيران تعارض الإسلاميين السنة وتقبل على، وتشجع الميليشيات الشيعية و«حزب الله». الدولتان تجمعهما كراهية واشنطن، لكن نهجهما تجاه إسرائيل مختلف تماًما. فقد أقام بوتين علاقة قوية مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ويلتقيان بانتظام. يريد بوتين أيًضا قدًرا من الاستقرار في المنطقة غير أن إيران لديها التزام ديني لنشر «علامتها» من الثورة الإسلامية.
الدولتان ترغبان في توسيع علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية، والدولتان تجهدان لإحياء اقتصادهما الذي عانى، جزئًيا على الأقل، بسبب العقوبات الأميركية والغربية، لذلك فإن الالتفات إلى بعضهما البعض لتوسيع التجارة المتبادلة بينهما أمر طبيعي.
لكن هذه الخطوة يعرقلها اعتماد الدولتين على النفط والغاز. إنما تبقى هناك منتجات أخرى للشراء والبيع، بالإضافة إلى الفوائد الاستراتيجية والتكتيكية، لكن تاريخ الجارتين الطويل عبر بحر قزوين يعني أن الاحتكاك بينهما سوف يعيق تطوير شراكة متينة وموثوق بها.
إيران الباحثة باستمرار عن التوسع والبدائل، ترأس وزير خارجيتها محمد جواد ظريف وفًدا لزيارة دول في أميركا اللاتينية، فاختار منها الدول المعروفة بعدائها للولايات المتحدة مثل كوبا وفنزويلا ودولاً معروفة باستضافتها لعناصر من «حزب الله»، فأثارت هذه الزيارة مخاوف مسؤولين أميركيين فحذروا من أن إيران تحشد هذه الدول لإطلاق هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية.
مصادر في الكونغرس الأميركي لفتت إلى أن إيران الحليفة لروسيا التي تصعد عمليات التجسس في المنطقة اللاتينية تعمل مع «الدول المارقة» لتعزيز مناهضة الولايات المتحدة وتحريك الاضطرابات.
خلال زيارته كوبا استهدف ظريف الولايات المتحدة معبًرا عن رغبة بلاده في التحالف مع الدول المعادية لأميركا.
مصدر أميركي متابع للتحركات الإيرانية، رأى في ذلك أن طهران تسعى لتجنيد الإرهابيين الذين يودون إلحاق الضرر بأميركا.
قال «إن زيادة التعاون بين إيران وهذه الدول في أميركا اللاتينية تمهد الطريق أمام الإرهابيين لاختراق أرضنا من دون الكشف عنهم؛ إذ يمكن لأفراد السفر بسهولة إلى فنزويلا، ومن هناك يستطيعون العبور إلى نيكاراغوا أو كوبا من دون جوازات سفر أو تأشيرات، مما يهدد أمننا القومي».
في هذه الزيارة أعلن ظريف عن إعادة فتح سفارة إيرانية في تشيلي لأول مرة منذ نجاح الثورة، وهذا أثار التكهنات بين المسؤولين الأميركيين بأن إيران مقدمة على توسيع شبكاتها الإرهابية العالمية لتصل حتى عتبة أميركا؛ ذلك إن القواعد الكلاسيكية التي تعتمدها إيران تقوم على استخدام المراكز الثقافية والسفارات الجديدة أو القنصليات أو الاتفاقيات التعاونية، فتكون هذه واجهات الهدف منها توسيع الشبكات الإيرانية المتطرفة. ولفت مصدر في الكونغرس الأميركي إلى أن توقيت رحلة ظريف له أبعاده، و«المثير للقلق أنه تزامن مع مرور 22 سنة على الهجوم الإرهابي على مركز الجالية اليهودية في الأرجنتين، وسوف تزرع إيران عملاءها قريًبا في السفارة الجديدة في تشيلي».
النائبة الجمهورية إيليانا روس ليهتنين، رئيسة اللجنة الفرعية بمجلس النواب حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قالت في بيان لها عن جولة ظريف: «إنها تمثل تهديًدا للأمن القومي الأميركي ولأمن حلفائنا.
لقد فشلت إدارة الرئيس باراك أوباما في منع روسيا من التوسع في نصف الكرة الأرضية باتجاهنا، والآن تضاعف إيران جهدها للقيام بأنشطتها الشائنة في المنطقة».
وحثت ليهتنين البيت الأبيض على وقف التقليل من أهمية التهديد الإيراني واتخاذ إجراءات فورية لمنع الدولة «الرائدة في رعاية الإرهاب بالعالم» من إقامة ملاذ آمن في الأميركتين. آخرون من رجال الكونغرس رأوا في التوقيت ما يثير الشبهات، وأن إيران قد تستغل هذه الدول للتحايل على المقاطعة الدولية، وزعزعة المصالح الأميركية و«توسيع شبكة التهريب التي تساعد على تمويل أنشطتها غير الشرعية».
إن تجدد المخاوف بشأن البصمة الإيرانية في أميركا اللاتينية يأتي بعد عامين من قول وزارة الخارجية الأميركية إن نفوذ طهران تراجع في المنطقة. في هافانا التي أعادت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية معها، قال ظريف: يمكن لكوبا وإيران أن تثبتا للولايات المتحدة أنه لا يمكن أن تمضي قدًما في فرض سياساتها على الدول الأخرى من خلال الضغط (...) نضج الوقت الآن لتحقيق أهدافنا المشتركة وتطبيق «اقتصاد المقاومة» في إيران وتحقيق أهداف الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بإعادة بناء الاقتصاد الكوبي.
وشدد ظريف على أن لإيران علاقات معمرة وقوية في القارة الأميركية ودول أميركا اللاتينية.
الملاحظ أن إيران عززت جهودها لإشراك أميركا اللاتينية معها في أعقاب الاتفاق النووي مع الغرب في الصيف الماضي.
وجعلت في فضائية «الميادين» التي تمولها، حصة لإعادة أمجاد أميركا اللاتينية، عبر برامج باللغة الإسبانية تغطي مراحل هوغو شافيز الرئيس الذي أعاد فنزويلا إلى مراحل الفقر والعوز، رغم أنها دولة نفطية، كما أن القناة تركز على الثورة الشيوعية في كوبا، وكأن تشي غيفارا وفيدل كاسترو رجلا دين، فقط لأنهما عاديا أميركا.
من جهته يدفع ظريف وبقوة في اتجاه الانفتاح الإيراني على دول أميركا اللاتينية، انطلاًقا من السياسة التي بدأها الرئيس حسن روحاني ووصلت إلى حالة التأهب القصوى في أعقاب الاتفاق النووي.
جولة ظريف الأخيرة سبقتها جولة قام بها إلى تلك الدول، باستثناء تشيلي في شهر مايو (أيار) الماضي.
بدأ ظريف جولته الأخيرة في هافانا، لأنها «رمز» الصمود و«مقاومة الضغوط القانونية والاقتصادية».
تجاوز ظريف أن «الاتحاد السوفياتي» كان الداعم الأساسي للصمود الكوبي، وبعد ذلك صار الفقر العامل المشترك بين الكوبيين.
من أهداف جولته، البناء على التجربة الكوبية زمن اعتمادها على الدعم السوفياتي من أجل تعزيز نظام عالمي مناهض للولايات المتحدة والرأسمالية وأيًضا ضد الحرية. تجاوز تطلعات الشعب الكوبي، فالشعوب لا قيمة لها حسب تفسير النظام الإيراني، فالقمع هو الوسيلة الوحيدة.
الأكثر وضوًحا في جولة ظريف، بالإضافة إلى السعي لترسيخ السياسة المناهضة لأميركا، أن إيران تهدف إلى تعزيز شبكاتها الإرهابية تحت وهم الدعم الاقتصادي. وسوف يقتضي ذلك التوقيع على صفقات تجارية ومذكرات تفاهم. إيران التي تعاني من ضائقة اقتصادية وحصار دولي تبحث لتعميق وجودها في أميركا اللاتينية الذي يجعل شبكاته قريبة من العتبة الأميركية.
*نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة