تسييس الحج.. أطول المسلسلات الإيرانية "اليائسة"
تعرض "العين" تسلسل التصعيد الإيراني غير المبرر ضد الرياض واستغلال ملف الحج في التراشق والتجرؤ على مسائل محسومة لدى المسلمين.
يبدو أن رحلة إيران لتسييس شعيرة الحج، لها مآرب أبعد من محاولة التغني بمظلومية حادث التدافع في منى الذي وقع العام الماضي، والذي أوضحت المملكة السعودية العربية، مرارًا وتكرارًا براءتها منه، وظهر ذلك جليًا في إثارة أمر محسوم لدى المسلمين من كل بقاع الأرض، وهو إدارة الرياض للأماكن المقدسة.
وبعد مفاوضات بين الرياض وطهران استمرت قرابة الشهرين، ومساعٍ سعودية حثيثة لإنجاح ترتيبات الحجاج الإيرانيين، تعنت الوفد الإيراني، مغادرًا الأراضي السعودية دون التوصل لاتفاق، تلاه منع إيران إرسال حجاجها إلى السعودية، بل الأكثر من ذلك منعهم من استخدام دولة ثالثة في الحج.
كان الأمر ليتوقف عند هذا الحد، لولا أن موسم الحج فعليًا قد بدأ وخلا من الأعداد الكبيرة للإيرانيين، الذين حُرموا بسبب قرار طهران، وربما لسببين أولهما داخلي: وهو احتواء غضب الإيرانيين في مسألة الحج من جهة، والثاني: خارج يتعلق بالاستمرار في استغلال مسلسل الحج في إثارة قضايا تخدم مصالح إيران ومدها الشيعي في المنطقة.
وبداية هذا المسلسل، الذي كان أشبه بحرب ضروس، أعلنتها طهران، في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي؛ عندما ادعى المرشد الأعلى، علي خامنئي، أن الإيرانيين الذين أصيبوا بجروح في حادث التدافع ثم وافتهم المنية "قتلوا" بسبب انعدام الرعاية المناسبة في المملكة، داعيًا إلى إعادة النظر في إدارة الرياض للأماكن المقدسة.
ولا غرابة في أن يثير هذا الحديث حفيظة المسلمين عامة، ومفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ، الذي وجد في هجوم خامنئي غير المبرر على السعودية، وطعنه في إجراءاتها الخاصة بموسم الحج، "أمرًا غير مستغرب" على هؤلاء.
وأضاف "يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين؛ فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم.. وتحديدًا مع أهل السنة والجماعة".
وأكد ثقته أن من يحاول التشويش على خدمة السعودية للحج والحجيج وقاصدي الحرمين الشريفين لن ينالوا مرادهم؛ وذلك لأن المسلمين كلهم ثقة بما تقوم به حكومة هذه البلاد من خدمة للحرمين بناءً وتشييدًا وتوسعة.
من جانبه، اكتفى رئيس مجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، بالقول إن تعليقات خامنئي كانت "هجومية وغير مناسبة"، واعتبرها "تحريضًا واضحًا، ومحاولة يائسة لتسييس" الحج.
وقال "الزياني" إن دول الخليج "ترفض حملة وسائل الإعلام غير العادلة، والإعلانات المتتابعة لقادة إيران الكبار ضد السعودية."
ويبدو أن الجانب الإيراني كان ينتظر رد السعودية المتوقع والمنطقي، ليكمل تصعيده؛ حيث رد وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، بتغريدة على "تويتر": "بالفعل ليس هناك من تشابه بين إسلام الإيرانيين ومعظم المسلمين وبين التطرف المتعصب الذي يبشر به كبير شيوخ الوهابية وقادة الإرهاب السعودي"، وهو الادعاء الذي تحاول إيران تصديره للعالم بشأن رجال الدين في السعودية.
التصعيد في لهجة التصريحات دفعت ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن نايف، للقول بأن هذه التصريحات التي ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة، لا تستند إلى أي مصداقية، وإن طهران هي التي طالبت بأمور "تخالف شعائر الحج" في محاولة لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام"، في تصريحات له في ختام رعايته لحفل استعراض قوات أمن الحج المشاركة في تنفيذ الخطة العامة لموسم حج هذا العام.
وسرعان ما استغلت إيران تلك التصريحات ليرد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في تصريحات صحفية، إنه "على ولي العهد السعودي أن يتذكر فشل حكومته في الحفاظ على أمن الحجاج"، متهمًا الرياض بالتملص من مسؤولياتها تجاه حادثة منى، داعيًا السعودية إلى "تشكيل لجنة تقصّي حقائق حول حادثة منى، ومحاكمة المقصرين فيها".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ لكن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، دعا العالم الإسلامي إلى "معاقبة" السعودية، وهو ما يعني التصعيد على مستوى سياسي غير مسبوق.
وقال "روحاني"، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الثلاثاء: إن "على دول المنطقة والعالم الإسلامي أن ينسق إجراءاته لمعالجة المشاكل ومعاقبة الحكومة السعودية".
وربما كان الرد الأمثل على التراشق الروحاني إعلان مسؤولين خليجيين رفضهم لتسييس الحج، بدءًا من وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي قال، أمس، في تصريحات للصحفيين: إن إيران تحاول تسييس الحج من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وهو الشيء الذي يرفضه العالم الإسلامي، مشيرًا في هذا الصدد إلى رفض إيران توقيع اتفاقية الحج مع التسهيلات التي قدمتها حكومة المملكة ما أضاع على الحجاج الإيرانيين الذين ينوون الحج لهذا العام ويوجد مشاكل للذين ينوون الحج في الأعوام القادمة.
وحتى عندما سأل الوزير السعودي بشأن مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية، لم يرد باتهامات مطلقة، لكنه لخص ما حدث خلال سنوات بقوله إن المملكة لم تغتل دبلوماسيين إيرانيين ولم تقتحم السفارات الإيرانية ولم تهرب الأسلحة إلى الداخل الإيراني لدعم الأقليات ولم تتدخل في دول الجوار ولم تدفع بالطائفية.
وأضاف: في المقابل ومع توقيع الاتفاق النووي مع إيران صعدت إيران من لهجتها العدائية، وهذا مُشاهد في لبنان وسوريا واليمن والبحرين، إضافة إلى تهريب الأسلحة إلى داخل المملكة والكويت، بينما لا يوجد دليل واحد يشير إلى علاقة المملكة العربية السعودية بالإرهاب أو دعمه رغم ما يشاع من مزاعم.
الحرب الكلامية، التي تجاوزت مسألة الحج، كانت سببًا في استفزاز رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلق الكاتب الجزائري، أنور مالك، عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر": لو يدرك المسلمون حقيقة ما تريده إيران من حربها على السعودية لصاروا سعوديين فحقدها ديني وقومي يستهدفهم كلهم وليس مجرد خلاف بين ملالي وآل سعود.
وأضاف مالك: فكرة تدويل الحرمين استعمارية وهي عدوان إيراني معلن على سيادة الدولة السعودية وتعتبر محاولة لزعزعة استقرارها بما يتنافى مع المواثيق الدولية.
وقال المحامي المصري، خالد أبو بكر، عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر": إن إيران تحاول استغلال الالتزام الديني والأدبي للملكة العربية السعودية تجاه فريضة الحج لمحاولة خلق وافتعال أزمات سياسية ومحاولاتها مكشوفة وفاشلة.
aXA6IDEzLjU4LjYxLjE5NyA= جزيرة ام اند امز