تستهدف القوانين الاصلاح وتحقيق المصلحة العامة ، وهى غاية ومنهاج، ويتحقق ذلك بتطبيق التشريع تطبيقاً سليما
تستهدف القوانين الاصلاح وتحقيق المصلحة العامة ، وهى غاية ومنهاج، ويتحقق ذلك بتطبيق التشريع تطبيقاً سليما، لأن حياته فى تطبيقه ، فاذا لم يطبق
القانون فقد ولد ميتا، واذا طُبِّق بعيدا عن غايته صار الأمر انحرافا وعجزا عن تحقيق الاصلاح ، وعندئذ نكون أمام معضلة حقيقية تقتضى مناقشة الأسباب والمعوقات التى حالت دون تطبيقه وألقت به فى دائرة النسيان ، وتتطلب المساءلة حال الانحراف فى التطبيق ووضع العراقيل فى سبيل تحقيق هدفه ، واعتباره عاطلاً عن تحقيق الاصلاح, ويحدث ذلك عندنا كثيراً ، رغم تكاثر التشريعات واستسهال اصدارها ، حتى أصبحت متابعتها عقبة ، وحسن تطبيقها مشقة ، فيسقط الكثير منها فى غيابة الجب ، فمن يصدق مثلا أنه باحصاء بسيط على مدى خمسة عشر عاماً ، يصدر قانون جديد «كل يومين أو ثلاثة أيام ، فأصبحنا أمام» انفجار تشريعي» ، وهى سنة سيئة غير حميدة ، اذ ظن المسئولون منذ القدم أن اصدار التشريع يكفى وحده لحل أى مشكلة.
ومع كثرة صدور هذه القوانين منذ قديم وحتى الآن ألا أنها وبكل أسف مازالت عاطله عن تحقيق الاصلاح ، من أمثلة ذلك قانون الاصلاح الزراعى رقم 178/52 الصادر عام 1952 والمعدل بالقانون رقم 132/1953.. والذى مازال يطبق حتى الآن أمام اللجان القضائية للاصلاح الزراعى والمحاكم ، وكان يستهدف سرعة الفصل فى المنازعات ، ومع ذلك مازالت اللجان لا تنعقد وتنفض اذا انعقدت ، وتظل المنازعات أمامها باقية بعد مضى ستين عاماً ويزيد وحتى الآن ، ومازال أمامها طريق طويل أمام القضاء ، ويفاخر المسئولون بالاعلان عن اعادة تشكيلها بعد توقف .. ثم ما تلبث أن تتوقف لسنوات وتنفض ولا تنعقد !! فأين نحن من تحقيق غايتها .. ولماذا نسكت على بقائها .. وأين لجنة الاصلاح التشريعى منها !! ومن أمثال ذلك الكثير !!
من ذلك أيضاً القانون الصادر رقم 344 عام 1952 بشأن الغدر ، والذى بُعثت اليه الحياة عام 2011 بالقانون رقم 131 أثناء المجلس العسكرى ، وعَدّل عنوانه الى «افساد الحياة السياسية» وظل القانون قاظما لم تطبق منه ماده واحده ، رغم الحماس والانفعال الذى صاحب اعادة اصداره .. ولم ينجح أحد فى تطبيق أحكامه حتى الآن ، حتى فى الدعاوى المنظورة أمام محكمة الجنايات التى تكشف بوضوح عن افساد الحياة السياسيه ، لأن مادة الاتهام ذاتها ظلت عاطلة لم تدرج ضمن قائمة الاتهامات !!
ومن أمثلة القوانين الحديثة حدث ولا حرج ، فقانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر عام 97 والذى تم تعديله إبان المجلس العسكرى عام 2012 لتحقيق الاصلاح .. والتصالح مع المستثمرين فى جرائم الأموال .. وعهد الى مجلس الوزراء بتشكيل اللجان .. ثم تقرر تشكيل لجنة تسوية منازعات عقود الاستثمار .. واعتماد نتائجها من مجلس الوزراء لتكون ملزمة .. وكان ذلك منذ يناير 2012 .. ومن قبل صدر قرار رئيس الوزراء فى 17 أغسطس 2011 ، ثم جرى تعديل القانون أكثر من مرة عام 2014 وبعدها صدر قرار رئيس الوزراء فى 11 سبتمبر 2014 ، ثم القرار بقانون رقم 17/2015 ثم قرار رئيس الوزراء بتشكيل لجنة لتسوية منازعات عقود الاستثمار ، ومع ذلك ظل تطبيقه متعثراً محدود الآثر !!
كذلك قانون الكسب غير المشروع ، الذى يرجع تاريخه الى عام 1968 ثم بعدها فى عام 1975 وقد جرى تعديله فى أغسطس 2015 ليتيح التصالح ويمنح الفرصة لمن فر خارج البلاد ، إلا أن اجراءات التصالح بلغت من التعقيد والعنت بما لا يحقق غايته .. حيث يعهد الى لجان خبراء للتقدير المالى فى تاريخ ابرام الصلح ، وتشكيل أمانة للجنة ، ثم التظلم من التقدير أمام لجنة أخرى .. بعدها جرى الخلاف عند التطبيق فى مدى وجوب العرض بعد ذلك على النائب العام والانتظار !! ويتوقف تطبيق القانون بالبحث عمن يبادر بسداد المال واجراء التصالح .. ثم ينتظر بعد ذلك مصير ذلك الصلح قبولاً أو رفضاً ، رغم أن القانون يرتب انقضاء الدعوى الجنائية على التصالح كل ذلك من شأنه أن يجعل القانون عاطلاً عن تحقيق غايته .
كذلك الحال فى قانون الاجراءات الجنائية الصادر منذ عام 1950 أى ما يزيد على نصف قرن من الزمان ، والذى تم تعديله أكثر من مرة ، حيث جاء أخيراً التعديل فى أغسطس 2015 ليستهدف أيضاً التصالح فى جرائم العدوان على المال العام .. باجراء تسوية بمعرفة لجنة خبراء ..يعتمدها مجلس الوزراء .. ويجرى التصالح بعيدا عن النيابة العامة ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى .. أو وقف تنفيذ العقوبة ، وتم الاعتراض على كيفية التصالح بعيداً عن سلطة التحقيق ، وأن ذلك يقع فى مجال عدم الدستورية ، وصدرت بعدها فى نوفمبر 2015 ، قرارات تشكيل لجنة الخبراء من أثنى عشر عضواً والرئيس, وأمانة فنية من أثنى عشر.. تُقدم اليها مذكرات ومستندات، ثم لجنة أخرى لتسوية منازعات عقود الاستثمار من عشرة أعضاء .. وأمانة فنية من ثلاثة أعضاء ، وبعدها تشكيل لجنة لفض منازعات الاستثمار، وبالجملة كثرت التشريعات التى تستهدف التصالح والاصلاح ومع ذلك مازالت تلك التشريعات عاطلة عن تحقيق غايتها ومحدودة الآثر بل ولم يتم تشكل اللجان بعد !!
كذلك ياحضرات صدر القانون 32/2014 منذ ابريل 2014 أى منذ أكثر من سنة ونصف السنة .. ينظم الطعن على عقود الدولة مع المستثمرين .. بهدف منع الاستغلال والابتزاز لظهور طائفة بغير صفة أو مصلحة ، وليطهر القضاء من خصومات كيدية أو وهمية لأغراض أخرى .. حيث يؤكد القانون الجديد على الصفة والمصلحة الشخصية المباشرة عند اللجوء الى القضاء .. ومع ذلك مازال القانون عاطلاً .. بعد أن أحيل الى المحكمة الدستورية العليا .. وأوقف نظر الطعون المقامة من الغير .. لحين الفصل فى الدستورية .. ومازالت القضايا باقية والقانون عاطلاً عن تحقيق هدفه كل ذلك يجعلنا نتساءل عن تلك التشريعات التى تكاثر صدورها، ومع ذلك أصبح تطبيقها عاطلاً عن تحقيق الاصلاح، والبعض الآخر سقط فى دائرة النسيان .. وتطل علينا بعد ذلك لجنة الاصلاح التشريعى.. انتبهوا أيها السادة فماذا نحن فاعلون حتى يتحقق الإصلاح
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة