سأل أحدهم الأمين العام للجامعة عما تم بشأن مشروع إصلاح الجامعة؟ فأجاب معاليه بأن هناك مشروعاً لإصلاح الجامعة يجري العمل عليه حالياً.
احتفلت جامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي، بمرور سبعين عاماً على إنشائها. وقد تزامنت هذه الاحتفالية مع مؤتمر مؤسسة الفكر العربي، المقام داخل أروقة الجامعة، وبحضور نُخب عربية بارزة ومتنوعة الاختصاصات والاهتمامات.
ولأنّ نوعية الحضور كانت كذلك، فإن حفلة عيد ميلاد الجامعة لم تكن خالية من الشوائب. إذ رغم الخطاب الفرائحي السائد بالطبع في الاحتفالية، فإن بعض من تحدثوا من «مردة» المثقفين قد كال من التوبيخ على الجامعة في سبعينيتها ما لم تتوقع أن تسمعه داخل حرمها، إذ سمعته خارجها كثيراً.
سأل أحدهم الأمين العام للجامعة عما تم بشأن مشروع إصلاح الجامعة؟ فأجاب معاليه بأن هناك مشروعاً لإصلاح الجامعة يجري العمل عليه حالياً. همس أحد الخبراء في شؤون الجامعة بجانبي قائلاً: هذه الإجابة نفسها تتردد منذ الاحتفال بمرور خمسين عاماً، أو ربما قبل ذلك!
سبعون عاماً مرت على إنشاء جامعة الدول العربية، ظلت خلالها عصيّة على التغيير أو التطوير رغم المحاولات والمساعي العديدة التي تمت، والمبادرات الرسمية والأهلية التي اقتُرحت لتطوير أدائها. ولكي يستبين لك حجم هذه المساعي عليك بنقرة واحدة في محرك البحث غوغل تحت عنوان: إصلاح جامعة الدول العربية، وسترى العدد المتكاثر من المواد التي تناولت هذا العنصر، من خلال: أخبار صحافية، مقالات، أطروحات ورسائل أكاديمية، مبادرات حكومية، مشاريع مؤسسية. وقد تطرقت تلك المبادرات ذات المنابع المتنوعة إلى قضايا ومقترحات ما زال الحديث الشهي يدور عنها في كل مناسبة أو أزمة عربية، مثل: تعديل آلية اتخاذ القرارات بالإجماع، مراجعة سبل تسوية النزاعات العربية، إنشاء محكمة عدل عربية، السوق العربية المشتركة، البرلمان العربي الموحد، المجلس الأعلى للثقافة العربية، والعديد من الأفكار الوردية الخلاقة في سبيل الوصول إلى الاتحاد العربي المأمول.
استطاعت مؤسسة الفكر العربي، بكل جدارة ومهارة، اختراق «الجدار العازل» بين جامعة الدول العربية والمؤسسات غير الحكومية (NGO) التي تمثل المجتمع المدني العربي. حتماً أن الأمر لم يكن هيّناً على ممثلي المؤسسة الفتيّة لإقناع ممثلي الجامعة الرصينة بتحريك المقاعد من أماكنها، بعد سبعين عاماً من ثباتها. فكيف بإقناعهم بتغيير آلية العمل، أثناء المؤتمر، خارج الأطر المتوارثة؟!
بفضل هذا الاختراق السلمي، تحلحلت آلية توظيف الممرات والأروقة في مبنى الجامعة من مجرد مخزن للصور التذكارية إلى خلايا عمل وورش نقاش يومية بغرض الوصول إلى (التكامل العربي)، الذي هو موضوع المؤتمر، بعد أن أصبح الوصول إلى الحلم العربي مستحيلاً أو مؤجلاً إلى زمنٍ بعيد. كما لم تعد منصة الجامعة العليا في القاعة المستديرة حكراً على الشيوخ، بعد أن اعتلاها الشباب من سفراء الفكر العربي وتحدثوا عن مطالبهم وتطلعاتهم تجاه مواصفات عالمهم العربي الذي يحلمون به.
الحقيقة أن مؤتمر مؤسسة الفكر العربي لهذا العام، بموضوعه الجذاب وبمكانه الاستثنائي، قد استطاع أن يصطاد عصافير، وليس عصفورين بحجر. إذ بدا كأنه يتناول الإصلاح في العالم العربي، بينما هو يتسلل لواذاً في الوقت ذاته إلى المعمل «المهجور» الذي ينبغي أن ينطلق منه الإصلاح.
شكراً لسمو رئيس المؤسسة ولمعالي أمين الجامعة، إذ من دون إعادة تفكيك ثم تركيب العلاقة التشاركية بين الجامعة «الحكومية» ومؤسسات المجتمع المدني لا يمكن قطار الإصلاح أن ينطلق.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة