يبدو من متابعة وسائل الإعلام السعودية والمصرية وكأن ثمة أزمة مكتومة فى العلاقات المصرية - السعودية
يبدو من متابعة وسائل الإعلام السعودية والمصرية وكأن ثمة أزمة مكتومة فى العلاقات المصرية - السعودية. صحيح أن مؤشرات هذه الأزمة لا تظهر فى وسائل الإعلام كافة
ولا فى كل الأوقات ولكنها متواترة على أي حال، فيشار فى مقالات لكتاب سعوديين إلى انتقادات للسياسة المصرية تجاه الصراع فى سوريا بما فى ذلك أخيرا موافقتها على التدخل الروسى فى هذا الصراع، أو تلميح إلى ضعف المشاركة المصرية فى عمليات التحالف العربى الذى تقوده السعودية فى اليمن، أو إلى عدم اعتراف مصر بالقيادة السعودية فى هذه المرحلة من مراحل تطور النظام العربي، بل إن الأمر يصل أحياناً إلى ما يشبه التهديد المبطن بأن وضعاً كهذا قد يلجئ السعودية إلى اختبار صدقية الموقف المصرى تجاهها.
وبالمقابل تظهر فى وسائل إعلام مصرية انتقادات صريحة للمذهب الوهابى ومسئوليته عن الفكر المتشدد الذى قد يفتح الباب للإرهاب، وللاندفاع السعودى فى استخدام الأداة العسكرية فى الصراع اليمنى والحدة فى التصدى لإيران باعتبارها خطراً على الأمن السعودى والخليجى خاصة والأمن العربى عامة، أما على الصعيد الرسمى على الجانبين فلا نجد سوى التصريحات بالغة الإيجابية واللقاءات الدبلوماسية على أرفع المستويات والتوصل إلى وثائق ومشروعات تترجم التعاون الوثيق بين البلدين، فما هى إذن حقيقة الحديث عن أزمة ما فى العلاقات المصرية - السعودية ؟
من الحقيقى أن ثمة تبايناً بين الموقفين المصرى والسعودى فيما يتعلق ببعض القضايا كالصراع فى سوريا واليمن ومسألة القوة العربية المشتركة، وأبعاد هذا التباين صارت معروفة ولذلك فإن الأهم من تكرار الحديث عنها قياس تأثيرها المحتمل على العلاقات بين البلدين، ويساعدنا كثيراً فى هذا القياس التأكيد أن العلاقات المصرية - السعودية نابعة من حقائق بنيوية وليس من اعتبارات شخصية أو جزئية، ولهذا فإن المتتبع لمسارها التاريخى المعاصر يلاحظ أن نموذجها العام تميز بالتحالف فى وجه تحديات أساسية واجهت النظام العربى باستثناء العقد الذى قادت فيه مصر موجة التغيير فى الوطن العربى وبالتحديد منذ قيام الوحدة المصرية - السورية فى 1958 وحتى وقوع هزيمة يونيو فى 1967، وفيما عدا هذا تحالف البلدان ضد مشروع حلف بغداد فى 1955 ووقفت السعودية مساندة لمصر فى وجه العدوان الثلاثى فى 1956وفى دعم الصمود المصرى بعد 1967، وقاد الملك فيصل استخدام سلاح النفط فى حرب أكتوبر 1973.
وعلى الرغم من قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر فى 1979 بعد إبرام معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل فقد كانت من البلدان العربية التى لم يصاحب قطع العلاقات معها تدهور شامل فى العلاقات ، بل إنها حاولت فى قمة بغداد 1978 أن تخفف من غلواء الاندفاع نحو العزل التام لمصر ، ووقف البلدان فى المعسكر نفسه إبان غزو الكويت فى 1990 وساعدا سوياً على إعادة الحياة إلى النظام العربى بعد محنة الغزو، وأخيراً وليس آخراً كانت الوقفة السعودية بزعامة الملك عبد الله المساندة لمصر عقب 30 يونيو وهى الوقفة التى زادت كثيراً من عمق العلاقة بين البلدين رسمياً وشعبياً .
ويعنى ما سبق أن ثمة عوامل بنيوية تربط بين البلدين، ولا عجب فى ذلك فهما مركزا قوة مهمان فى النظام العربى لاعتبارات واضحة، فمعادلة القوة المصرية الشاملة من ناحية والمكانة المعنوية والقوة الاقتصادية السعودية من ناحية أخرى تجعل كلاً منهما بحاجة إلى الآخر ، فإذا كانت اللحظة الراهنة تشهد دعماً اقتصادياً معتبراً لمصر فى ظروف صعبة فإنها شهدت أيضاً تصدى مصر لخطر المد الإخوانى وامتداده إلى الخليج والوطن العربى ونجاحها الملحوظ فى ذلك، ناهيك عن أهمية التعاون الأمنى بين البلدين فى ظروف اضطراب سياسى هائل، ولذلك فإن أولئك الذين يصيبهم الجزع على العلاقة بين البلدين لمجرد ظهور بوادر تغيير ما يبالغون كثيراً ويقللون فى الوقت نفسه من وزن العوامل البنيوية فى هذه العلاقة، ولا أظن أن هناك ما هو أشد من الخلاف الذى نشب بين البلدين حول اليمن فى ستينيات القرن الماضي.
ومع ذلك فإنه بمجرد وقوع هزيمة 1967 تحولت العلاقة بينهما إلى علاقة تحالف استمر حتى تحقق إنجاز أكتوبر 1973 مع ملاحظة أن التحول الإيجابى فى العلاقة قد تم فى ظل استمرار قيادتى عبد الناصر وفيصل اللذين تصادما فى اليمن وهو ما يبين الوزن الكبير للعوامل البنيوية فى العلاقة، ولا يعنى هذا بحال أن نستخف بالاختلاف فى وجهات النظر بين البلدين بشأن قضايا معينة، وعلى كل طرف أن يتفهم وجهات نظر الآخر فيها، وعلى سبيل المثال فإن المصالح المصرية حساسة للغاية فيما يتعلق باحتمال تكرار نموذج انهيار الدولة العراقية فى سوريا وهيمنة تيارات متشددة عليها.
كما أن مشاركتها فى العمليات العسكرية البرية فى اليمن مقيدة بأولوية مواجهة الإرهاب فى سيناء وحماية الجبهة الداخلية بصفة عامة، كذلك يجب على الجانب المصرى وبالذات على الصعيد الإعلامى أن يقدر حساسية انتقاد المذهب الوهابى بالنسبة للشرعية السعودية وأهمية مواجهة المشروع الإيرانى والعمليات العسكرية الحوثية فى المناطق الحدودية السعودية، وعلى الدوائر الإعلامية فى البلدين أن تراعى اعتبارات المصالح المتبادلة والمعالجة الموضوعية لجوانب الاختلاف دون أن يعنى هذا أى قيد على حريتها، وليثق كل المخلصين بقدرة العلاقات المصرية - السعودية على البقاء والتطور رغم الخلاف فى وجهات النظر .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام اليومية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة