"تنويع الاقتصاد" .. مخرج "الإمارات" من أزمة النفط العالمي
يمثل القطاع غير النفطي قرابة ٦٩٪ من حجم الاقتصاد
شكلت التداعيات التي شهدها سوق النفط العالمي بعد انخفاض سعر برميل الخام، اضطرابًا كبيرًا لدول الخليج
شكلت التداعيات التي شهدها سوق النفط العالمي بعد انخفاض سعر برميل خام برنت من قرابة ١١٠ دولارات في مطلع ٢٠١٤ ليصل لما دون ٥٠ دولارًا بنهاية العام، اضطرابًا كبيرًا لدول الخليج، التي يُمثل البترول الجزء الأكبر من صادراتها، ومصدر الدخل الأساسى لموازناتها، التي بلغ عجز موازنتها هذا العام مستويات منخفضة، خصوصًا دولة السعودية التي بلغ تخطى عجز موازنتها هذا العام ١٠٪ من الناتج المحلي بما يتخطى ١٠٠ مليار دولار .
كانت دولة الإمارات الاستثناء الوحيد التي تجاوزت هذه الأزمة الكبيرة دون خسائر اقتصادية كبري، كالتي لحقت بجيرانها بسبب تنوع الاقتصاد الإماراتي، وعدم الاعتماد الوحيد على "البترول" كمصدر دخل رئيسي لجهات الإنفاق من قبل مؤسسات الدولة.
"عمر النشيطي" مؤسس "مجموعة مالتبيلز للاستثمار"، وهي شركة لإدارة الأصول والاستشارات المالية مقرها دبي، يقول في تصريحات خاصة لبوابة "العين": إن الأزمة لم تُمثل مُشكلة كبري لموازنة الدولة أو مستويات النمو ومعدلات التوظيف المحلي للأسباب المرتبطة بالنمو المُستدام المُتمثل في القطاع غير النفطي، لكنها انحصرت في الصناديق السيادية المُتعددة المملوكة لإمارة أبوظبي، والتي يتم استثمارها في أنشطة متعددة، نفطية وغير نفطية، وكذلك ستؤثر على قدرة أبوظبى على دعم حلفائها بشكل كبير سواء فى صورة منح أو استثمارات سيادية.
تجاوز الإمارات هذه الأزمة بأقل الخسائر يعود للنمو الهائل في القطاع غير النفطي، وأهميته في توفير نمو حقيي ومُستدام، بحسب الشنيطي. يقول: "رغم أزمة النفط التي تركت تأثيرات كُبرى علي الدولة الخليجية، فقد بلغ نمو الاقتصاد الإماراتى ٤٫٦٪، وهو الأعلى منذ تأسيس دولة الإمارات، ووصول حجم الاقتصاد لقرابة ١٫٥ تريليون درهم، ما يعادل ٣ تريليونات جنيه مصرى، واحتلالها الترتيب الأول إقليميًّا من حيث حجم التبادل التجارى مع أكبر عشرة اقتصاديات فى العالم.
ويرجع الشنيطي التباين في درجة التأثير لتداعيات أزمة النفط علي دول الخليج، إلي طريقة استخدام هذه الدول للعوائد الدولارية من مبيعات القطاع النفطي: "هناك دول اتجهت لتعظيم استثمارتها خارج البلاد كدولة قطر، وهناك من استخدم هذه العوائد لرفع معدلات التطوير الإنشائي داخل البلاد كالسعودية، وهناك من اتجه لنمو القطاع غير النفطي المُتمثل في قطاع السياحة، والقطاع المالي، وقطاع الاستضافة كبدائل لتوفير الموارد المالية كالإمارات".
يمثل القطاع غير النفطي قرابة ٦٩٪ من حجم الاقتصاد، والذي يشمل الخدمات المالية التى نمت بقرابة ١٥٪، وكذلك قطاع السياحة، حيث استقبلت الإمارات ما يزيد على ٢٠ مليون سائح في عام 2014 .
وحسب الخطة المُعلنة من الحكومة الإماراتية، فبحلول عام 2021 سيصل إسهام القطاع غير النفطي لقرابة ٨٠٪ من حجم الاقتصاد عن طريق الاستثمار في البنية التحتية وقطاع النقل.
يضيف "الشنيطي" أن أبرز القطاعات الحيوية المُتمثلة في القطاع غير النفطي بالإمارات هي القطاع المالي في دبي الذي شهد تطورات جعلته أحد أهم مرتكزات النمو الاقتصادي في منطقة الخليج والعالم، موضحًا أن الاستثمار فى البنية التحتية وقطاع النقل من القطاعات التي تشهد نموًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة.
من جانبه، يقول "أحمد أبوزيد" مدير الأبحاث بالمعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية، بدبي في تصريحات لبوابة "العين"، أن دولة الإمارات وتحديدًا إمارة دبي رغم أنها تنتمي لواحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط علي مستوي العالم (الإمارات العربية المتحدة) إلا أن دبي (التي لا يتعدى نسبة مساهمة النفط أو الغاز من إجمالي اقتصادها 6%) والباقي يأتي من قطاعات "غير نفطية" مثل السياحة والخدمات المالية والبنكية والاستثمار العقاري والخدمات اللوجستية والمناطق الصناعية والطيران، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية الوسيطة، التي ساهمت في رفع قيمة الناتج القومي الإجمالي للإمارة من 38 مليار دولار في 2005 إلى حوالي 108 مليار دولار في العام الجاري، وهو تقريبًا ضعف حجم الناتج القومي الإجمالي لدولة مثل لبنان، وثلث الناتج القومي لدولة مثل مصر (حجمها لا يقارب 1% من مساحة مصر)، ونفس الأمر ينطبق علي إمارة أبوظبي، التي لم تعتمد على الريع النفطي كمصدر أساسي للدخل الوطني .
يضيف "أبوزيد" أنه لفهم الدوافع الحقيقية لاستراتجية "تنويع الاقتصاد" التي تتبعها دولة الإمارات، ينبغي النظر بجدية للتصريح الذي أطلقه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (ولي عهد أبو ظبي) في القمة الحكومية في فبراير الماضي "سيأتي وقت بعد خمسين سنة، ونحن نحمل آخر برميل نفط للتصدير، وسيأتي السؤال: هل سنحزن وقتها"، والتي توضح استراتيجية الدولة في توظيف واستغلال العائدات النفطية المتراكمة التي حققتها أثناء موجات ارتفاع أسعار النفط بدلًا من وضعها في بنوك أو في ودائع بالخارج في إقامة صناديق سيادية (هي الأضخم في حجمها وقيمتها في العالم) وتوجيهها أولاً لتحديث وتطوير البنية التحيتة والتكنولوجية والمعرفية المحلية (دبي من أكثر المدن في العالم نموًا في مجال التكنولوجيا الذكية والحوكمة) وصولًا إلى توجيه الاستثمار في مجالات اقتصادية غير تقليدية ومستحدثة وصاعدة، مثل التعليم والسياحة والعقارات والتمويل ومجال الطيران والتكنولوجيا العالية، الدبلوماسية الثقافية والشعبية، الاستثمار الخارجي المباشرة في مناطق تشهد نموًا وتحولًا اقتصاديًّا من العالم مثل إفريقيا وآسيا وشرق أوروبا وأستراليا وأمريكا اللاتينية .
"كيف ينعكس هذا النمو الاقتصادي علي السياسة الخارجية لدولة الإمارات؟"
يجيب عن ذلك "أبوزيد" قائلاً: "أعتقد أن هذا ينعكس بوضوح في الوزن الإقليمي لدولة الإمارات في قيادتها للتحولات السياسية والاقتصادية في المنطقة، حيث صارت الطرف الأكثر فاعلية في ملفات المنطقة في محاولة حل وإدارة الصراعات والأزمات التي تمتلئ بها المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، مؤكدًا أن هذه اللحظة التاريخية هي العصر الذهبي لدولة الإمارات".
aXA6IDE4LjIyNC41NS4xOTMg جزيرة ام اند امز